يجلس الكثير من الأطفال خلف شاشة الحاسوب أو الهاتف المحمول مستغرقين باللّعب بمختلف الألعاب التي لا تعدّ خياراتها ولا تحصى، ولعلّ أولى الكلمات التي توجّه لهم هي: "أبعد رأسك عن تلك الشاشة"، أو "اترك تلك اللعبة اللعينة واهتم بشؤونك". لكن قد تفيد الألعاب بإعادة مشاعر القدرة والأمل التي حطّمتها رحى الحرب الدائرة في سورية لدى الأطفال اللاجئين.
تندرج لعبة Minecraft تحت قائمة الألعاب التي تسمح لك بتصميم عالمك الصغير الخاص بشكلٍ كامل، وتمنح هذه اللعبة الطفل إحساسًا بالتحكّم والقدرة على التغيير؛ ما جعلها محور دراسة الباحثين في شؤون التعليم لدى الأطفال اللاجئين. وجد الباحثون في جامعة نيويورك أنّ هذه اللعبة تساعد الأطفال اللاجئين السوريين في تركيا وتخلق لهم مجالًا ليطلقوا خيالهم الخصب ويعبروا عمّا يجول في خاطرهم.
تعدّ لعبة Minecraft بمثابة صندوق رمل مفتوح من دون مهام محددة واضحة، وتحفّز بذلك مخيلة اللاعبين للتجريب والإبداع؛ حيث أعطي الأطفال تعليمات عامة عن اللعبة وطلب منهم أمور عامة مثل بناء منزل أحلامهم ومن ثم تصميم القرية المحيطة به بما في ذلك منازل أصدقائهم.
"تعتبر لعبة Minecraft المكان الوحيد الذي يمكنك من إنشاء أي شيء فيه والبقاء متحكّماً ومسيطراً، تمتلك فيها الحرية المطلقة ويمكنك تغيير البيئة المحيطة بك في أي وقت تريده" بحسب البروفيسور Jan L.Plass من جامعة نيويورك.
المشكلة كبيرة!
يقدر عدد اللاجئين السوريين بحوالي 5 ملايين نسمة، ويبلغ عدد الأطفال النصف تقريبًا. سجّلت تركيا حوالي ثلاثة ملايين لاجئ سوري دخلوا إلى أراضيها، يستطيع حوالي 90% من الأطفال الموجودين في مخيمات اللاجئين في تركيا الانتساب إلى مدرسة، لكن لا تتجاوز نسبة الأطفال القادرين على الالتحاق بالمدرسة 25% من عدد الطلاب الذين يعيشون خارج المخيمات تبعًا لـ Human Rights Watch.
تتفاقم مشكلة الالتحاق بالمدرسة والحرمان من التعليم بالحواجز اللغوية، الصعوبات المادية، وتحديات الصحة العقلية. واجه حوالي 80% من الأطفال اللاجئين السوريين موت أحد أفراد عائلتهم، ويعاني النصف تقريبًا من أعراض متلازمة ما بعد الرض وذلك تبعاً لـ The Migration Policy.
ويعادل هذا الأمر بحسب البروفيسور Selcuk Sirin أحد منظمي هذه الدراسة "حوالي 10 أضعاف ما نتوقعه من عينة سكانية طبيعية. ولا يرافق هذه الأعداد المهولة إلا الحاجات الضخمة والتي لا يمكن حلّها أو تلبيتها بالطرق التقليدية، مما دفع بالباحثين من جامعة نيويورك لتجريب التكنولوجيا الرقمية للمساعدة في تلبية هذه الحاجات الملحة والصعبة.
"لا يمكننا تلبية احتياجات هؤلاء اللاجئين عن طريق الطرق التقليدية، لا نملك ما يكفي من المعلّمين، لا نملك ما يكفي من معالجين نفسيين أو حتى أطباء نفسيين" بحسب البروفيسور Sirrin.
Project Hope: أمل جديد
استخدم الباحثون المؤسسون لمشروع Project Hope عدة ألعاب لمساعدة الأطفال في التغلب على الحواجز اللغوية وتحسين حالتهم العقلية. وكما ذكرنا فإنّ من بين هذه الألعاب كانت لعبة Minecraft بالإضافة إلى برنامج تعليمي للبرمجة من موقع Code.org، لعبة تدعى Alien Game، ولعبة أخرى باللغة التركية.
ضمت الدراسة حوالي 147 طفلًا لاجئًا تتراوح أعمارهم بين 9 – 14 عامًا في منطقة أورفة في تركيا التي تحدّ سوريا وتمتلك عددًا كبيرًا من اللاجئين. خضع الأطفال المشاركون في الدراسة لجلسة مدتها ساعتان ولخمسة أيام في الأسبوع على مدار شهرٍ كامل، بوجود معلّم معهم لمراقبة الجلسات.
"نأمل أن نتوصّل من خلال هذه الدراسة إلى إثبات القدرة على التأثير بوجود الموارد المحدودة، وكذلك الحواجز اللغوية. نستطيع إحداث فارقٍ كبيرٍ في حياة الأطفال من خلال استخدام التكنولوجيا" بحسب البروفيسور Selcuk Sirin.
يهدف Project Hope إلى دعم الأطفال اللاجئين السوريين في تركيا عن طريق تزويدهم بفرص التعلّم من خلال الألعاب لتحسين مهارات اللغة التركية لديهم، المهارات الإدارية، ومهارات البرمجة مع تقليص الإحساس باليأس وزيادة الأمل لديهم.
قام الأطفال بملء استبيانات أسبوعية للتعبير عن رضاهم عن الألعاب المختلفة وعن مدى حبّهم للعبة ما، كم تعلّموا منها، وفيما إذا كانوا ينصحون بها لغيرهم من الأطفال. أظهرت النتائج رضى عاليًا لدى الأطفال كما أظهرت أنّهم قد تعلّموا منها الكثير وأنّهم سينصحون بها لأطفالٍ غيرهم.
"إنّ اللعب هو طريقة عالمية للتعلّم. استطعنا من خلال اتخاذ منهجٍ مبني على الألعاب والمتعة أن نقوم بتدخّلٍ لم يكن فعّالاً وحسب، بل كان الأطفال فيه عنصراً أساسياً وأرادوا الاستمرار فيه"، بحسب Bruce Homer الباحث في سيكولوجية التعليم في جامعة نيويورك.
قد تكون هذه الطريقة غير التقليدية هي الحل للمشكلات الكبرى التي تواجه اللاجئين بشكلٍ عام والأطفال خاصةً، فعن طريق استخدام التعليم المبني على الألعاب كما في مشروع Project Hope يمكننا تحقيق فعالية عالية مقارنة بالتكاليف المطلوبة للوصول إلى قلوب وعقول أولئك الأطفال وتعليمهم المهارات الأساسية في الحياة ليستطيعوا تحرير أنفسهم من الشدة والضغط النفسي الشديد ويتخيّلوا عالماً يكون مستقبلهم فيه أزهى وأجمل.