تتعدّد ألوان النزيف في صور النكبة التي حرّرها المصوّر بلال خالد في إشراقة عبقريّة من سجنها، وحزنها، الأبيض والأسود.
نهر من التفاصيل النابضة يغمر السهول والتلال الفلسطينيّة بمياه الفجيعة المالحة والشفيفة، والملوّنة. تعانق الصور ألوانَها بهدوء وقوّة الرهائن العائدين إلى حريّتهم بعد فصل في الجحيم. نرى بلاداً ذاهلة ذاهبة نحو المأساة، نرى الطبيعة وهي تدّعي الحياد الغامض أمام الجريمة.
إلاّ أننا إذا أمعنّا النظر جيّداً سنلمح دمعاً على هيئة نبات وأشواك وتراب وسماء وماء. وبشر مهجّرين خارج أرضهم إلى وجعٍ قصيّ لم يبلغْه الدمع بعد. تباغت الألوان بنصالها المسنّنة جسد الذاكرة المتمترِس عند خطوط الدفاع الأخيرة عن الحقّ والحقيقة، عن البسيط البديهيّ وعن المستحيل الممكِن. تغوص الألوان أكثر في لحم تلك اللحظة الإنسانية والموغِلة في الألم. تحدّق الصور فينا بثباتٍ كما يحدّق ماضٍ بحاضره التوأم، وتوثّق صمتنا المصدوم وثقتَنا المتزعزِعة بالكلمات.
في حديثه المبكّر عن الصدمة يشير فرويد الى حلول الصور والتمثيلات البصريّة محلّ اللغة العاجزة عن الإمساك بلحظة الرعب القاصمة للنفس. وللجسد. الصور هي المعادِل البصريّ للغة موؤودة حيّةً تحت أنقاض الواقع الفاجِع، هي فعل وفاء مؤلِم للغة جريحة وكسيحة في فوضى الكارثة.
تُشيع الصور وقد استعادت ألوانَها حياة جديدة في ظلال الموت والبعْث الكثيرة التي حضرت وتحضر في نكبة تتكاثر. وترشِد، بنجاعة سكين ساخن، الألمَ إلى مكامنه الدقيقة في النفس، قبل أن يخرج إلى الشمس. ويصبح شعباً حرّاً.
* شاعر واختصاصي نفسي عِيادي من فلسطين