منذ عام 1978، تحتلّ مسابقة "نظرة ما" مكانة ثابتة في البرنامج السنوي لمهرجان "كانّ". تسعى، منذ تأسيسها، إلى التميّز عن المسابقة الرسمية، باختيار أفلامٍ أكثر أصالة وجرأة، من تلك المتنافسة على "السعفة الذهبية"، والجوائز الأخرى لتلك المسابقة. يُراد لها أن تكون دعماً لمواهب جديدة، تُكتَشف بفضلها، إذْ تهتمّ بمخرجين غير معروفين، سيتحوّل كثيرون منهم، لاحقاً، إلى سينمائيين يمتلكون حضوراً كبيراً في المشهد السينمائي الدولي.
ابتكار "نظرة ما" عائدٌ إلى جيل جاكوب (1930)، المندوب العام لمهرجان "كانّ" بين عامي 1978 و2001، ثم رئيسه لغاية 2014. الناقد والباحث والمخرج السينمائيّ شخصيةٌ فرنسية بارزة في عالم الفن السابع. هاجسه، حينها، كامنٌ في توفير مساحة خاصّة بمخرجين شباب، لديهم موهبة أكيدة، وبدايات حِرفة، ويتوقون إلى عرضٍ أول لأفلامهم، في مهرجان دولي مؤثّر في الحراك السينمائيّ. غير أن التنافس على الجوائز سينتظر عام 1998 كي يبدأ، محرضاً، بشكل أكبر، السينمائيين جميعهم ليُشاركوا بكلّ جديد ممكن في مسابقة، ستُشكِّل متنفّساً لهم.
جائزة "الكاميرا الذهبية" تشهد ولادتها الأولى عام ابتكار "نظرة ما". لكنها لن تُحصَر بهذا البرنامج، إذْ يُمكن منحها لأفلام مُشاركة في برامج أخرى أيضاً، كـ "نصف شهر المخرجين" و"أسبوع النقّاد". في الدورة الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كانّ"، ستكون "الكاميرا الذهبية" لـ "امرأة شابّة (مرحبا بكم في مونبارناس)" للفرنسية ليونور سيراي (1985)، المُشارِك في "نظرة ما".
الأفلام المختارة لكل دورة من دورات "نظرة ما" لن يتجاوز عددها 20 فيلماً، إلاّ بقليل، أحياناً. يُعلن عن اللائحة الرسمية منتصف أبريل/ نيسان، بالتزامن مع إعلان لائحة أفلام المسابقة الرسمية. تُشكَّل لجان تحكيم خاصّة بها، ستكون الأميركية أوما ثورمون (1970) رئيسةً لها في دورة العام 2017، بينما تتبوّأ الفرنسية ساندرين كبرلان (1968) منصب رئاسة لجنة تحكيم "الكاميرا الذهبية"، في الدورة نفسها.
من بين 18 فيلماً روائياً طويلاً في "كانّ" الـ 70، اختير "رجل النزاهة" للإيراني محمد رسولوف (1972) لنيل "جائزة نظرة ما" (الجائزة الأولى). أما فيلم الافتتاح، "بارابارا" ("العربي الجديد"، 22 مايو/ أيار 2017)، للفرنسي ماتيو آمالريك (1965)، فسينال "جائزة الشعر في السينما". أيضاً، يُمنح "فتيات أبريل" للمكسيكي ميشال فرنكو (1979) جائزة لجنة التحكيم، والأميركي تايلور شيريدان (1970) جائزة الإخراج عن Wind River، والإيطالية جاسمين ترينكا (1981) جائزة أفضل ممثلة، عن دورها في "فورتوناتا" لمواطنها سيرجيو كاستيلّيتو (1953).
لن تُبدِّل الجوائز من قولٍ يتكرَّر مع كلّ إعلانٍ لها: إنها نتاج مشاهداتٍ خاصّة بمشاركين في لجان تحكيم، وبأمزجتهم السينمائية ونقاشاتهم المتنوّعة. لذا، فهي لن تُرضي الجميع، سينمائيين ونقاداً ومشاهدين. سيبقى الخلاف بينهم قائماً. سيُردِّد هؤلاء "آراءً" معاكسة أو مناقضة لقرارات لجنة تحكيم ثورمون، التي تضمّ المصري محمد دياب (1978) والفرنسي رضا كاتب (1977) والبلجيكي جواشيم لافوس (1975). سيقولون إن أفلاماً أهمّ تستحق جائزة أو أكثر. المُشاهدة مقياسٌ، وقواعد العمل السينمائي أيضاً. لكن الاختلاف قائمٌ.
أفلامٌ عديدة ـ غير تلك الفائزة ـ تطرح أسئلة العلاقة بالآخر، وكيفية التواصل معه، وآلية قبوله أو رفضه: "وسترن" للألمانية فاليسكا غريسباك (1986)، و"خطيبة الصحراء" للأرجنتينيّتين سيسيليا آتان (1978) وفاليريا بيفاتو (1973)، و"اتجاهات" للبلغاري ستفان كومونداريف (1966). التعبير عن العلاقة بالآخر يختلف بينها. التسامح الفردي يؤدّي دوراً بارزاً في تهدئة الآخر، وبناء العلاقة السوية المطلوبة معه (وسترن). الحبّ، مثلاً، أو الرغبة في اختبار معنى مختلف لمشاعر متأخّرة (خطيبة الصحراء). التمزّق والبحث عن خلاص أو فرار من الدائرة المنغلقة على الروح والجسد معاً، دافعان إلى كشف محيطٍ غارقٍ في ارتباكاته وخيباته وآلامه ورغباته المعطّلة في الخروج من النفق اليومي (اتجاهات).
لكن هذا كلّه سيرتكز على تجربة ذاتية لكل شخصية: ألماني يعمل في منطقة بلغارية، فيخوض أكثر من تجربة تعارف وصدام، قبل أن يلقى قبولاً لدى الآخرين، رغم غياب لغة مشتركة بينهم (وسترن)؛ وأرجنتينية تبحث عن وسيلة نقل تقلّها إلى بلدةٍ أخرى، قبل لقائها بائعاً متجوّلا يُعينها على البحث عن حقيبة ضائعة، فتنشأ علاقة بينهما، تمزج الحب بالرغبة في تحكيم الوحدة والحصار المُقِيمَين فيها (خطيبة الصحراء)؛ وسائقو سيارات أجرة بلغار، يتجوّلون ليلاً في شوارع صوفيا مع ركاب يتناقضون في أمزجتهم وهواجسهم ومشاغلهم، فيكشفون أشياء عديدة من آلامهم وقهرهم واضطراباتهم، ويعكسون وقائع عيش قلِق في مدينة مُفكَّكة وتائهة، وعاجزة عن بلوغ حالة اطمئنان وهدوء ما (اتجاهات).
الإيقاع السينمائي ـ المعتَمد في سرد الحكايات، والتقاط الحالات، ورسم الانفعالات ـ يميل إلى تكثيفٍ دراميّ في مقاربة العوالم المختلفة تلك.
اقــرأ أيضاً
ابتكار "نظرة ما" عائدٌ إلى جيل جاكوب (1930)، المندوب العام لمهرجان "كانّ" بين عامي 1978 و2001، ثم رئيسه لغاية 2014. الناقد والباحث والمخرج السينمائيّ شخصيةٌ فرنسية بارزة في عالم الفن السابع. هاجسه، حينها، كامنٌ في توفير مساحة خاصّة بمخرجين شباب، لديهم موهبة أكيدة، وبدايات حِرفة، ويتوقون إلى عرضٍ أول لأفلامهم، في مهرجان دولي مؤثّر في الحراك السينمائيّ. غير أن التنافس على الجوائز سينتظر عام 1998 كي يبدأ، محرضاً، بشكل أكبر، السينمائيين جميعهم ليُشاركوا بكلّ جديد ممكن في مسابقة، ستُشكِّل متنفّساً لهم.
جائزة "الكاميرا الذهبية" تشهد ولادتها الأولى عام ابتكار "نظرة ما". لكنها لن تُحصَر بهذا البرنامج، إذْ يُمكن منحها لأفلام مُشاركة في برامج أخرى أيضاً، كـ "نصف شهر المخرجين" و"أسبوع النقّاد". في الدورة الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كانّ"، ستكون "الكاميرا الذهبية" لـ "امرأة شابّة (مرحبا بكم في مونبارناس)" للفرنسية ليونور سيراي (1985)، المُشارِك في "نظرة ما".
الأفلام المختارة لكل دورة من دورات "نظرة ما" لن يتجاوز عددها 20 فيلماً، إلاّ بقليل، أحياناً. يُعلن عن اللائحة الرسمية منتصف أبريل/ نيسان، بالتزامن مع إعلان لائحة أفلام المسابقة الرسمية. تُشكَّل لجان تحكيم خاصّة بها، ستكون الأميركية أوما ثورمون (1970) رئيسةً لها في دورة العام 2017، بينما تتبوّأ الفرنسية ساندرين كبرلان (1968) منصب رئاسة لجنة تحكيم "الكاميرا الذهبية"، في الدورة نفسها.
من بين 18 فيلماً روائياً طويلاً في "كانّ" الـ 70، اختير "رجل النزاهة" للإيراني محمد رسولوف (1972) لنيل "جائزة نظرة ما" (الجائزة الأولى). أما فيلم الافتتاح، "بارابارا" ("العربي الجديد"، 22 مايو/ أيار 2017)، للفرنسي ماتيو آمالريك (1965)، فسينال "جائزة الشعر في السينما". أيضاً، يُمنح "فتيات أبريل" للمكسيكي ميشال فرنكو (1979) جائزة لجنة التحكيم، والأميركي تايلور شيريدان (1970) جائزة الإخراج عن Wind River، والإيطالية جاسمين ترينكا (1981) جائزة أفضل ممثلة، عن دورها في "فورتوناتا" لمواطنها سيرجيو كاستيلّيتو (1953).
لن تُبدِّل الجوائز من قولٍ يتكرَّر مع كلّ إعلانٍ لها: إنها نتاج مشاهداتٍ خاصّة بمشاركين في لجان تحكيم، وبأمزجتهم السينمائية ونقاشاتهم المتنوّعة. لذا، فهي لن تُرضي الجميع، سينمائيين ونقاداً ومشاهدين. سيبقى الخلاف بينهم قائماً. سيُردِّد هؤلاء "آراءً" معاكسة أو مناقضة لقرارات لجنة تحكيم ثورمون، التي تضمّ المصري محمد دياب (1978) والفرنسي رضا كاتب (1977) والبلجيكي جواشيم لافوس (1975). سيقولون إن أفلاماً أهمّ تستحق جائزة أو أكثر. المُشاهدة مقياسٌ، وقواعد العمل السينمائي أيضاً. لكن الاختلاف قائمٌ.
أفلامٌ عديدة ـ غير تلك الفائزة ـ تطرح أسئلة العلاقة بالآخر، وكيفية التواصل معه، وآلية قبوله أو رفضه: "وسترن" للألمانية فاليسكا غريسباك (1986)، و"خطيبة الصحراء" للأرجنتينيّتين سيسيليا آتان (1978) وفاليريا بيفاتو (1973)، و"اتجاهات" للبلغاري ستفان كومونداريف (1966). التعبير عن العلاقة بالآخر يختلف بينها. التسامح الفردي يؤدّي دوراً بارزاً في تهدئة الآخر، وبناء العلاقة السوية المطلوبة معه (وسترن). الحبّ، مثلاً، أو الرغبة في اختبار معنى مختلف لمشاعر متأخّرة (خطيبة الصحراء). التمزّق والبحث عن خلاص أو فرار من الدائرة المنغلقة على الروح والجسد معاً، دافعان إلى كشف محيطٍ غارقٍ في ارتباكاته وخيباته وآلامه ورغباته المعطّلة في الخروج من النفق اليومي (اتجاهات).
لكن هذا كلّه سيرتكز على تجربة ذاتية لكل شخصية: ألماني يعمل في منطقة بلغارية، فيخوض أكثر من تجربة تعارف وصدام، قبل أن يلقى قبولاً لدى الآخرين، رغم غياب لغة مشتركة بينهم (وسترن)؛ وأرجنتينية تبحث عن وسيلة نقل تقلّها إلى بلدةٍ أخرى، قبل لقائها بائعاً متجوّلا يُعينها على البحث عن حقيبة ضائعة، فتنشأ علاقة بينهما، تمزج الحب بالرغبة في تحكيم الوحدة والحصار المُقِيمَين فيها (خطيبة الصحراء)؛ وسائقو سيارات أجرة بلغار، يتجوّلون ليلاً في شوارع صوفيا مع ركاب يتناقضون في أمزجتهم وهواجسهم ومشاغلهم، فيكشفون أشياء عديدة من آلامهم وقهرهم واضطراباتهم، ويعكسون وقائع عيش قلِق في مدينة مُفكَّكة وتائهة، وعاجزة عن بلوغ حالة اطمئنان وهدوء ما (اتجاهات).
الإيقاع السينمائي ـ المعتَمد في سرد الحكايات، والتقاط الحالات، ورسم الانفعالات ـ يميل إلى تكثيفٍ دراميّ في مقاربة العوالم المختلفة تلك.