هناك اعتقادٌ، راسخٌ لدى كثيرين، بأن هوليوود تُنتج أفلاماً تمجِّد أميركا فقط، وتمنح شخصياتها صفة البطولة، التي تُنقِذ الأميركيين والعالم من كلّ خطر ممكن، سواء جاء الخطر من "أعداء الأمة" (عربٌ، مسلمون، شيوعيون سابقون، كوريون شماليون، وغيرهم)، أو من كائنات فضائية، أو بسبب كوارث طبيعية.
أفلام كثيرة تناولت هذا الأمر، للترويج لفكرة مفادها بأن أميركا بطلة العالم، ومنقذته في آنٍ واحد. وسواء كانت الشخصيات البطلة ـ المنقذة أناساً من لحم ودم، يُضحّون بكلّ شيء وبكل أحدٍ آخر، وليس بأنفسهم طبعاً، لإنقاذ أميركا وكوكب الأرض من المخاطر؛ أو لم تكن تلك الشخصيات بشرية، أو بشرية تتحوّل إلى شخصياتٍ خارقة، تمتلك قدرات فوق بشرية؛ فإن هوليوود منجذبة إلى هذا النوع من الأعمال، التي تلقى نجاحات تجارية كثيرة، غالباً.
لكن أميركا نفسها تُنتج، في المقابل، أفلاماً تُعتَبر الأكثر سجالية وانتقاداً للسياسات الأميركية، في خوضها حروباً عديدة، على الأقلّ منذ حرب فيتنام، وتورّطها في وحول بلادٍ خاضعة لنزاعات مسلّحة عنيفة.
من فيتنام وكوريا إلى العراق وأفغانستان، أنجز سينمائيون أميركيون عديدون أفلاماً، هي شهادات سينمائية مهمّة، تنتقد الإدارة السياسية والقيادة العسكرية بشدّة، وتناقش جوهر الحياة العسكرية الأميركية وآثارها السلبية. الجرح الفيتنامي أقوى الجروح في التاريخ المعاصر لأميركا، وكوريا جزءٌ من الألم والتمزّق الروحيين، المستمرّين في التأثير السلبي على ناجين منها، لا يزالون على قيد الحياة. بسبب حربي العراق وأفغانستان، فإن الخراب حاضرٌ في الذات والروح الخاصتين بجنودٍ، تلتقط السينما الأميركية بعضه في أفلام، لم تبلغ المرتبة السينمائية الإبداعية لأفلام حرب فيتنام الانتقادية، لكنها تنتقد بوضوح معنى إرسال "شباب أميركا" إلى خارج حدود بلدهم، لمحاربة "أشرار" يخوضون حروباً في بلدان أخرى.
سينمائيون أميركيون، معروفون بنقدهم القاسي أحوال أميركا وخرابها الداخلي، "يُبجّلونها" في لحظة مصيرية ما. فالمخرج المشاغب أوليفر ستون مثلاً، الذي أنجز أفلاماً تروي فظائع الدمار النفسي لجنودٍ أميركيين في حرب فيتنام وبعدها، في ثلاثية "الفصيلة ـ بلاتون" (1986) و"مولود في الرابع من تموز" (1989) و"السماء والأرض" (1993)، قدّم أحد "أسوأ" أعماله، سينمائياً، بعنوان "المركز العالمي للتجارة" (2006)، كتحية لرجال إطفاء نيويوركيين، نجوا من الموت بعد سقوط أحد مبنيي المركز وهم في داخله، إثر اعتداء 11 سبتمبر 2001، أثناء تأديتهم واجبهم الإنساني.
أما كلينت إيستوود، الذي يذهب بعيداً في تحرّره الليبرالي، إنسانياً وأخلاقياً، يُنجز عملاً سينمائياً، متين الصُنعة الفنية والتقنية، بعنوان "قناص أميركي" (2014)، يُعتبر "أميركياً" بالمعنى التمجيدي للبلد: قصّة حقيقية لـ "قناص نخبة" أميركي، مُلقَّب بالأسطورة، يُدعى كريس كايل، يخدم في العراق أربع مرات (ما يُعادل نحو ألف يوم)، و"يُقنِّص" 160 جندياً عراقياً، لكنه يُقتل في بلده على يديّ جندي سابق مُصاب باضطراب نفسي، أراد مساعدته.
زميلا ستون، مايكل تشيمينو وفرنسيس فورد كوبولا، سبقاه إلى أدغال فيتنام، بإنجازهما فيلمين، يُشكّلان مرجعية سينمائية متكاملة الصُنعة: "صائد الغزلان" (1978) للأول، و"الرؤية الآن" (1979) للثاني، علماً بأن "صائد الغزلان" يُعتبر "أول فيلم أميركي ينتقد حرب فيتنام"، ويفتح الطريق أمام هذا النوع السينمائي التجديدي، شكلاً ومضموناً، في مقاربة إحدى أخطر الانهيارات الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية للأميركيين.
كوبولا يُنجز فيلماً ثانياً عن تأثيرات حرب فيتنام على الخارجين منها بجروح غير ملتئمة، في الروح والنفس والجسد: "حدائق من حجر" (1987). في حين أن حرب العراق لم تستهوِ مخيلته السينمائية، على نقيض زميله الآخر براين دي بالما، المنتقل من حرب فيتنام، في "ضحايا الحرب" (1989)، إلى حرب العراق، في "ريداكتد" (2007). أما خلاصة هذه الأفلام كلّها، فهي: قراءة سينمائية لأحوال أفراد منهارين في الحرب، يعودون إلى بلدهم معطوبين للغاية.
من أفلام حرب العراق، هناك "جارهيد" (2005) لسام مانديس، العائد إلى حرب الخليج الأولى، لمتابعة حكاية أول فرقة في البحرية الأميركية، تنتقل من مقرّها في السعودية إلى صحراء العراق، مع اندلاع تلك الحرب عام 1990، ولتقديم صورة ما عن الأهوال التي خاضتها الفرقة حينها.
أما نِكْ برومفيلد، فيستعيد، في "معركة من أجل حَديثة" (2008)، بعض ما جرى في تلك المدينة العراقية، عندما قرّر الكابورال راميريز الانتقام لمقتل جندي وجرح اثنين من فرقته، فكانت النتيجة: مقتل 24 مدنياً عراقياً (نساء ورجالاً وأطفالاً). ويتابع "المنطقة الخضراء" (2010) لبول غرينغراس، وقائع التفتيش العسكري الأميركي عن "أسلحة الدمار الشامل" في بغداد ومحيطها، "غير الموجودة" أصلاً، وقصّة الصراع بين أجهزة الاستخبارات والقيادة المشتركة بين كبار الضباط وبعض الأمنيين والسياسيين، وضباط راغبين في فضح الأكاذيب الكثيرة حول غزو العراق، بينما يتناول بول هاغيس، عبر فيلمه "في وادي الله" (2007)، حكاية جندي سابق في البحرية الأميركية، يبحث عن ابنه الجندي الحالي في البحرية أيضاً، العائد من العراق، والمختفي في أميركا. حكاية تكشف الانهيار النفسي للجنود، في لغة تدافع عن الجندي نفسه، لكنها لن تتأخّر عن انتقاد الإدارة الأميركية أيضاً.
اقــرأ أيضاً
لكن أميركا نفسها تُنتج، في المقابل، أفلاماً تُعتَبر الأكثر سجالية وانتقاداً للسياسات الأميركية، في خوضها حروباً عديدة، على الأقلّ منذ حرب فيتنام، وتورّطها في وحول بلادٍ خاضعة لنزاعات مسلّحة عنيفة.
من فيتنام وكوريا إلى العراق وأفغانستان، أنجز سينمائيون أميركيون عديدون أفلاماً، هي شهادات سينمائية مهمّة، تنتقد الإدارة السياسية والقيادة العسكرية بشدّة، وتناقش جوهر الحياة العسكرية الأميركية وآثارها السلبية. الجرح الفيتنامي أقوى الجروح في التاريخ المعاصر لأميركا، وكوريا جزءٌ من الألم والتمزّق الروحيين، المستمرّين في التأثير السلبي على ناجين منها، لا يزالون على قيد الحياة. بسبب حربي العراق وأفغانستان، فإن الخراب حاضرٌ في الذات والروح الخاصتين بجنودٍ، تلتقط السينما الأميركية بعضه في أفلام، لم تبلغ المرتبة السينمائية الإبداعية لأفلام حرب فيتنام الانتقادية، لكنها تنتقد بوضوح معنى إرسال "شباب أميركا" إلى خارج حدود بلدهم، لمحاربة "أشرار" يخوضون حروباً في بلدان أخرى.
سينمائيون أميركيون، معروفون بنقدهم القاسي أحوال أميركا وخرابها الداخلي، "يُبجّلونها" في لحظة مصيرية ما. فالمخرج المشاغب أوليفر ستون مثلاً، الذي أنجز أفلاماً تروي فظائع الدمار النفسي لجنودٍ أميركيين في حرب فيتنام وبعدها، في ثلاثية "الفصيلة ـ بلاتون" (1986) و"مولود في الرابع من تموز" (1989) و"السماء والأرض" (1993)، قدّم أحد "أسوأ" أعماله، سينمائياً، بعنوان "المركز العالمي للتجارة" (2006)، كتحية لرجال إطفاء نيويوركيين، نجوا من الموت بعد سقوط أحد مبنيي المركز وهم في داخله، إثر اعتداء 11 سبتمبر 2001، أثناء تأديتهم واجبهم الإنساني.
أما كلينت إيستوود، الذي يذهب بعيداً في تحرّره الليبرالي، إنسانياً وأخلاقياً، يُنجز عملاً سينمائياً، متين الصُنعة الفنية والتقنية، بعنوان "قناص أميركي" (2014)، يُعتبر "أميركياً" بالمعنى التمجيدي للبلد: قصّة حقيقية لـ "قناص نخبة" أميركي، مُلقَّب بالأسطورة، يُدعى كريس كايل، يخدم في العراق أربع مرات (ما يُعادل نحو ألف يوم)، و"يُقنِّص" 160 جندياً عراقياً، لكنه يُقتل في بلده على يديّ جندي سابق مُصاب باضطراب نفسي، أراد مساعدته.
زميلا ستون، مايكل تشيمينو وفرنسيس فورد كوبولا، سبقاه إلى أدغال فيتنام، بإنجازهما فيلمين، يُشكّلان مرجعية سينمائية متكاملة الصُنعة: "صائد الغزلان" (1978) للأول، و"الرؤية الآن" (1979) للثاني، علماً بأن "صائد الغزلان" يُعتبر "أول فيلم أميركي ينتقد حرب فيتنام"، ويفتح الطريق أمام هذا النوع السينمائي التجديدي، شكلاً ومضموناً، في مقاربة إحدى أخطر الانهيارات الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية للأميركيين.
كوبولا يُنجز فيلماً ثانياً عن تأثيرات حرب فيتنام على الخارجين منها بجروح غير ملتئمة، في الروح والنفس والجسد: "حدائق من حجر" (1987). في حين أن حرب العراق لم تستهوِ مخيلته السينمائية، على نقيض زميله الآخر براين دي بالما، المنتقل من حرب فيتنام، في "ضحايا الحرب" (1989)، إلى حرب العراق، في "ريداكتد" (2007). أما خلاصة هذه الأفلام كلّها، فهي: قراءة سينمائية لأحوال أفراد منهارين في الحرب، يعودون إلى بلدهم معطوبين للغاية.
من أفلام حرب العراق، هناك "جارهيد" (2005) لسام مانديس، العائد إلى حرب الخليج الأولى، لمتابعة حكاية أول فرقة في البحرية الأميركية، تنتقل من مقرّها في السعودية إلى صحراء العراق، مع اندلاع تلك الحرب عام 1990، ولتقديم صورة ما عن الأهوال التي خاضتها الفرقة حينها.
أما نِكْ برومفيلد، فيستعيد، في "معركة من أجل حَديثة" (2008)، بعض ما جرى في تلك المدينة العراقية، عندما قرّر الكابورال راميريز الانتقام لمقتل جندي وجرح اثنين من فرقته، فكانت النتيجة: مقتل 24 مدنياً عراقياً (نساء ورجالاً وأطفالاً). ويتابع "المنطقة الخضراء" (2010) لبول غرينغراس، وقائع التفتيش العسكري الأميركي عن "أسلحة الدمار الشامل" في بغداد ومحيطها، "غير الموجودة" أصلاً، وقصّة الصراع بين أجهزة الاستخبارات والقيادة المشتركة بين كبار الضباط وبعض الأمنيين والسياسيين، وضباط راغبين في فضح الأكاذيب الكثيرة حول غزو العراق، بينما يتناول بول هاغيس، عبر فيلمه "في وادي الله" (2007)، حكاية جندي سابق في البحرية الأميركية، يبحث عن ابنه الجندي الحالي في البحرية أيضاً، العائد من العراق، والمختفي في أميركا. حكاية تكشف الانهيار النفسي للجنود، في لغة تدافع عن الجندي نفسه، لكنها لن تتأخّر عن انتقاد الإدارة الأميركية أيضاً.