أكونُ امرأةً حُبلى بالكون

11 يناير 2016
لوحة لإغناسيو أوزيكه (Getty)
+ الخط -
                                    على حافةِ كلِّ هاوية


ساعةَ، تلتفتُ الكلماتُ إليَّ
ساعةَ، يحوِّلُ الشِعرَ، روحي إلى زوبعة
ساعةَ، لا أستطيعُ أن أختارَ أيّ سبيل
تلفظُ روحي جسدي
كرةَ هواء
تستيقظُ أفاعيُّ الضحَّاك في داخلي
وتتحولُ أذنايَّ إلى أُذنيّ الأمير الحمَّار
ساعتئذٍ
أكونُ امرأةً حُبلى بالكون
تُهدّدُ صرخات المَخاضِ بقائي لأكتب
أكونُ البركانَ الذي حنَّ
للدمارِ ليُضيء
أكون ساعتئذٍ شاعراً.
ساعةَ، تُقَلِّمُ روحي أظافر الندم
ساعةَ، يتحولُ ناظريَّ إلى مصدر
إشعاعٍ للحُزن.
ساعةَ، أتقلبُّ كقطٍ
يُغازلُ أُنثاه
ساعتئذٍ
يركُلني الكلام
وأصفعهُ
ساعتئذٍ
لا أتحملُ ظلِّي
تكونُ ساعتئذٍ متاهةَ انتظار.
أغيبُ كثيرًا عن نفسي
لأحنُّ إليه
لأتعرف عليه
وألبسهُ حين أعودُ بحبّ
كُلّ الساعات التي تعيشُني
تُحولني إلى فوسفورٍ يُضيءُ روحُها،
في بقائي ،في متنها مُسنناً يَعدُّ دورات العقاربِ.
ساعةَ، تستُردني عافيةُ الثرثرةِ
ساعةَ، أضحك على الشارعِ تحت قدميِّ
ساعةَ، أحلبُّ الفراغَ ليُرضِعَني
ساعتئذٍ أكونُ
عمود كهرباء
مِقعد طالب
صوتَ مَحرِّك سيارة
أكون ساعتئذٍ
بالوناً خاوياً تجوبُ بهِ الهواء
أكونُ ساعتئذٍ
طفلاً يلعقُّ الموتَ مصاصةً.
ساعةَ، أرمي جسدي بعيداً عني
ساعةَ، أقتطع الوقت شريحة لحم
ساعةَ، أغزلُ الهواء مقصلةً
ساعةَ، أردمُ جدران روحي،
تَقرَّفُ مني سيجارتي
ويتحولُ قلمي إلى أفعى
ساعتئذ أكون
خِواء العدم.
لا تُدرِّكُ هذه الساعات مشيئتي
ولم أُدرِّك بعد
مشيئتي.
تسحبني هاوياتُ كلِّ اللحظات
لكن على حافاتها
يلتقطني ضوءٌ ما
أتبعثرُ
أتبدّدُ
أنكسرُ
أنعرجُ
لأميلَ على ما فاتني،
ساعتئذ أبداً من جديد
أكتبُ لأنسىْ
أكتبُ لأعيشْ
أكتب لأسحب الحياة تعيشُني
ولا أعيشُها كما تريد.


                                               ما بقيَّ من رماد

على ساحلِ عُزلتي
أمام جدران الصدى
عاريةً أمامي الحياة،
تؤرِّخُ خياناتِها أصابعٌ تقود دولاب "الماوس".
أُمسِّدُ على رأس الفراغ
ألفُّ خيوط الدخان جديلةً من الكلمات
على طاولتي،
منفضةٌ ليست سوى مقبرةٌ لأشلائي
وكأسُ عَرَقٍ يُتاخم بقاء الأنفاسِ من روحي.
لم أعدّ هنا، لكنني في هنا:
أُعيد ترميم وجودي، من رماد دخاني
لم أعدّ في نفسي أتحرشُ بالجسد
سكنني،
خِواْءٌ ينهشُ الحياة في ما بقيَّ هنا
لم أعدّ هنا
ولم يعد لي مكانٌ أتركُ على شوارعهِ:
بللَ دمعة
آثار وجعْ
أو حتى ابتسامةٍ عابرة.
لم يعد لي سوى:
موسيقى قديمة، تُعرِّفُ بما كان يُسمى، وطن!
وقلمٌ يمتهنُ مسح دم الحياة، بالحروف.
لم يعد هنا مكانٌ للمشردين
لم يعد هنا زمنٌ لإلقاء قصيدة
وحدهُ البياض عليهِ، فيهِ، منهُ، أنسى
لأبعثَ في الغدِ، جديدَ نَفَس، على صفحة الحلم.
لم أعد هنا
رحلتُ مع صمت الحقيقة
حين أصبحت كلّ الظروف:
دون أمكنة
دون أزمنة!
رحلتُ وما كنتُ لأبتعد،
لولا سهو الحياة عني، وكذلك الموت!
بقيتُ؟
راحلاً بين جدراني إلى البياض
فما عيشي لولا شهوة الحروف.
لم أكن لأغيبَ أبداً
لولا أنّ السوادَ طغى
ما كنتُ رحلتُ عن البياض
لولا أن الخراب غدا الناطق الوحيد.
لكن، يوماً ما:
سينتهي كلُّ هذا الخراب
وأعود للحبّ، أيقظه في داخلي
راقصاً مع صرخات ،حريّة، هي إكسير الحبّ
على جثة القيود.
نافخاً على هباب الوجع نَفَساً نقياً.
يوماً ما
سأُعيد رسمَ الحياة في ثوبِ عروس
وسيُكتب على شاهدة قبري:
هنا يرقد من عاش الحبّ في الخراب
هنا من أعاد اللغة إلى وجعها
هنا من أيقظ في الموت حياة ما بعده.
لم أعد هنا
لكنني بقيت!
سيّان
ما دمتَ تلعقُ صمتَ جدرانكَ
وتتنفس دخان سيجارتكَ
وتملأ مثانة روحكَ غضباً
سيّان
ما دمتَ لم تعد تُجاري ظلّكَ
ما دمتَ لم تعد أنتَ ،أنت
في وجع الضياع.
لم أعدّ هنا،
ولا رحلت،
كلّ الجهات، غربةُ تائهٍ عن مرآتهِ
كلّ الجهات غدت، رقصة القاتل على جثث البراءة.
لم أعد هنا،
وبقيت،
أصمتُ قلِقاً على الهدوء
على الصمت
في غفلة الحرب،
أصبحتُ أفتقد ضجيج الخراب، لأُحاكي النجاة.
لم أعد هنا
بقيتُ جثةً تؤرّخ لشقيقاتها:
موسيقى الغد.
صباحاً
مساءً
في ضياع الوقت
لا زمن يخبو في اقتناص الحبّ من لحظة عابرة
يوماً ما
تحت المطر
سأتذكر حبيبتي
وسأُعيد نَفْس الكلمات التي أظهرت ضرسها الهارب.
يوماً ما
عندما أحيا من جديد،
سأهمس للمطر خارج غرفتي
كم ألحانُك رائعة
كم وخزتكَ موجعة
كم بقاياك هادمة
رويداً رويداً، تنسلُّ يا مطرُ تحت القامات
لتُعيد إليها تواضعها،
بعدها
لا يمضي طويلُ وقت
حتى أتقن لغة المطر
لأُعيد بها، للبياض وجه التراب
غداً عندما أُلقى حيّاً،
سأقصّ لجدراني ما كنت أحلم بهِ
سأعترف لسيجارتي ما حرّفتُ بدخانها من كلمات
سأقصُ لأولادي كم كنتُ جباناً
سأستقبل حبري بخوف
سأحلم أنّني لم أكن، ولم أعد هنا
غداً
عندما تعود العصافير إلى الزقزقة
والكلاب إلى البراري
وتعودُ الأحلام لتولَّد
سأقبل الدعوات لإلقاء الشِعر
وأغني بلحن الدم الذي راق
كيف كانت الحياة وكيف صارت الآن تنصتُ إلى كلماتي
لكن،
الآن في عز التعب
قبل قيلولة الظهيرة بقليل
قبل الانتهاء من مقالة للشعر وفي الشعر
ابتسمتُ لصوت حبيبتي التي نهرتني:
لماذا لا تردّ؟
قبل اثني عشر عاماً
لم أعد هنا
تركني المكان
ومن شدة الضجر والخوف هذرتُ بهذه الكلمات!.








دلالات
المساهمون