ألبوم عمرو دياب: احتفال شخصيّ لا أكثر

15 أكتوبر 2018
تظهر شخصية الثمانينيات (عمرو مراغي/فرانس برس)
+ الخط -
بعد تأجيل متلاحق أثار مزيجاً من الانتظار والشك لدى جمهوره، صدر ألبوم عمرو دياب الجديد "كل حياتي". انقضى الصيف ولم يظهر العمل المرتقب، رغم الوعد بأن الصيف لن يكتمل من دون "الهضبة". وفي أول الخريف، جاء "كل حياتي" بمستوى ضعيف، كما لو أنه إيذان بخريف نجم ظل يتزعّم غناء البوب العربي لثلاثة عقود.

تمتد مسيرة عمرو دياب الغنائية إلى 35 عاماً، كان خلالها يبحث عن أشكال موسيقية مختلفة وجديدة. وبعيداً عن الخلاف حول القيمة الفنية لأعماله، إلا أن قدرته على الاستمرار طوال تلك الفترة، بنفس البريق والنجومية في مصر والعالم العربي، لم تأت بضربة حظ، إنما نتاج مثابرة وذكاء وكاريزما فنية تمتّع بها. كما أن خياراته الملائمة لحدود صوته اتسمت بالبساطة والحيوية والتنويع النسبي، بما يضفي على أعماله التجدد.

السمة الرئيسية لصاحب "عوّدوني" كانت في قدرته على الإبهار المستمر لشريحة عريضة من الجمهور. لكن المختلف في "كل حياتي" هو إصرار عمرو دياب على توقّف الزمن عند مرحلة فنية معينة، كان خلالها هو معيار التقدم الغنائي في العالم العربي؛ فهو لم يكن نموذجاً غنائياً فقط لنجوم زمنه وأجيال لاحقة، بل أيضا ظاهرة يتبعها شريحة عريضة من الشباب، في تسريحة شعره الجديدة ومظهره المختلف مع كل ألبوم جديد له.

تبقى تجربة عمرو دياب الغنائية مهمة، فاستمراريته شهدت أفول نجوم ظهروا بعده. ولطالما اعتمد على شخصية غنائية ظل يبني عليها تنويعات مختلفة تضفي التجديد له دائماً. ففي كل ألبوم سيعود دياب في أغانيه إلى التسعينيات ونهاية الثمانينيات، كما سنجد فيه الألفية التي افتتحها بألبوم "قمرين" عام 1999، كما في فترة ظهور الغيتار الإسباني التي ستظهر اليوم في بعض لمحات أغنية "يا ساحر"، ذات الشكل الكرنفالي في تصعيد الكورس على طريقة أغاني أميركا اللاتينية، مثل أعمال شاكيرا.

في أغنية "قالك ندم"، اللحن الوحيد الذي وضعه عمرو دياب في ألبومه الجديد، تظهر شخصية الفنان التي انطلق فيها نهاية الثمانينيات وأول التسعينيات. ومع مقام البيات، وإيقاع المقسوم، إضافة إلى الشخصية اللحنية للأغنية، تكتمل عناصر التسعينيات، أو الزمن الذي شكّل انطلاقة عمرو دياب الغنائية.

يطغى مقام الكرد على أغاني الألبوم، باعتباره المقام الأكثر استعمالاً في الأعمال العربية الحديثة، لكن عمرو دياب أعطى مقام البيات الشرقي هذه المرة بعض الحضور الواضح، وجاءت أغنية "هدّد" بهذا المقام، مع توظيف إيقاع الواحدة، في سياق تعبيري وظفه بليغ حمدي للإيحاء بالحزن. بينما قُسمت أغنية "إنت مغرور" إلى كرد في المطلع، وبيات في الجزء الذي يتم إعادة ترديده: "إنت مغرور/ إنت معدوم الشعور". من جهة أخرى، لعبت الإيقاعات الدور الأبرز في التوزيع، مع ظهور طفيف للوتريات، بينما ظهرت الكمنجات مع الناي على البيات بنفس لحن الغناء، لتعزيز الروح الشرقية التي لم تمنحها الإيقاعات. في ألبوماته الأخيرة، كانت أفضل أغنية على مقام البيات هي "سبت فراغ كبير"، لكنها كانت نتاج تعاون مع أحد ملحّني عمرو في بداياته، وهو خليل مصطفى.

ربما كان الشيء جليّ الاختلاف في ألبوم "كل حياتي" هو الطريقة الجديدة في الترويج له، وربط الجمهور بموعد صدور شابَه الغموض، مستبقاً بنشر أغنية تلو الأخرى من الألبوم على اليوتيوب، لتبلغ خمس أغانٍ؛ أي نصف الألبوم المكون من 13 أغنية، بينها تسجيلان بتوزيعين مختلفين لأغنية "باين حبيت"، أحدهما جاء بتوزيع الدي جي مارشميلو، بأسلوب موسيقى الهاوس، لكن حضور دي جي عالمي لم يكن لافتاً. كما أن التشويق الدرامي لصدور العمل لم يغير شيئاً، لكنه إعلان عن طغيان الإنترنت وتكنولوجيا الاتصالات على سوق الغناء، ونهاية عصر السي دي ومن قبله الكاسيت.

ومنذ اللحظة الأولى للإعلان عن الألبوم، كان هناك شقّ احتفالي، أي الحديث المبكر عمّا سيقدمه عمرو دياب؛ فالأخبار تحدثت عن كواليس العمل وعودة صاحب "أنا عايش" للتعاون مع موسيقيين انقطع عنهم فنياً منذ سنوات، مثل الموزعين الموسيقيين طارق مدكور ونادر حمدي، والملحن محمد رحيم، إضافة إلى محمد يحيى، وعمرو مصطفى الذي عاد للتعاون معهما في الألبوم الماضي، وإلى جانبهما الشاعر الغنائي أيمن بهجت قمر.

"كل حياتي" هو أول عمل يطرحه دياب بعد أن أصبحت علاقته العاطفية بالممثلة الشابة دينا الشربيني شبه مؤكدة، بل إن الأوساط الفنية المقربة أخذت تفترض وتتوقع أننا موعودون بأحد أفضل ألبومات عمرو دياب، وصدر "كل حياتي" بصورة معاكسة كواحد من أضعف أعماله. ومع أن هذا الوسط لم يكن ليشكك في خياراته الفنية، جرى الحديث عن وجود ست أغانٍ من توزيع طارق مدكور، واختار دياب العمل الأضعف بينها في ألبومه. وربما نتجت تلك الأحاديث بسبب عدم رضا بعض أطراف العمل نتيجة الخيارات، وربما كان اختياره لتوزيع طاق مدكور في "يا هناه" استعادة لمرحلة كان هو موزع معظم أعمال عمرو دياب، خصوصاً في ألبوم "حبيبي ولا على باله".




مع هذا، يعمل صاحب "شوّقنا" على الإيحاء بوجود تنويع لمسيرته، فهو مثلاً يغني "كل حياتي" كما لو أنها تعيدنا إلى أواخر الخمسينيات في أغاني عبد الحليم، إلا أن هذا اللحن المتوسط من مقام الكرد، لم يكن كافياً لمنحنا إيحاء بوجود شيء مختلف في الألبوم الأخير لعمرو دياب.

لم يأت "كل حياتي" لنا بجديد، سوى ما طرأ من تغيّر على الحياة الشخصية لعمرو دياب، غير أنه لم يحتو على ما هو لافت، من الناحية اللحنية أو الشعرية؛ إذ بدت معظم الأغاني باهتة من الجهتين. لطالما ارتبطت خياراته بأنساق موسيقية موجودة في العالم، مثل إدخال موسيقى الهاوس إلى الألبوم. لكن "كل حياتي" بدا أشبه باحتفال خاص بما طرأ على حياة الفنان الخاصة، أراد عمرو دياب أن يشرك فيه جمهوره، وإن كان نتاج خيارات متعجلة. لم يكن العمل خالياً من الإبهار وحسب، وهو ما لم يعد عمرو دياب مطالباً به في عصر متغير، بل جاء فاقداً للشكل الغنائي المتماسك، وربما للسمة اللحنية. كأنّ العمل صدر فقط ليقول عمرو دياب من خلاله إنه موجود في سوق الغناء.
المساهمون