في كتابهِ "فن الشعر"، وضع أرسطو التنظير الأقدم لكيفيّة سرد الحكاية، مقسماً إياها إلى "بداية – وسط – نهاية". وهو تقسيمُ الفصول الذي استخدم بعد ذلك في كتب علم السيناريو، وصارَ مرجعاً يتمُّ تطويره في تحليل أيّ قصة. لهذا السبب، فإنَّ مخرجي وكتاب السينما، حين بدأوا في استخدام الأجزاء الثانية (منذ الستينيات فقط)، كانت "الثلاثية" هي الشكل الأفضل.
جزءٌ أوَّل، يتمُّ فيه تأسيس العالم والشخصية. وجزء ثان، تتطور فيه الأحداث إلى نقطة الذروة، قبل الوصول لختام الملحمة (وغالباً ما تكون الثلاثيات ملحمية). في الألفيّة الجديدة، صنع السينمائيّون العديد من الثلاثيات السينمائيّة، بعضها لمجرد استغلال النجاح التجاري، والبعض الآخر كان خياراً أصيلاً للكاتب والمخرج منذ البداية. ومع وصول ثلاثية "كوكب القرود" الحديثة، إلى نهايتها في هذا الصيف، انضمّت إلى قائمة أفضل الثلاثيات التي صُنعَت في الألفية، والتي نستعرضها في هذا التقرير، مرتبة نحو الأفضل.
Spider-Man للمخرج سام ريمي
هناك مشكلة في تلك الثلاثية التي ظهرت أعوام 2002 و2004 و2007، وهو أن جزءها الأخير لم يكن على المستوى نفسه الذي بدأت به، ووصلت المشكلة لذروتها في الجزء الثاني. ولكن رغم ذلك، فإن "الرجل العنكبوت" في نسخة المخرج سام ريمي، له فضل أساسي في تطوير المنظور السينمائي للتعامل مع القصص المصورة والأبطال الخارقين، وأخذها في بعدٍ آخر أكثر حقيقية وإنسانية، لا يتعلق فقط بمغامرات "الرجل العنكبوت"، ولكن يهتم، بصورة مساوية، بنسخته البشرية "بيتر باركر". وهو مهد فنياً لنسخ أخرى أكثر تعقيداً وسوداوية من الأبطال الخارقين، وعلى رأسها "باتمان" في نسخة نولان. تجارياً، كان نجاح الفيلم باباً لتعود أفلام القصص المصورة إلى الواجهة، وتحقق نجاحات متوالية خلال الـ15 عاماً الأخيرة.
The Gir للكاتب ستيج لارسون
حققت رواية "الفتاة ذات وشم التنين" نجاحاً كبيراً حين طرحها الروائي السويدي ستيج لارسون، عام 2005، وهو ما تكرر مع روايتيه التاليتين "الفتاة التي لعبت بالنار" و"الفتاة التي ركلت عش الزنابير"، المنشورتين عامي 2006 و2007، لتنال الثلاثية شهرة عالمية فائقة، وتسمى "ثلاثية الألفية"، ما أتاح الفرصة لإنتاجها سينمائياً بطريقة مختلفة. ثلاثة أفلام يقوم بإخراجها ثلاثة مخرجين مختلفين من دول إسكندنافيا، ليطرحوها عام 2009. وكانت النتيجة رائعة جداً، بثلاثية مختلفة ومتينة. تم اقتباس الجزء الأول بعد ذلك في فيلم أميركي للمخرج ديفيد فينشر، عام 2011.
Planet of the Apes للمخرجين روبرت وايت ومات فيليبس
الجميل في تلك الثلاثية (2011 و2014 و2017) هو أخذها لفكرة اقتبستها السينما كثيراً منذ ستينيات القرن الماضي، والتعامل معها بمعالجة مختلفة أكثر جدية. وبدلاً من المفارقة لكونِ القرود هم من يحكمون الكوكب في المستقبل بسبب خلل تطوري، فإن الثلاثية الجديدة تبدأ من الحاضر. وتحاول تأسيس الكيفية التي جرى فيها هذا الخلل الذي أدى لفناء البشر، وزيادة ذكاء القرود. ومن خلال بداية رائعة (تعمل على الجانب البشري من شخصية القرد سيزار) ومنتصف قوي (حيث بداية الصدام بين القردة والبشر) وصولاً لخاتمة "الحرب من أجل كوكب القرود" الذي عرض قبل أسابيع، وكان من أكثر أفلام صيف 2017 مديحاً، ينغلق قوس الثلاثية بتماسك، محتفظة بنجاح وقوة وشهرة متصاعدة.
The Dark Knight للمخرج كريستوفر نولان
لم يتخيّل أكثر المتفائلين بتلك الثلاثية (2005 و2008 و2012 )، أن تصل إلى هذا القدر من النجاح والاستثنائية. بدأت بهدوء عام 2005 مع Batman Begins الذي وضع فيه "نولان" بصمة مختلفة، أكثر سوداوية وواقعية من أي عمل "أبطال خارقين" آخر، وجعل بروس واين، هو من يجذب اهتمام المشاهد بصورة كاملة، قبل أن يصل إلى الذروة عام 2008 مع فيلم The Dark Knight، والذي امتلك واحداً من أكثر الأشرار ذكاء ورعباً وجاذبية في تاريخ السينما (الجوكر بأداء هيث ليدجر)، وكذلك مجموعة من الحوارات والمشاهد الأيقونية الخالدة. ورغم الترنح النسبي في الجزء الثالث Dark Knight Rises، إلا أن ذلك كان بسبب المقارنة مع الثاني، وليس ضعفاً حقيقياً في الفيلم نفسه. لتكون النتيجة ثلاثية عظيمة ومؤثرة جداً في تاريخ السينما، وجعلت من مخرجها صانع الأفلام الأشهر والأنجح في العالم اليوم.
The Lord of the Rings للمخرج بيتر جاكسون
منذ صدور ثلاثية جي.آر توكين التي أسّست لنوعٍ مُختلف في أدب الفانتازيا والخيال، بصورة لم يسبقها إليه أي عمل آخر، حاول العديد من صُنّاع الأفلام التصدي لها، من بينهم ستانلي كوبريك نفسه، قبل أن تنال الثلاثيّة (2001 و2002 و2003) أفضل فرصة محتملة لإنتاجها بعد 40 عاماً على يد المخرج بيتر جاكسون، والذي خلق الأراضي الوسطى كأنها عالم حقيقي مواز. قام بتصوير الثلاثية كلها في وقتٍ واحد، ومن خلال مهمة شاقة امتدّت لـ274 يوماً، وعرض بالتوالي على مدار 3 أعوام في مطلع الألفية، مُحقّقاً نجاحاً متصاعداً، من "رفقة الخاتم" و"البرجان"، قبل أن يصل لقمته في ختام الثلاثية "عودة الملك"، وهو الفيلم الذي تجاوزت إيراداته المليار دولار.