ألعاب الموت!

13 اغسطس 2018
الموت حصد الكثير من أرواح الرياضيين (Getty)
+ الخط -
من البديهي اعتبار الرياضة وسيلة من وسائل الترفيه عن النفس بالنسبة للإنسان العادي، وهي أداة لحصد الأموال والشهرة أيضا بالنسبة للأندية والشركات والهيئات الرياضية، بل هي مؤثرة بشكل مباشر في بقية الأمور الحياتية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها، لكنها في الوقت ذاته تبقى الفسحة الوحيدة للبشرية في زمننا هذا كمتنفس يبعد عن كل الضغوط، سواء كنت ممارسا للرياضة أو مطلعا عليها مشجعاً أو متفرجاً.

قالوا كثيرا عن الرياضة، فهي صحة وحياة لممارسها بلا شك، في هذه المسألة لا يختلف اثنان، لكنّ لها جانبا مؤلما للغاية حين يتعلق الأمر بالشغب الجماهيري أو الكوارث الرياضية وموت ممارسيها، لذلك استوقفني خبر وفاة لاعب الرغبي الفرنسي الشاب لويس فاجفروسكي الذي قضى متأثرا بإصابته من "عرقلة" خشنة خلال مباراة ودية جرت في فرنسا.

القصة فيها الكثير من الإثارة، ولكنّ نهايتها مأساوية. إذ تعرض هذا اللاعب في تلك الرياضة الخشنة أصلا، لعرقلة قوية، وبعد سقوطه أرضاً تمكن من الوقوف وتوجّه إلى غرف خلع الملابس برفقة أحد أطباء فريقه، ثم طالب بالعودة إلى أرضية الملعب، لكنه سرعان ما بدأ يشعر بالإعياء وفقدان الوعي، ورغم وجود أفراد من الجهاز الطبي للفريق ومسعفين، إلا أنه فارق الحياة!

تلك واحدة من بين مئات القصص التي تشهدها ميادين الرياضة بمختلف ألعابها، فمن كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية في العالم، وصولا لبقية الألعاب الجماعية وتلك التي تتطلب تدخلات خشنة، بل ضربات موجعة على غرار الرياضات القتالية المعروفة بدمويتها في بعض الأحيان، كلها شهدت حالات وفاة لرياضيين وهذا ما يدفعنا إلى الوقوف طويلا في تلك اللحظات المأساوية.

وفاة اللاعب الفرنسي لم تلق صدى واسعا في إعلامنا العربي باعتباره يمارس رياضة لا تحظى لدينا بالشعبية التي تحظى بها كرة القدم، لكن أهمية الوقوف عند هذه الحادثة وتأملها يكمنان في أنها مسألة حياة أو موت؛ فقد امتلأت الملاعب وميادين الرياضة، للأسف، بالكثير من الحالات المشابهة، ولا سيما الموت المفاجئ الذي يكون وقعه أشد مضاضة على المتابع مع الإيمان بقضاء الله وقدره في تلك المشاهد والقاعدة تعم بديهيا.

لكن في الرياضة ألعاب تحسب عليها ولها، وتكون خطرة وتسفر بشكل مستمر عن إصابات مروعة وصولا إلى فقدان الحياة، ويدفعني تساؤل حول أساس تلك الألعاب الرياضية، فالكل يعلم أن رياضة الرغبي وكرة القدم الأميركية على سبيل المثال لا الحصر، وإن قل انتشارهما في الوطن العربي تتطلبان تدخلات عنيفة جدا، وربما هو السبب الرئيسي في عدم انتشارهما في مجتمعاتنا الرياضية، لكنهما في الوقت ذاته تفتحان الباب أمام تساؤلات أخرى تتطلب إجابات شافية تتعلق ببقية الرياضات الخشنة التي قد تؤدي إلى الهلاك.

تعتبر الرياضات القتالية وعلى رأسها الملاكمة من أخطر الرياضات، والأمر يمتد لبقية الألعاب القتالية فضربة "قوية جدا على الرأس" من أجل حصد "نقطة" كافية للقضاء على المستقبل والماضي والحاضر لممارسها مهما بلغت سبل الأمان والحماية فيها، وهكذا ينطبق الأمر على العديد من الرياضات مثل السيارات التي تتطلب جرأة وتحفها المخاطر من كل جانب، ولو دققنا جيدا فسنجد أكثر من لعبة يكون فيها ممارسها مهددا بالموت، فما هو السبيل لممارسة رياضة لا تحتوي على هذه الأخطار؟

سؤال لم أجد حقاً إلا إجابة واحدة له: الرياضة حياة، وممارستها تتطلب حذرا؛ فكم من رياضي لفظ أنفاسه الأخيرة رغم إتقانه ممارستها، لذلك علينا أن ندرك أنها بوابة للحياة وليست مخرجا نحو الموت، فممارسة الرياضة أكبر من أن تكون في لحظة من اللحظات خطرا على الحياة!


الألعاب الرياضية التي تتطلب احتكاكا جسديا مباشرا تحتاج لتفكير عميق للغاية، فعلى سبيل المثال كرة القدم والرياضات الجماعية تحديدا تتطلب هذا الاحتكاك لكن من دون قصد الأذية، عكس الرغبي والملاكمة وبقية الألعاب التي لا تحسم إلا بالضربات وغيرها من الرياضات المميتة إن صح التعبير؛ بل إن كل الدراسات الطبية أجمعت على أن النشاط الجسدي المكثف من شأنه أن يحمل آثارا مهمة على صعيد إطالة أمد الحياة، حتى لو كان المرء مصابا بمرض أم لم يكن كذلك، كالمشي والركض وغيرها من الرياضات التي لا تشهد معارك من أجل الحياة أو الموت بشكل غير ظاهر للمرء.
المساهمون