بعد أن أصدرت ما يقارب 35 كتاباً، بدأت بالشعر وقصص للأطفال ثم غلب عليها السرد الروائي، عادت الكاتبة والشاعرة والناشطة الأميركية الأفريقية الأصل أليس ووكر (1944) إلى الشعر، وهذه المرة بمجموعة من 70 قصيدة حملت عنوان "سحب السهم من القلب" (منشورات "إيتري"، تشرين الثاني/ نوفمبر 2018)، جاءت كأول كتاب لها ثنائي اللغة (الإنكليزية والإسبانية).
في تعليل هذه الثنائية ذكرت في لقاء معها أنها محاولة منها للاقتراب من الشعب المكسيكي الذي حاولت تعلم الإسبانية التي هي لغته فلم تنجح. ولأنها تقضي وقتاً هناك في بيت لها في العاصمة مكسيكو، وتود أن يعرفها الأصدقاء الذين احتفوا بها هناك جيداً، رأت أن ترفق نصوصها بالترجمة إلى اللغة الإسبانية ستكون الوسيلة الأفضل.
مع هذه العودة إلى الشعر، استعاد النقاد أول مجموعة صدرت لها وقد حملت عنوان "مرة واحدة" (1968)، باعتبارها أول كتاب رسّخ مكانتها كشاعرة ذات حساسية وقوة غير عاديتين، وكانت قد كتبت عدداً من قصائدها عند قضاء صيفٍ في شرقي أفريقيا وأخرى خلال سنوات دراستها الجامعية.. كما استعيدت مجموعتها الثانية "أزهار البيتونيا الثورية" (1973)، التي اعتبرت إنجازاً أدبياً كبيراً أزهرت فيه البذور التي زرعتها في مجموعتها الأولى.
ولم تغفل المراجعات والمقابلات التي جرت معها روايتها الأكثر شهرة "اللون الأرجواني" (1982) الموصوفة في بعض القراءات النقدية على أنها "رواية أميركية ذات أهمية دائمة"، وهي العمل الذي نالت بفضله "جائزة بولتزر" عام 1983، وكانت أول أميركية من أصل أفريقي تحصل على هذه الجائزة.
وبالنسبة للقارئ العربي، يذكر لهذه الشاعرة والروائية موقفها الشجاع المتضامن مع الشعب الفلسطيني في مقاومته الاحتلال الصهيوني، بدءاً من زيارتها غزة مع فريق من 60 امرأة في عام 2009، والشهادة على جرائم الاستعمار الصهيوني، وصولاً إلى مشاركتها في "أسطول الحرية" الذي كانت الغاية منه كسر حصار قطاع غزة المطبق عليه من الجهات الأربع، بحراً وبراً وجواً في عام 2011.
كما يحسب لها عدم تراجعها عن موقفها هذا، والذي هو جزء من موقفها من قضايا المهمّشين والمضطهدين في مختلف أنحاء العالم، برغم الحرب التي تشنّها عليها الأوساط الصهيونية في الولايات المتحدة، وتمثّل ذلك في منعها أحياناً من إلقاء محاضرات أو مداخلات في الجامعات أو في الأماكن العامة، وما تعرضت له في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 من محاولة لمنعها من المشاركة في إحياء ذكرى الكاتب الأميركي زورا هيرستون لم يكن آخر هذه المحاولات.
في مجموعتها الشعرية الجديدة، تعود الشاعرة مرة أخرى إلى موضوعاتها ذات الطبيعة الإنسانية وعلاقتها بالحركة النسوية، وضرورة "مقاومة الظلال المعتمة التي تتغلغل في أرجاء العالم على نطاق واسع". ومع القصائد المكتوبة من أجل أطفال فلسطين، والنساء العراقيات، وأمهات ضحايا القمع، والكثير من الجماعات المضطهدة، تضيء كلمات ووكر وتفسر كل أشكال الاضطهاد في عالم اليوم. بالإضافة إلى استعادة ذكرى فنانين ونشطاء ومقاومين للقمع والشجعان الآخرين من أمثال المناضلين من أجل الحقوق المدنية والمناوئين للحروب.
وتكشف ووكر أشكالاً من الحرمان من الحياة تتخطى الوضع الإنساني في سطور مثل هذه مستجوبة هياكل السلطة التي توفر الامتيازات للبعض، وتخرس آخرين:
"كل من يغتال الأنهار والمحيطات والهواء ليس من هنا
يمكنك أن تنام مع هذا إذا أحببت
ولكن هذه أسهل طريقة
لمعرفة من هو ليس من سكان الأرض".
ونجد ضمن مجموعة هذه القصائد السبعين هذه السطور المفاجئة:
"السواد ليس حيث يحيد البياض ويموت
ولكنه مثل المادة السوداء غير المرئية بين النجوم والمجرات في الكون
المادة التي تمسك بنا معاً في المحصلة النهائية".
هذه السطور المأخوذة من قصيدة عنوانها "هذه هي"، ترفض تعريف السواد بوصفه غياباً للبياض، وتوسع المعنى لإزالة "الخوف من السواد في ثقافة البيض".
بدأت ووكر بكتابة قصائد هذه المجموعة في عام 2016، في استعادة لتلك الفترة التي أطلقت عليها تسمية "زمن الحزن العظيم، والشعور بالخسارة والخيبة في العالم". كما سترجع حياة النشطاء السياسيين والفنانين في الماضي والحاضر، الذين استخدموا أصواتهم للقتال نيابة عن المستضعفين. وتمرّ القصائد على أماكن ومواقع متنوعة، منها أوكلاند وهافانا وفلسطين ورواندا، بدءاً بنوادي موسيقى البلوز وانتهاءً بالسجون.
وبأخذ هذه القصائد جملة، نجد أن ووكر لا تقبض على تنوّع وتعقيد عالمنا فقط، بل وتسعى أيضاً إلى تخيل كوكب الأرض كما يمكن أن يكون عليه. ونجدها تواصل استكشاف موضوعات تهتمّ بالمرأة والخسارة وطرق الخلاص التي تناولتها في أعمالها الأولى، إلا أن الشعر يتيح لها إقامة علاقة مختلفة بالزمن. فبدلاً من العودة إلى الماضي البعيد، أو الزمن المعلق، نجد قصائدها مشبعة، كردود مباشرة على أحداث السنتين الماضيتين، بإحساس بالآنية، وانخراط شديد بما هو قائم حالياً، والإعلاء من شأن الأمل. أي أنها تواصل ما أطلق عليه أحد الكتاب تعبير "الكتابة السياسية الدائمة".
ولكن لدى ووكر مفهوم خاص لمصطلح "السياسي". شعورها الدائم، كما تقول في حديث لها، هو أنه "مادام بإمكانك الرؤية، إذاً ربما يمكنك التغيير. والجلي أن هناك جانباً مما يفعله أي كاتب هو أن يحاول مساعدتك على رؤية ما يراه. ذلك كل ما يمكن أن يقوم به الكاتب. فهو لا يملك سلطة تجعل الناس يغيرون إذا لم يتحركوا لفعل هذا. ولكن.. في الوقت نفسه، هذا هو سبب وجود كتاب وشعراء وفنانين ومناضلين.. وراقصين بيننا".