بعضُ ما يرتكبه طالبو اللجوء الذين رفضت طلبات لجوئهم في ألمانيا، أدى إلى إحياء الجدال السياسي في البلاد بهدف التعامل بحزم مع أصحاب تلك الجرائم، وضرورة الإسراع في ترحيلهم. يأتي ذلك في ظل تزايد الجرائم من هؤلاء، وكان آخرها أحداث العنف في أمبيرغ التابعة لولاية بافاريا قبل يومين من نهاية عام 2018، حين هاجم أربعة طالبي لجوء 12 مارّاً، وأصابوهم بجروح بالغة، ليتبين لاحقاً أنهم كانوا مخمورين. أحدهم إيراني كان يفترض أن يغادر البلاد منذ رُفض طلب لجوئه في فبراير/ شباط الماضي. إلا أن ترحيله إلى إيران لم يتحقق حتى الآن، بسبب عدم توفر أوراق ثبوتية أو جواز سفر بديل، فيما ينحدر الثلاثة الآخرون من أفغانستان، أحدهم لم يتجاوز السنّ القانونية وترحيله غير ممكن قانونياً.
أمام هذا الواقع، ينوي الائتلاف الحاكم المكوّن من أحزاب المسيحي الديمقراطي، والاشتراكي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي، تسهيل عمليات ترحيل طالبي اللجوء من المرتكبين للجرائم، والأفعال التي تعرّض أمن البلاد للخطر. وتفكّر الأحزاب في إزالة العقبات المحتملة التي تعتري عمليات ترحيل طالبي اللجوء من المجرمين، بعدما باتت الأحزاب الثلاثة على قناعة كاملة بأن الأمر يحتاج إلى حلّ منطقي وجذري، وفق ما ذكرت صحيفة "دي فيلت" أخيراً، أي تسهيل الاتفاق على مسودة تسمح بترحيلهم إلى بلدهم الأم، بعد ترتيب الأوضاع التي فرضها القانون الألماني في مثل هذه الحالات.
في هذا الصدد، يعتزم وزير الداخلية تقديم مقترحات جديدة للحكومة، لإجراء تعديلات قانونية تفي بالغرض وتساهم في تسريع الترحيل. في المقابل، عارضت وزيرة العدل كاترينا بارلي قواعد ترحيل أكثر صرامة بحق المجرمين من الأجانب، وقالت لصحيفة "دي فيلت" يوم الأحد الماضي: "خلال الفترة التشريعية الماضية، قمنا بتحسين وتشديد القوانين الموجودة"، لافتة إلى أن زيادة التشديد التشريعي لا تعني بالضرورة حدوث تحسّن عملي. ويبقى الأهم، وقبل كل شيء، عقد اتفاقات لإعادة طالبي اللجوء إلى البلدان الأولى".
في هذا السياق، برز موقف لنائب المستشارة أنجيلا ميركل ووزير المالية الاشتراكي أولاف شولز. الأخير دعا خلال حديثه لصحيفة "بيلد" الألمانية، إلى بذل مزيد من الجهود لترحيل المجرمين من الأجانب. واعتبر أنه يجب على الجناة الانتباه للقوة الكاملة للقانون في بلدنا، وحثّ وزير الداخلية على أن يكون أكثر حزماً، وأن يتدخل حتى لا ترفض دولهم استعادتهم، قبل أن يشدد على أهمية الأخذ بالاعتبار حالات الترحيل، للأشخاص الذين قد يتعرضون لمخاطر في بلدانهم، انطلاقاً من أن الدستور الألماني يحظر ترحيل شخص إلى مكان ينتظره فيه تعذيب أو موت.
وينصّ القانون الأساسي على ضرورة محاكمة كل مرتكب جرم في هذا البلد، ولا يجوز التمييز أو تفضيل أي مشتبه به أو حرمانه بسبب أصله أو لغته أو معتقده من محاكمة عادلة. كما أن المادّة 54 نصّت على ما حرفيته، أن عمليات الطرد تُشدّد بشكل خاص إذا كان الأجنبي قد أدين بالسجن بصورة قانونية، بجريمة متعمدة لمدة سنتين على الأقل أو بأمر احتجاز وقائي. وتشمل الحالات الخاصة، مثل الجرائم المرتكبة ضد حياة الأشخاص والاعتداءات الجسدية والتحرش الجنسي، والجرائم التي تهدد أمن جمهورية ألمانيا الاتحادية، كدعم المنظمات الإرهابية مثلاً. ولا ينطبق هذا الأمر على أصحاب الجنح. ويستند قرار السلطات على نقطتين أساسيتين، هما خطورة الجرم ومدى الحماية التي يحتاج إليها المرتكب. ويعود قرار الترحيل إلى مكتب دائرة الأجانب في كل ولاية، والمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين.
ويمكن إعادة ترحيل طالبي اللجوء فقط في حال رفضت طلبات لجوئهم، وهذا يعني في الواقع أن أي طالب لجوء ارتكب جرماً ما لا يمكن إبعاده ما دامت إجراءات اللجوء جارية. وهناك بعض الاستثناءات وفق المادّة 58، التي تفيد بأنه يجوز التنازل عن الموعد النهائي إذا ما ظهر تهديد كبير للسلامة العامة والنظام، ما قد يؤثر على المصالح الأساسية للمجتمع. وهنا يتم العمل على تسريع إجراءات طالبي اللجوء للمشتبه بهم، الذين حصلوا على تصريح مؤقت بالإقامة في ألمانيا أثناء دراسة طلباتهم، بغية استصدار تصريحات من مكتب الأجانب، المسؤول عن تنفيذ قرارات الترحيل. وعادة ما تقوم الشرطة بالمساندة، لأن العودة الطوعية غير مرغوبة من هؤلاء المرتكبين.
تجدر الإشارة إلى أن متخصصين في مجال القانون وجمعيات تدعم اللاجئين يشدّدون على أهمية التمييز بين الأعمال الجرمية التي تستبعد فيها خلفية الإرهاب والتي تأخذ عادة بعداً سياسياً وبين تلك التي تكتسي طابعاً جرمياً أو ثأرياً عنفياً بين الأفراد، مبرزين واقع عدم التركيز فقط على المرتكبين من الأجانب، لأنّ الجميع متساو أمام القانون والدوافع قد تكون متعددة وهذا ما يُبحث ويقيَّم من المحكمة. يُذكر أنّه في بعض الأحيان، يتّهم ألمان بالشروع بالقتل بدافع الكراهية للأجانب، ودراسة الحالة هي الأساس قبل إصدار الأحكام.