ألمانيا: مئة "خلية نائمة"... والأمن الإلكتروني بالمرصاد

30 يناير 2015
كثّفت السلطات الألمانيّة اجراءاتها الاحترازيّة (فرانس برس)
+ الخط -
تكثّف السلطات الألمانية اجراءاتها الاحترازيّة على أكثر من صعيد، ويأخذ "الأمن الإلكتروني" حيزاً كبيراً من عملها، رغم بعض المشكلات التقنيّة التي تواجهها. وبعدما كشفت أجهزة المخابرات عن "خلايا إرهابية نائمة" في البلاد، بدأت السلطات الأمنيّة، تطالب بتوسيع صلاحياتها، لتتمكّن من القيام بعملها، من دون أي عوائق. ومن المتوقع أن يكون هذا الأمر موضع نقاش، خلال مؤتمر الأمن، الذي تستضيفه ميونخ آوائل الشهر المقبل، نتيجة التهديدات التي تطال الاتحاد الأوروبي.

ووفق بيانات "المكتب الاتحادي لحماية الدستور" أو ما يُعرف بـ" وكالة المخابرات الألمانية الداخليّة"، فإنّ أكثر من مئة خلية من الجماعات الإسلاميّة المتطرّفة والشبكات الإرهابيّة، ضالعة في التخطيط لأعمال إجرامية في البلاد، من بين عناصرها 350 شخصاً على تواصل مع مجموعات متطرفة تشارك بالقتال في سورية والعراق. ويؤكّد أنّ جميعهم باتوا موضع متابعة ومراقبة حثيثة من قبل السلطات الأمنيّة.

وعلى الرغم من تكثيف اجراءاتها الوقائيّة، لم تتمكن المخابرات الألمانيّة حتّى الآن من تحديد مكان تواجدهم، وهي تواجه في هذا الإطار، صعوبات قانونيّة وتقنيّة بسبب اعتماد المخرّبين على غرف دردشة مغلقة، أو اتّخاذهم تدابير دفاعية وقائية، من الممكن أن تؤخّر أو تعيق خطط الرصد المتبعة لمواجهة الخطر في ظروف مماثلة.

وتفيد التقارير بأنّ عدد أفراد كل شبكة، يتراوح بين 10 و80 شخصاً، تتوزّع الأدوار في ما بينهم، بين من يتولّى الدعوة وحثّ الناس على الصلاة، ومن يهتم بالدعاية عبر الانترنت من أجل جمع التبرعات، بالإضافة إلى من يعمدون للتحريض على الديانات الأخرى.
ويقدّر رئيس جهاز حماية الدستور في برلين (الاستخبارات الداخليّة)، بيرند بالندا، عدد المتطرفين الإسلاميين بـ 620 شخصاً، علماً أنّ عدد المستعدين منهم للعنف قد ارتفع من مئة في عام 2011 إلى 330 شخصاً اليوم. وكانت إدارة "الداخلية" في برلين، قد قدّرت العام الماضي، عدد السلفيين بـ 570 شخصاً، منهم 290 شخصاً لديهم استعداد للعنف. ويعني هذا التطور، وفق بالندا، زيادة المخاطر.

ويشير مسؤولون أمنيون إلى عقبات أخرى تواجههم خلال عمليات التحري الإلكترونية، وهي أنّ أفراد تلك الشبكات يستخدمون رموزاً مشفّرة بالكاد تكون مرئيّة بالنسبة إلى السلطات، بالإضافة إلى مشكلات كبيرة في ترجمة رسائل الهواتف والبريد الإلكتروني، بسبب تعدّد اللغات التي يستخدمونها.

وفي سياق متّصل، يوضح رئيس نقابة الشرطة الألمانية راينر يندت، في تصريحات صحافية، أنّه "في كثير من الأحيان، يتمّ تجنيد مخبرين من داخل البيئة الاجتماعيّة، التي ينتمي إليها هؤلاء الأشخاص لإيفادنا بالمعلومات المطلوبة".

وفي سياق المراقبة والاجراءات الاحترازيّة التي تتخذها الجهات المعنية، يقود "المكتب الاتحادي لحماية الدستور"، في الأسابيع الأخيرة، حملة عبر موقعه الإلكتروني، يدعو فيها وبعدد من اللغات منها العربية، إلى التبليغ عن أي معلومات عن أشخاص يُشتبه بمشاركتهم أو إعدادهم لتنفيذ عمليات تخريبيّة في البلاد.

وتشير التقارير الى أنّ هذه المجموعات تتجنّب إلى حدّ كبير استخدام شبكتي "تويتر" و"فايسبوك"، وتعتمد بشكل أساسي على نظامي تطبيق الرسائل الفورية للهواتف الذكية "التريما" والـ "واتسآب". كما أنّ بعضها لا يزال يستخدم في تحرّكاته الهواتف الخلوية القديمة، التي تصعب من خلالها مهمة تحديد أماكن تواجدهم. ومن المعروف أن تجّار المخدرات يعتمدون على استخدام هذه الأساليب في التواصل، ويلجأون بعد فترة قصيرة إلى استبدال شريحة الهاتف، والتي عادة ما تكون مسجلة بأسماء مزورة أو أصحاب هويّات مسروقة.

وتواجه عوائق أخرى السلطات الأمنية في ألمانيا، تتمثل بما يعرف بـ "الخط المفتوح" أو الفاتورة الثابتة، أي أنّه بامكان المستخدم إجراء كافة المكالمات وعلى كافة الشبكات برسم محدّد مسبقاً، وهو الأمر الذي تطرّق إليه وزير الداخلية توماس دي ميزير، لافتاً إلى أنّ المشكلة تكمن في أنّ الشركات المشغلة لم تعد تحتفظ كما في السابق، بقاعدة البيانات، لإبرازها للمستخدم عند دفع الفاتورة أو عند حصول مراجعات أو خطأ في التحصيل، وهو ما كان يُعدّ أداة هامة لحفظ الأمن الداخلي.

ويرى محللون أنّ إمكانيّة قيام مجموعات متطرّفة بهجمات إرهابيّة متوقّعة في أي وقت، لسببين أساسيين، يتمثّل الأول بعنصر الاستفزاز الذي يُمارس من قبل بعض وسائل الإعلام، تحت شعار ما يسمى "حريّة الرأي والتعبير"، على غرار نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة، من دون الأخذ بعين الاعتبار، لما قد تكون عليه ردود الفعل المضادة المترتّبة عنها. ويتعلّق السبب الثاني بارتفاع وتيرة الضغط على الجماعات المتطرّفة في دول النزاعات، عبر الضربات التي تتلقاها من التحالف الدولي ضدّ الارهاب.

وتتمثّل العقبات القانونيّة التي قد تعيق عمل المخابرات الألمانيّة، بأهميّة جمع المعلومات عن المشتبه بهم لتقويمها من قبل السلطات، وخصوصاً أنّ عمليات التخريب لا تتمّ بين ليلة وضحاها، ويجب أن تكون الأدلّة كافية وموثّقة، وتبرير أسباب الرصد والمراقبة أمام المحكمة. وتطالب السلطات الأمنيّة بصلاحيات جديدة من أجل امكانية اعتراض المزيد من الاتصالات وتثبيت عدد أكبر من الكاميرات والسماح بالتقاط الصور للأفراد.

ومن المتوقع أن تأخذ هذه القضيّة حيزاً من المناقشات خلال مؤتمر الأمن، الذي يُعقد في ميونخ آوائل فبراير/شباط المقبل، بعد التهديد المتزايد الذي طال أوروبا، وبالتالي مطالبة الاتحاد الاوروبي بتبنّي سياسة جديدة في ما يخصّ حركة مرور البيانات، وخصوصاً أنّه يتمّ التعامل حالياً مع نوعيّة جديدة من الهجمات الارهابيّة سبق أن عرفها الشرق الأوسط وأفغانستان وباكستان، ومن قبل أشخاص مدرّبين للقيام بذلك.

وتوضح مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد"، رداً على سؤال حول إمكانيّة نشر الجيش الألماني احترازاً، أنّ لـ"ألمانيا خصوصيّة في مجال الأمن وتُعتبر مخابراتها من الأفضل على مستوى العالم"، مشيرة إلى أنّ "الوضع بشكل عام لا يزال مستقراً ومهمّة الجيش حماية الحدود، كما أنّه لدى الشرطة كلّ الإمكانات لمواجهة أي خطر ولديها عناصر مدرّبة على مستوى عال جداً".
ومن المعروف أنّ "السياسة الأمنيّة" المتبّعة في ألمانيا، لا تلجأ إلى استخدام القوة والسلاح إلا في حالات معينة وبعمليات دقيقة ومحددة. وتشير المصادر إلى أنّ الوضع مغاير عما يحصل في بعض الدول الأوروبيّة، إذ لم يتمّ مثلاً اتخاذ أي اجراءات أمنية ظاهرة حول دور العبادة والجمعيّات الاسلامية، إنما بالتأكيد تخضع لمراقبة الأجهزة الأمنية الدائمة، وذلك لعدم اثارة الذعر لدى رواد تلك الأماكن.

ويطالب 72 في المائة من الألمان المشاركين في استطلاع رأي، أجراه معهد "إيمنيد" لصحيفة "بيلد آم زونتاغ"، بتوسيع المراقبة بالفيديو وتركيب المزيد من الكاميرات في الأماكن العامة، فيما يعارض 26 في المائة فقط هذه الخطوة.

وفي إطار ملاحقة المجموعات المتطرّفة، داهمت الشرطة الألمانية في الأيام القليلة الماضية، منازل داعمين محتملين لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في كلّ من برلين وفولسبورغ وبوتسدام، وألقت القبض على عدد منهم، للاشتباه بتخطيطهم لأعمال ارهابيّة. وكشف الادعاء العام الالماني في مدينة كارلسروه (جنوب)، عن تحريّات جارية حول رجل وامرأة يقيمان في مدينة مانهايم للاشتباه بهما أيضاً وتواصلهما مع الشبكات الارهابيّة.
ومثُل أحد المشتبه بهم أمام محكمة ميونيخ الألمانية، بتهمة القتل الجماعي ومحاولة التحريض على القتل والإعداد لجرائم تعرّض أمن الدولة لخطر جسيم في سورية.