ألو؟ ألو..؟

15 ديسمبر 2014
وقد ينقطع الخط مراراً... (Getty)
+ الخط -

منتصف الثمانينيات. بيروت تحت الحرب. تتجمّع الناس حول الهاتف "أبو بكرة". ترفع الجارة السماعة لتتصل بابنها المحاصر في منطقة أخرى من مناطق المدينة. لم يتمكن الفتى من الوصول إلى المنزل بسبب الاشتباكات الدائرة في الشوارع بين المسلحين.

الهاتف في المنزل كان خاصّية مرتبطة بالـ"واسطة". لكن خدمته، وكمعظم الخدمات الأخرى التي تؤمنها الدولة، كانت سيئة للغاية.

ترفع السيدة السماعة بحثاً عن حرارة مفقودة في الهاتف. وقد تأتي الحرارة لكن لا يأتي الخط. والخط بالضبط هو الـ"توت" السحرية التي يحتاجها المتصل كي يتمكن من طلب الرقم المنشود.

قد يستغرق الأمر ساعات قبل أن يظهر الـ"توت" في الهاتف. وكي تخفّف الناس عن نفسها عناء الحرب والانتظار، صارت تلعب لعبة الـ"توت". ترفع سمّاعة الهاتف وتحاول ما تظنّه احتيالاً على الخط. يحاول أحدهم تحريك أرقام بكرة الهاتف، الواحد تلو الآخر، فإذا تزامن الرقم مع عودة الخط إلى الهاتف ظنّت الناس أن السرّ في الرقم السعيد، فصارت تتوزع السرّ بينها كأنه اكتشاف.

كنا نقوم بذلك ونضحك كثيراً من حالنا ومن الظروف الغريبة التي وضعتنا الحرب فيها.
انتهت الحرب وانتشرت الهواتف بكثرة في البيوت. مع ذلك، ظلّت الخدمة سيئة. يصرخ الواحد منا، من طرف الاتصال الأول، كي يتمكن الآخر على الناحية الثانية من الهاتف، من سماعه. وقد ينقطع الخط مراراً، فنضطر إلى إعادة الاتصال وإعادة الكلام ذاته أكثر من مرّة.

ثم ظهر الهاتف الخلوي، فأقبلت عليه الناس كتقنية حديثة وخدمة تعوّض "بلاهة" الهاتف الثابت. ومع أن تسعيرة دقائق الخلوي أغلى بكثير من مثيلتها في الهاتف الثابت، غير أن هذا الأمر لم يكن ليغيّر شيئاً.

تطوّر الضحك.

نرفع الهاتف الخلوي، ونتصل بالرقم: إن كنا محظوظين كان الإرسال جيداً، وإن لم نكن كذلك اضطررنا إلى الانتظار وتكرار المحاولة حتى يأذن الإرسال. يردّ الطرف الآخر: إن كنا محظوظين أنهينا الاتصال من دون انقطاع، وإن لم نكن كذلك انقطع الاتصال مراراً مع أننا في بلد واحد، ومدينة واحدة، ومنطقة واحدة أحياناً. يحدث ذلك بسبب سوء خدمة الشركتين اللتين تديران هذا القطاع مقابل رسوم تعتبر من الأكثر ارتفاعاً.

وكما يحصل بخدمات الاتصالات، يتكرر في الخدمات الأساسية الأخرى، كالمياه والكهرباء والمواصلات والإنترنت.

لم يحصل أن نتمتع بالخدمات دائماً مثل مواطنين طبيعيين. كأننا لا نستحق ذلك. ولأننا لم نتعوّد أن نفعل غير ذلك، نكتفي بالضحك على حالنا.

والأكيد أن الضحك في هذه البلاد مستمر لوقت طويل.
المساهمون