دخلت المفاوضات بين حكومة جنوب السودان والمتمردين، أمس الخميس، يومها الحادي عشر، في الخرطوم، التي رمت بثقلها تماماً لإنجاح الجولة، رغبة منها في تحقيق السلام في الدولة الوليدة كهدف أولي، ومن ثم الاستفادة من تدفق نفط الجنوب للتصدير عبر الأراضي والموانئ السودانية. ويُعد الاختراق الأبرز خلال جولة الخرطوم حتى الآن، هو توقيع كل من رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، ورئيس الحركة الشعبية المعارضة، رياك مشار، بعد يومين من انطلاق المفاوضات في 25 يونيو/ حزيران الماضي، على اتفاق هو بمثابة إعلان مبادئ يتم الاستناد إليه في التفاصيل، ويتضمّن 6 بنود رئيسية، أبرزها الاتفاق على فترة حكم انتقالية مدتها ثلاث سنوات، تجرى بعدها انتخابات عامة، ويتم بموجبه بناء جيش قومي بعيداً عن القبلية والعنصرية. كما يتضمن الاتفاق وقفاً شاملاً لإطلاق النار، دخل حيز التنفيذ بعد 72 ساعة من لحظة التوقيع، يوم السبت الماضي.
ومنذ الأربعاء، يواصل الطرفان مباحثاتهما حول تفاصيل الترتيبات الأمنية بما فيها فضّ الاشتباك، والفصل بين القوات المتمركزة في مواجهة بعضها، وسحب القوات الصديقة من جميع مسارح العمليات، وفتح المعابر لأغراض إنسانية، مع الإفراج عن الأسرى والمعتقلين السياسيين، إضافة لتحديد آليات للمراقبة الذاتية لوقف إطلاق النار، ونشر قوات إقليمية لتقوم بالمهمة.
أما النقطة الأهم، التي تضغط المعارضة بقوة من أجل إنجازها، فهي الترتيبات الأمنية اللازمة لجعل جيش دولة جنوب السودان، جيشاً قومياً يعكس التنوع القبلي والإثني، إذ تعتقد المعارضة، وعلى رأسها مجموعة مشار، أنه منذ بدء الصراع بين الجانبين في عام 2013 تحول الجيش القومي إلى أداة لقبيلة الدينكا التي ينتمي إليها الرئيس سلفاكير ميارديت.
ويبدو أن شيطان المفاوضات دخل بقوة خلال الأيام العشرة الماضية، في تفاصيل المبادئ التي تم التوافق عليها، فحسب متابعات "العربي الجديد"، فإن المفاوضات حول الترتيبات الأمنية تعثرت تماماً في ما يتعلق ببندين أساسين: الأول مرتبط باقتراح تقدمت به المعارضة لإخلاء المدن الكبيرة، بما فيها العاصمة جوبا من الجيشين، سواء الجيش الحكومي أو جيش المعارضة. يريد زعيم المتمردين، رياك مشار، تجنب ما تعرض له من محاولة اغتيال في عام 2016 من قبل الجيش الحكومي داخل القصر الرئاسي في جوبا، في وقت كانت فيه القوة الرئيسية لجيشه متمركزة بعيداً في ولايتي الوحدة وأعالي النيل (شمال البلاد). وترفض الحكومة تماماً تلك الفكرة وتقترح مقابلها تشكيل قوة مشتركة محدودة العدد لحماية الشخصيات المهمة في الدولة بعد التوقيع النهائي لاتفاق السلام.
أما نقطة الخلاف الثانية، بعد الترتيبات الأمنية، فتتعلق بالمدى الزمني لتنفيذ البند الخاص بدمج الجيشين، وترى الحكومة أن ذلك يجب أن يتم خلال 6 أشهر فقط وذلك بضم جيش مشار للجيش النظامي. أما المعارضة فإنها تقترح 18 شهراً لبناء جيش حديث بعقيدة قتالية مختلفة. ورغم أن الأجواء تبدو إيجابية بين الجانبين للوصول إلى اتفاق سلام نهائي، وذلك في مقر التفاوض بأكاديمية الأمن العليا بضاحية سوبا، جنوب الخرطوم، إلا أن أخبار الأيام الماضية جاءت غير مبشرة من أرض المعركة في جنوب السودان، إذ تناقلت تقارير معلومات عن خرق لاتفاق وقف إطلاق النار تبادل الطرفان الاتهامات حوله في اليوم الأول من سريان وقف إطلاق النار، وحتى يوم أمس، أفاد مصدر من مقر التفاوض لـ"العربي الجديد"، بأن "القتال مستمر في عدد من المواقع، غير أن الجانبين توافقا على عدم الالتفات لما يجري في الميدان والتركيز على العملية التفاوضية في السودان".
وحتى وزير الخارجية السوداني، الدرديري محمد أحمد، الذي يؤدي دوراً كبيراً في الوساطة، قلل في حوار قبل يومين مع وكالة السودان للأنباء، من الانتهاكات التي وقعت واعتبرها مجرد أحداث لا ترقى لبلوغ خرق وقف الأعمال العدائية، مشيراً إلى أن الفصائل الجنوبية ملتزمة بما تم الاتفاق عليه.
بالتزامن مع التفاوض بين فرقاء أزمة جنوب السودان حول الترتيبات الأمنية، تجرى مفاوضات بين لجان منفصلة حول الترتيبات السياسية، خلال السنوات الثلاث المقبلة المحددة كفترة انتقالية. وتجاوز النقاش في هذا الملف أخطر العقبات التي أثارها رئيس الجنوب، سلفاكير ميارديت، برفضه عودة خصمه اللدود رياك مشار، لمنصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، باعتبار أنه لم يعد قادراً على العمل معه في مؤسسة الرئاسة، بينما يوافق الرئيس على منح المنصب للحركة الشعبية المعارضة شرط أن يتولاه شخص غير مشار.
أما مجموعة مشار، فلها رأي مختلف، إذ اقترحت تحديد صلاحيات الرئيس ونائبه بصورة واضحة، على أن تكون هناك قرارات مشتركة لا يصدرها رئيس الجمهورية إلا بعد موافقة نائبه الأول، تماماً كما كان عليه الحال في سنوات الفترة الانتقالية في السودان قبل انفصال الجنوب، إذ لم تكن لدى الرئيس السوداني عمر البشير في ذلك الوقت صلاحية إصدار قرارات مثل تعيين الوزراء وإعلان الطوارئ، من دون موافقة نائبه الأول، سلفاكير في حينها.
أما تجمع الأحزاب الجنوبية الأخرى، وهو أيضا تجمع يشارك في المفاوضات كطرف ثالث، فقدم للوساطة مقترحات اقترح فيها تشكيل مجلس رئاسي من خمسة أعضاء يتم تناوب رئاسته بين الأعضاء وتتخذ القرارات فيه بصورة جماعية، مع استحداث منصب رئيس مجلس الوزراء من التكنوقراطيين، على ألا يسمح لأعضاء المجلس الرئاسي وأعضاء مجلس الوزراء، بالترشح للانتخابات المقبلة لعدم استغلال موارد الدولة وإمكانياتها لصالحهم.
بالنسبة لتقاسم السلطة، تتمسك الحكومة بمنحها 55 في المائة لصالحها، و25 في المائة للمعارضة بزعامة رياك مشار، وبقية النسبة للأحزاب الأخرى، فيما تقترح المعارضة نسبة 40 في المائة للحكومة و40 في المائة لصالحها، وبقية النسب للأحزاب الأخرى. نقطة ثالثة محل خلاف، تتعلق بنظام الحكم، إذ تتمسك الحكومة بالوضع الحالي، بينما تطالب المعارضة بالنظام الفيدرالي على أن يترك للولايات انتخاب حكامها واستقلالية أكثر في تحصيل الموارد المالية وصرفها.
ويقول نائب رئيس الجبهة الوطنية لجنوب السودان، حسين عبد الباقي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأطراف لا تزال تجلس حول مائدة التفاوض في الخرطوم وأنها مصرة على النجاح لوقف نزيف الدم"، مشيراً إلى أنه "حتى النقاط الخلافية هناك أمل بتجاوزها بأسرع وقت"، والجميع، بحسب إفادته، في انتظار ورقة جديدة من الوساطة السودانية ووسطاء دول "الهيئة الحكومية للتنمية" (إيغاد) للتقريب بين الأطراف.
في الوقت عينه، عبّر مبعوث "إيغاد" الخاص لدولة جنوب السودان، إسماعيل واس، عن تفاؤله كذلك بما يجري من تفاوض في الخرطوم. وتنتهي المهلة المعطاة لأطراف الحرب الأهلية للتوصل إلى اتفاق نهائي يوم الإثنين المقبل، وإذا لم تنجح الوساطة، ستنتقل المفاوضات إلى العاصمة الكينية نيروبي، وذلك بموجب قرارات "إيغاد"، إلا إذا ارتأت المنظمة استمرارها في السودان، وهذا ما يتوقعه كثير من المراقبين، وتتمناه الخرطوم.