ألمانيا: مزاج "ديكست" يخبو مرحلياً داخل اليمين المتطرف

16 يناير 2019
حذّر غاولاند من اللعب بفكرة "ديكست" (أود أندرسن/فرانس برس)
+ الخط -

كان الطلب المتطرف لحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف بانسحاب برلين من الاتحاد الأوروبي كفيلاً بإثارة الكثير من النقاش داخل الوسط السياسي الألماني، وبين مندوبي الحزب نفسه، خلال مؤتمره الذي عقد على مدى الأربعة أيام الماضية في بلدة ريسا التابعة لولاية سكسونيا شرق ألمانيا. ولم يتوان خبراء اللجنة الفدرالية في الحزب اليميني الشعبوي عن تضمين برنامجهم الرئيسي، والذي تمت مناقشته من قبل القادة والمندوبين الحزبيين، المطالبة بخروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي "ديكست"، إذا لم يقم الاتحاد الأوروبي بالإصلاحات اللازمة حتى نهاية الفترة التشريعية المقبلة، أي حتى 2024. واعتبروا أن الدرس المستفاد من تاريخ الاتحاد الأوروبي ودوله الـ 27 يظهر أنها لا تتوافق مع بعضها البعض سياسياً.

ولاقت الكلمات التي ألقيت من قادة "البديل من أجل ألمانيا"، والتي ركزت على السيادة والهوية والدولة القومية، استياءً لدى العديد من الشخصيات السياسية البارزة في البلاد. ففي حين وصف البعض "البديل"، الذي يعاني من تباين داخل صفوفه، بأنه "شركة هدم الاتحاد الأوروبي"، رأى خبراء في الشؤون الاستراتيجية الأوروبية أن الحزب يريد، ببرنامجه المضخم، تدمير الإنجازات الأوروبية، في وقت يتنافس مندوبوه على المناصب ذات الأجر الأعلى في بروكسل، غير آبهين بأهمية الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى ألمانيا، وهو الذي يشكل فضاء اقتصادياً مشتركاً يسمح لبرلين بتحقيق نمو اقتصادي وسلطة سياسية داخل التكتل الأوروبي وحول العالم.

يأتي هذا على الرغم من اعتراض زعيم الحزب، ألكسندر غاولاند، وتحذيره كل من يريد أن يلعب بفكرة خروج ألمانيا من الاتحاد من العواقب غير المتوقعة، داعياً إلى الواقعية. وأكد غاولاند، خلال المؤتمر، أن الإصلاحات لا يمكن أن تتم بين ليلة وضحاها أو خلال فترة تشريعية واحدة، مع إبقائه على المطلب الراديكالي الذي يقضي بإصلاح الاتحاد الأوروبي. وقال إن "الاتحاد مريض من الرأس حتى الأطراف ويجب إصلاحه من الصفر، وإذا لم يتم ذلك فإننا سنُعد أيامه"، واضعاً نفسه ضد ما يسمى "ديكست"، محذراً من الذهاب في طريق غير معروفة النتائج. بدوره، رفض المرشح الرئيسي للحزب إلى الانتخابات الأوروبية، يورغ مويتن، طرح تحديد جدول زمني لسيناريو انسحاب ألمانيا من الاتحاد الأوروبي، واصفاً "الالتزام بالخطير". وتوصل المندوبون إلى اقتراح تنازلي قدمه مويتن قضى بشطب الالتزام بمدة خمس سنوات لتنفيذ "ديكست" من البرنامج، والاستعاضة عنها باستخدام عبارة "في الوقت المناسب"، وترك فكرة "ديكست" كملاذ أخير إذا فشل الاتحاد الأوروبي في عملية الإصلاح. في المقابل، لاقت مداخلات القادة الحزبيين داخل "البديل" اعتراضات في صفوف المندوبين على مواقف غاولاند ومويتن، بينها أنه من غير الواقعي الاعتقاد بأن الاتحاد الأوروبي قابل للإصلاح.


وتعليقاً على اعتراض غاولاند على "ديكست"، رأى محللون أنه كان من الأجدى بقيادة "البديل من أجل ألمانيا"، وعلى رأسهم غاولاند ومويتن، منع تضمين برنامج الحزب تحديد مهلة محددة لـ"ديكست" في البرنامج الانتخابي. ورغم تنحية هذه النقطة من البرنامج، لا تزال رؤية "البديل" للتكتل الأوروبي تدميرية. والغريب أنه يريد إلغاء البرلمان الأوروبي وفي الوقت ذاته هناك حرج في تحديد مرشحيه للانتخابات الأوروبية المقررة في مايو/ أيار المقبل في ظل المنافسة الشرسة بين المرشحين للمشاركة في القوائم، والهدف طبعاً الوصول إلى بروكسل وستراسبورغ، مقري المفوضية والبرلمان الأوروبيين، وهذا لا يبدو سوى "شيزوفرينيا"، لكن رائحة المال لا تبدو نتنة، حتى لدى "البديل" اليميني الشعبوي.

وفي الوقت ذاته، اعتبر كثيرون أن في مواقف غاولاند حول "ديكست" الكثير من الحنكة، انطلاقاً من واقع غياب الاتفاق حتى اللحظة بين بريطانيا وبروكسل حول "بريكست"، وتحديداً اعتباره التصويت على مثل هذه الحالة خطوة غير ذكية، في إشارة منه إلى إمكانية الخروج غير المنظم لبريطانيا من الاتحاد، وهو ما رأى فيه صراحة "تأثيراً على فرصنا وحظوظنا في الانتخابات الأوروبية". ويشمل البرنامج أيضاً عدة نقاط، بينها وضع ضوابط دائمة على الحدود الألمانية بعد أن باتت سياسة اللجوء تشكل خطراً وجودياً للحضارة الأوروبية، والمطالبة ببناء أوروبا محصنة، وإلغاء البرلمان الأوروبي، والاستغناء عن عملة اليورو، ورفض سياسة خارجية دفاعية أوروبية مشتركة، والتي تبناها الحزب بالأغلبية. واعتبر الكاتب السياسي، تيلمان غيرفين، أن المحنك غاولاند (78 سنة) استطاع ترويض "مجموعة متخمرة" داخل حزبه حول مزاج "ديكست"، لكن لا يمكن إلا أن نخاف مما يأتي بعده. وأضاف، في مقال نشرته مجلة "شتيرن"، إن "التصويت تم على التراث السياسي لـ(المستشارين السابقين) لكونراد أيدناور وهلموت كول في يوم البرلمان الأوروبي الذي عقد في ريسا. غاولاند كان لعقود عضواً في (الحزب) المسيحي الديمقراطي، وينتمي إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية، وقد عانى من الكارثة التاريخية للهيمنة النازية والإبادة الجماعية والحرب العالمية الثانية، ويعرف أن مستقبل ألمانيا يمكن أن يكمن فقط في الغرب الديمقراطي وفقط من خلال علاقة وثيقة مع أوروبا. وهو استطاع خنق التطرف الأعمى داخل حزبه اليميني الشعبوي، رغم أنه ما زال يحلم بإلغاء البرلمان الأوروبي".

وكان المرشح الرئيسي لحزب الشعب الأوروبي، المنتمي إلى الحزب المسيحي الاجتماعي في بافاريا والمدعوم من المستشارة الألمانية، مانفرد فيبر، قد قال، في مقابلة مع صحيفة "بيلد" نشرت الأحد الماضي، إن "البديل" هو حزب "بريكست" الألماني، ومن وجهة نظر "الاتحاد المسيحي" فإنه من الأفضل ألف مرة تجديد أوروبا من مغادرتها أو حتى تدميرها، معتبراً أنه سيكون سيئاً للغاية إذا خسرت الفئة المعتدلة المؤيدة لأوروبا في هذه الانتخابات، وبذلك ستصبح القوى التي تريد تقسيم أوروبا أقوى، في إشارة مبطنة إلى روسيا، علماً أن "البديل من أجل ألمانيا" طالب، خلال مؤتمره، بأفضل العلاقات مع موسكو وضرورة إنهاء العقوبات. وأكد فيبر أهمية إعطاء صورة واضحة عن التوجه والاستقرار في أوروبا. وتراهن الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا، بينها "البديل من أجل ألمانيا"، على تشكيل مجموعة سياسية في البرلمان الأوروبي المقبل، ما سيعتبر عاملاً استراتيجياً مهماً، خصوصاً وأن لحزب "البديل" حلفاء طبيعيين، منهم "رابطة الشمال" الإيطالية وحزب "الحرية" النمساوي ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.