أفكار أميركية لوقف حرب ليبيا بإشراف أوروبي على النفط

26 يوليو 2020
تسيطر قوات حكومة الوفاق على غرب ليبيا (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

يتواصل الحراك الإقليمي والدولي على خطّ الأزمة الليبية من أجل إحياء مسار الحل السياسي الذي باتت مختلف تصريحات المسؤولين الدوليين تجمع عليه، من دون أن تحسم التصورات بشأنه، خصوصاً في ظلّ استمرار التباعد في مواقف طرفي الأزمة المحليين؛ حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً برئاسة فائز السراج، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، ومن خلفهما داعميهما. وفي السياق، كشفت مصادر ليبية خاصة عن مقترح أميركي لوقف الحرب الأهلية المستعصية الدائرة في البلاد، التي تتداخل فيها أطراف إقليمية ودولية عدة بينها روسيا وتركيا ومصر والإمارات.
وقالت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إنّ الاقتراح الأميركي يتضمّن انسحاب مليشيات حفتر إلى أجدابيا شرق ليبيا بعيداً عن المنطقة الغنية بالنفط والمعروفة بالهلال النفطي، ودخول قوات حكومة الوفاق إلى مدينة سرت سلمياً، بشرط التعهّد بعدم التقدم شرقاً بعد سرت.

ولفت أحد المصادر، مفضلاً عدم نشر اسمه، إلى أنّ قوات حكومة الوفاق سلّمت خلال الأيام الماضية أسرى من مرتزقة "فاغنر" إلى روسيا، بالإضافة إلى جثث تعود لمقاتلين روس، وذلك في إطار جهود التهدئة.


الاقتراح الأميركي يتضمّن انسحاب مليشيات حفتر إلى أجدابيا بعيداً عن منطقة الهلال النفطي، ودخول قوات حكومة الوفاق إلى مدينة سرت سلمياً

وبخصوص منطقة الهلال النفطي التي تستحوذ على نحو 80 في المائة من إنتاج ليبيا النفطي، و60 في المائة من الصادرات، قال المصدر إنّ الخطة الأميركية تقترح إخلاء الحقول والموانئ النفطية وتسليمها إلى قوات أوروبية مشتركة؛ إيطالية وألمانية وفرنسية، على أن يكون تمويل تلك القوات بمشاركة بين قطر والإمارات، لتستقطع بعد ذلك من عائدات بيع النفط، التي ستشرف عليها القوات المشتركة. وأضاف المصدر أنّ حفتر، الذي يحمل الجنسية الأميركية، لم يجد أمامه غير الموافقة على الخطة الأميركية، بشرط توفير خروج آمن له إلى خارج البلاد، لا سيما وأن الخطة تحرمه من صلاحياته وامتيازاته، وتفتح عليه باب المحاسبة الداخلية في معسكره، إذ إنّ هناك سخطاً بين رجاله وقواته الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ فترة، في الوقت الذي يعيش هو وأسرته في بذخ، حسب الغاضبين منه.

وقال المصدر إنه من المفترض أن يطلب حفتر الذهاب إلى الإمارات، لكن التصريحات الإماراتية في الفترة الأخيرة تشير إلى غضب أبوظبي من اللواء المتقاعد، بسبب عدم تنفيذه التعليمات وتكبيدها خسائر فادحة في المعدات، وبالتالي يمكن أن تكون الإقامة في بلد آخر.

وقال المصدر إنّ الكتلة الأوروبية متحمسة للخطة، وإنّ الجانب التركي وافق على المقترح من حيث المبدأ لكنه تحفّظ على وجود قوات فرنسية، مضيفاً أنّ روسيا لا تزال تراوغ للحصول على مكاسب أكبر. وأكد المصدر نشْر روسيا معدات عسكرية في ليبيا، وهي المعدات التي كانت رصدتها القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم"، وقالت إنّ بحوزتها أدلة وصوراً جديدة على أن روسيا من خلال مجموعة "فاغنر"، تواصل نشر معدات عسكرية في الخطوط الأمامية لسرت.

وعن موقف مصر من الخطة الأميركية، قال المصدر إنّ مجرد تعهد قوات حكومة الوفاق بعدم تجاوز خط سرت، هو مكسب لمصر، ولذا فإنّ القاهرة وافقت على الخطة، لكنها تحاول تعظيم مكاسبها مثل ضمان الحصول على النفط بأسعار تفضيلية، والحفاظ على 750 ألف عامل مصري متواجدين في ليبيا.

واعتبر المصدر أنّ تركيا، التي جاءت لإنقاذ حكومة الوفاق وصدّ هجوم مليشيات حفتر على طرابلس، هي "أكبر المنتصرين" حتى الآن، لأنّ حكومة الوفاق المدعومة من أنقرة هي المسيطرة بقوة على غرب ليبيا وهي تأمل في السيطرة على "الهلال النفطي" الاستراتيجي، لكن موافقة تركيا على التنازل عن السيطرة على حقول النفط لصالح قوات أوروبية مشتركة يعتبر خسارة لها. أما إذا تمكنت قوات الوفاق من السيطرة على الهلال النفطي، فستتمكن أنقرة من جني مكاسب جيوسياسية.


لم يجد حفتر أمامه غير الموافقة على الخطة الأميركية، بشرط توفير خروج آمن له إلى خارج البلاد

وعن مدى إمكانية السير بخطة واشنطن التي اكتفت بدور المراقب لفترة طويلة، قال المصدر إنّ هذه الخطة تقف الآن في مهب الريح أمام المصالح المتضاربة والعلاقات المتشابكة للقوى الإقليمية والدولية المتحكمة في الصراع الليبي.

وعلى الرغم من التدخل الفرنسي الواضح في الصراع الليبي، حثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، في بيان مشترك، الأسبوع الماضي، "جميع الجهات الأجنبية على وقف تدخلها واحترام حظر الأسلحة المفروض على ليبيا من قبل مجلس الأمن الدولي".

وقسمت الحرب الأهلية الليبية المستعصية الدولة الغنية بالنفط في شمال أفريقيا والتي تتحكم بها مجموعة متنوعة من الجهات الخارجية، من تركيا إلى الإمارات العربية المتحدة وفرنسا ومصر. وعلى الأرض، تضم المعركة الآلاف من المرتزقة السودانيين والروس والسوريين، فيما تنشر الدول المذكورة في الأجواء الليبية عدداً كبيراً من الطائرات من دون طيار والطائرات المقاتلة.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس من أن "التدخل الأجنبي في ليبيا وصل إلى مستويات غير مسبوقة"، وحذر مسؤولو الأمم المتحدة من أنّ نحو 125 ألف مدني ما زالوا في خطر.

المساهمون