أغاني رمضان: دندنات من أزقة مصر القديمة

22 مايو 2018
أغانٍ أصبحت جزءاً من الذاكرة (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
هلّت علينا ليالي رمضان، وبدأت القنوات التلفزيونية تذيع أغانيه. اختفت أغلب أجواء رمضان الاجتماعية، لكن تبقى الأغاني هي الوسيلة الوحيدة للدخول إلى أجواء الشهر القديمة. رغم وجود أغانٍ كثيرة معاصرة عن رمضان، إلا أن الأغاني القديمة حافظت على مكانتها الدائمة حتى الآن، وانتقل أغلبها إلى منطقة التراث، خصوصاً مع اقتراب عمر الأغنية الأم، "وحوي يا وحوي" من 90 عاماً. افتقرت الأغنية الحديثة المعاصرة إلى الخصوصية، وسقطت في محاولة إنتاج أغانٍ بطعم الماضي كتعبير عن الأصالة ولضمان النجاح. لذلك من نهاية السبعينيات تقريباً، لم تلق أغنية رمضانية أي نجاح خارج حدود فترة إنتاجها. 

عند النظر إلى الأغاني الأكثر شهرة وارتباطها بشهر رمضان، نجد أغنية "وحوي يا وحوي"، التي قدمها أحمد عبد القادر في بداية الثلاثينيات على أسطوانة، وتم بثّها في الإذاعات الأهلية في تلك الفترة. الأغنية مستوحاة من الفلكلور المصري، كانت أغنية غزلية، ستجد جزءاً من النسخة الفلكلورية في اسكتش رمضان لفرقة ثلاثي أضواء المسرح، والأغنية لحن أحمد شريف وكلمات حسين حلمي المانسترلي، وهما من قدّما أيضاً أغنية على الشكل الفلكلوري للكلمات مع المطربة عزيزة حلمي، وهي طقطوقة "وحوي يا وحوي" عام 1927.

الأغنية الأشهر، هي "رمضان جانا"، لمطربها محمد عبد المطلب، والتي كانت أغنية أحمد عبد القادر أيضاً، لكن رفضت الإذاعة وقتها، وتم تحويل الأغنية إلى عبد المطلب. كذلك تحضر، بدرجة أقل، أغنية محمد قنديل؛ "والله بعوده يا رمضان"، وفي نهاية الشهر نجد أغنية "والله لسه بدري" لشريفة فاضل، وهي الأغنية الوحيدة، غالباً، لوادع الشهر، وجرى تنفيذها بأمر من الإذاعة، وتحديداً محمد حسن الشجاعي، الذي طلب من عبد العظيم محمد تلحين الأغنية سريعاً، حتى تعرض قبل نهاية رمضان بأربعة أيام، عام 1961.




كانت هذه الأغاني هي الأشهر والأكثر ارتباطاً بشهر رمضان من الناحية الدينية، ونجحت عندما حوّلت الحالة الدينية لرمضان إلى حالة عاطفية مرتبطة بالزمن، رغم تقديم العشرات من الأغاني الدينية المرتبطة برمضان، لكن ظلت ثلاث، أو أربع أغاني معروفةً ومتداولةً في الإعلام، أو في ذاكرتنا الموسيقية. هكذا، خرجت الأغنية الرمضانية من حيز الأغنية الدينية، وبدأ الشهر الكريم يتحول تدريجيا إلى مناسبة اجتماعية، بداية من التعامل معها على أنها مناسبة طفولية، واقترانها بالفانوس، لنجد محمد فوزي يغني "هاتوا الفوانيس يا ولاد"، وشقيقته هدى سلطان في أغنية "شوفوا رمضان"، و"وحوي يا وحوي" بنسخة هيام يونس. وأغاني الثلاثي المرح.

للإذاعة والتلفزيون المصريين دورٌ مهم في تقديم وتأكيد المساحة الاجتماعية في شهر رمضان، من خلال الأوبريتات الإذاعية والصور الغنائية، التي حاولت نقل أجواء الحارة المصرية في هذا الشهر الفضيل، وكذلك العادات المصرية في تلك الأوقات؛ إذ شارك أغلب المطربين في أداء تلك الأغاني، مثل شفيق جلال وشكوكو وثريا حلمى وإسماعيل ياسين وسعاد محمد، وبدأ التلفزيون ببث اسكتشات مصورة عن رمضان، في أشكال مختلفة، مثل الاستعراضات، كـ "أفراح رمضان" لمحمد عبد المطلب والطفلة صفاء أبو السعود، أو "الراجل ده هيجنني" لصباح وفؤاد المهندس، والتي بدأت معها أغاني رمضان تتضمن رسائل سياسية واجتماعية، بجانب عرض تمثيلي. وبعدها، قدم فؤاد المهندس أيضاً، وهذه المرة بصحبة شويكار، "الصيام مش كده"، والتي كانت رسالة عن فكرة علاقة الطعام برمضان. وبالطبع كان حضور الثنائي المهندس وشويكار في عمل واحد بكل ما يحمله الثنائي من كاريزما وقبول عند الجمهور، مميزاً. نجاح أغاني الشهر، ولو في وقتها فقط، منح صنّاع الأغاني فرصة لتضمينها رسائل سياسية ووطنية، مثل أغنية صباح "حالو يا حالو" من كلمات حسين السيد وألحان محمد الموجي.

الفلكلور دائما هو المحرك الرئيسي في الفن، وهنا في الأغاني، وتحديداً أغاني رمضان، نجد الفلكلور حاضراً دائماً في كلمات بسيطة وربما غير معلومة المعنى بشكل دقيق، كلمات مثل "وحوي يا وحوي"، و"حالو يا حالو"، وهي كلمات يرجع أصلها إلى العصر الفرعوني. مع المونولوج الفكاهي والنقدي، ظهر لنا إسماعيل ياسين ومونولوج خيرات رمضان، و"المغرب لسه عليه ساعتين" لثريا حلمي، لكن يبقى مونولوج محمود شكوكو "وحوي يا وحوي" هو الأهم والأجمل في تقديم شكل جديد للأغنية العاطفية؛ أي أغنية عاطفية من أجواء رمضان. استطاع هنا شكوكو، بصحبة الرفيقين الأهم في مسيرته، فتحي قورة ومحمود الشريف، التعبير عن الدمج الواضح والمستمر بين رمضان كمناسبة دينية ورمضان كمناسبة اجتماعية مصرية؛ إذ استطاع فتحي قورة أن يخلق أغنية عاطفية شعبية من أجواء المونولوج الفكاهي، وأيضاً تحمل كل أجواء رمضان الاجتماعية. أما محمود الشريف، فيقدم بمهارة الصانع لحناً يحمل أجواء رمضان والمونولوج، وبالطبع أداء شكوكو أضاف الكثير للأغنية. تم إعادة نشر الأغنية في مسلسل "أفراح القبة" عام 2016.


هكذا، نجد أنفسنا أمام أغانٍ نجحت وأصبحت تحمل ذاكرة تاريخية وشخصية لكل مستمع. ومع الثمانينيات حتى الآن، عرفنا أغاني رمضانية كثيرة، لكن لم توجد أغنية استطاعت تحقيق نجاح أبعد من نجاح سنة إنتاجها، أغانٍ اقتربت أكثر من الإعلانات، فقط صالحة للاستخدام سنة واحدة، أو لشهر واحد، بينما ننتظر حتى السنة القادمة لنستمع إلى أغنية/إعلان جديد، جرت الأغاني وراء تقليد الأغاني القديمة، المشي وراء خطاها من أجل اكتساب النجاح، لم يحاول أحد خلق أغنية رمضانية معاصرة. ربما كانت الإعلانات أكثر معاصرة من الأغاني في تلك الفترة، خصوصاً في السنوات الأخيرة. مع نهاية السبعينيات انتهت الأغنية الرمضانية، مكتفين بما قدم السابقون.



دلالات
المساهمون