11 نوفمبر 2024
ألغاز ترامب السورية
تُرى، من يتذكّر أن المجزرة التي قامت بها قوات بشار الأسد في خان شيخون، الأسبوع الماضي، ليست الأولى من نوعها، ليس فقط في سورية بشكل عام، وإنما ضد المدنيين العزّل من نساء وأطفال في خان شيخون تحديداً؟ في 2 فبراير/ شباط 2015، أسقطت طائرات نظام الأسد برميلاً متفجراً راح ضحيته سوريون عُزّل، لا يحملون سلاحاً. نعم لم يكن في متفجرات البرميل غاز سام أو مواد كيماوية، لكن الكيماوي السوري كان معلوماً للعالم أجمع، بل كان موضع سجال أميركي روسي قبل ذلك بعامين، حين توصلت واشنطن وموسكو إلى اتفاق تعهدت بموجبه الأخيرة بنزع الكيماوي السوري، في مقابل عدم القيام بعمل عسكري ضد بشار الأسد.
هذا هو مفتاح فهم الضربة التي وجهها الأسطول الأميركي إلى معسكر الشعيرات، مقر القاعدة الجوية السورية، حيث انطلقت الطائرة التي قصفت خان شيخون بالكيماوي. لا يعني التحرّك العسكري الأميركي المفاجئ أن واشنطن غيّرت فجأة سياستها السورية، وإلا لاتخذت قراراتٍ مغايرة لتلك التي تمسّكت بها طوال السنوات الست الماضية، خصوصا أن أحداث الثورة السورية وتطوراتها كانت تتطلب، بل تستلزم، تحرّكاً قوياً لنُصرة الشعب السوري، في مواجهة آلة القتل العسكرية السورية، ثم الإيرانية، وأخيراً الروسية، غير أن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، لم يفعل. ليس لأنه أوباما، أو لأن إدارته فقط هي التي ترفض مساعدة المدنيين السوريين، وإنما لأن هذه هي سياسة واشنطن، بارتباطاتها الإسرائيلية وحساباتها المصلحية مع روسيا. لذلك، وعلى الرغم من الخطاب الخشن والمواقف الحادة التي تبناها دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، لم يتوقع أحد أن يبادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد، رداً على مجزرة خان شيخون، خصوصا وأن المجزرة وقعت بعد أيام قليلة من إعلان إدارة ترامب أن عليها التعامل مع بقاء الأسد، وهو موقف غير مسبوق من واشنطن ليس في مضمونه، وإنما في إعلانه والكشف عنه موقفاً أميركياً رسمياً، إذ يعني، ببساطة، أن أية أفكار أو تصورات لحل أو تسوية الأزمة في سورية لم تعد تنطلق من فرضية إزاحة بشار مطلباً مسبقاً.
كيف تجتمع تلك المتناقضات أميركياً؟ ينحصر التفسير في تغير الإدارة (وليس السياسة) الأميركية، من أوبامية ديمقراطية ضعيفة إلى ترامبية جمهورية قوية، فالتناقض الأميركي جزئي فقط وظاهري، يرتبط بالحدود وليس بالمبادئ، ويختلف في الأسلوب وليس في الجوهر، بل إن الإقرار العلني بقبول بقاء بشار، هو نفسه يؤكد هذا التحليل، حيث إدارة ترامب لا تجامل ولا تناور ولا تتبنى لغة مراوغة، ولا تهمها ترضية هذا الطرف أو ذاك، فتقول ما تفعل وتفعل ما تقول. وهذا هو الوجه الثاني في التفسير، فترامب لا يفهم سوى لغة القوة. وفي مَنطقه، لا تُصلح الدبلوماسية ما أفسده السلاح.
مفاد ذلك كله أن واشنطن ترامب أو واشنطن أوباما لا تمانع في بقاء بشار. وليس لديها استعداد لخوض معركة ولو فقط دبلوماسية، لإزاحته. وليست لديها رغبة أو دافع لفرض تسوية موضوعية تلبي مطالب الشعب السوري في أن يحدّد مستقبله ويختار بنفسه من يحكمه، أو حتى التفاوض من أجل تسوية كهذه.
أما سلوك ترامب غير القابل للتوقع فيظل محصوراً في التكتيك، وليس في الاستراتيجية. ومضمون الرسالة التي حملتها صواريخ توماهوك أن القتل والتشريد والتدمير وكل ما قبل الكيماوي مسموح به، من دون قيد أو شرط، فعدد الذين قتلوا في خان شيخون لا يقارن بمئات آلاف قتلوا فعلياً (ومئات آلاف آخرين ينتظرون مصيرهم) بوسائل وأسلحة مختلفة، غير كيماوية.
وكل المطلوب أميركياً من الأسد ورعاته تجنب ذلك الخط الأحمر، إذ يُحرج واشنطن والغرب، ويفضح زيف المبادئ والشعارات التي يرفعونها.
هذا هو مفتاح فهم الضربة التي وجهها الأسطول الأميركي إلى معسكر الشعيرات، مقر القاعدة الجوية السورية، حيث انطلقت الطائرة التي قصفت خان شيخون بالكيماوي. لا يعني التحرّك العسكري الأميركي المفاجئ أن واشنطن غيّرت فجأة سياستها السورية، وإلا لاتخذت قراراتٍ مغايرة لتلك التي تمسّكت بها طوال السنوات الست الماضية، خصوصا أن أحداث الثورة السورية وتطوراتها كانت تتطلب، بل تستلزم، تحرّكاً قوياً لنُصرة الشعب السوري، في مواجهة آلة القتل العسكرية السورية، ثم الإيرانية، وأخيراً الروسية، غير أن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، لم يفعل. ليس لأنه أوباما، أو لأن إدارته فقط هي التي ترفض مساعدة المدنيين السوريين، وإنما لأن هذه هي سياسة واشنطن، بارتباطاتها الإسرائيلية وحساباتها المصلحية مع روسيا. لذلك، وعلى الرغم من الخطاب الخشن والمواقف الحادة التي تبناها دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية، لم يتوقع أحد أن يبادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد، رداً على مجزرة خان شيخون، خصوصا وأن المجزرة وقعت بعد أيام قليلة من إعلان إدارة ترامب أن عليها التعامل مع بقاء الأسد، وهو موقف غير مسبوق من واشنطن ليس في مضمونه، وإنما في إعلانه والكشف عنه موقفاً أميركياً رسمياً، إذ يعني، ببساطة، أن أية أفكار أو تصورات لحل أو تسوية الأزمة في سورية لم تعد تنطلق من فرضية إزاحة بشار مطلباً مسبقاً.
كيف تجتمع تلك المتناقضات أميركياً؟ ينحصر التفسير في تغير الإدارة (وليس السياسة) الأميركية، من أوبامية ديمقراطية ضعيفة إلى ترامبية جمهورية قوية، فالتناقض الأميركي جزئي فقط وظاهري، يرتبط بالحدود وليس بالمبادئ، ويختلف في الأسلوب وليس في الجوهر، بل إن الإقرار العلني بقبول بقاء بشار، هو نفسه يؤكد هذا التحليل، حيث إدارة ترامب لا تجامل ولا تناور ولا تتبنى لغة مراوغة، ولا تهمها ترضية هذا الطرف أو ذاك، فتقول ما تفعل وتفعل ما تقول. وهذا هو الوجه الثاني في التفسير، فترامب لا يفهم سوى لغة القوة. وفي مَنطقه، لا تُصلح الدبلوماسية ما أفسده السلاح.
مفاد ذلك كله أن واشنطن ترامب أو واشنطن أوباما لا تمانع في بقاء بشار. وليس لديها استعداد لخوض معركة ولو فقط دبلوماسية، لإزاحته. وليست لديها رغبة أو دافع لفرض تسوية موضوعية تلبي مطالب الشعب السوري في أن يحدّد مستقبله ويختار بنفسه من يحكمه، أو حتى التفاوض من أجل تسوية كهذه.
أما سلوك ترامب غير القابل للتوقع فيظل محصوراً في التكتيك، وليس في الاستراتيجية. ومضمون الرسالة التي حملتها صواريخ توماهوك أن القتل والتشريد والتدمير وكل ما قبل الكيماوي مسموح به، من دون قيد أو شرط، فعدد الذين قتلوا في خان شيخون لا يقارن بمئات آلاف قتلوا فعلياً (ومئات آلاف آخرين ينتظرون مصيرهم) بوسائل وأسلحة مختلفة، غير كيماوية.
وكل المطلوب أميركياً من الأسد ورعاته تجنب ذلك الخط الأحمر، إذ يُحرج واشنطن والغرب، ويفضح زيف المبادئ والشعارات التي يرفعونها.