أعياد في بيت العائلة

15 يونيو 2018
حلمي التوني/ مصر
+ الخط -

مع مجيء الأعياد يتجدّد الحنين والحب، ونحن نعود إلى جذور تمتدّ إلى أيام خوال؛ أيام الطفولة والشباب والمرح والسخرية والتفكّه، زمن عشناه بكل جوارحنا وببراح وخيالات واسعة، قبل أن نترك حياتنا للعقل والتجربة. كان العالم وكأنه لنا وحدنا ولأحلامنا. العيد رجوع إلى من عشتُ معهم ومعهنّ تلك اللحظات، وأتذكر معها حماقات كثيرة.

أقضي أيام الأعياد بين زيارة الأهل الذين تفرّقوا بمختلف الطرق، لكنهم يعودون للتجمعّ في بيت العائلة كواجب مقدّس، وتناول طعام مشترك مرة أخرى وكأننا لم نفارقه. لا بد أن نعود ونقول لبعضنا: كل سنة وانت طيب كل سنة.. وانت طيبة يا هدى.. ونقهر إحساس مرور العمر الذي مر كالماء المسكوب.

ها قد عدنا يا بيت العائلة، "ولا يهمك ما حدث شيء". يا له من اسم رائع ومحتوى دفين وعميق وكأنه من أسرار الكون رغم مرور سنوات العمر ورحيل البعض سواء سفراً أو عبر مسالك أخرى، فتصبح الأعياد سبيل العودة إلى وطني الصغير الذي انبثقت منه روحي ثم هامت بعد ذلك.

بيت العائلة خالد وقاس. باق مهما هجرتُه. ينتظرني حتى لو رحلت عنه أبداً. هو شاهد على كل ذكرياتي وحياتي الماضية. كل مرة تبدأ منه نقطة سفري إلى مدينة بني سويف وحتى أنتهي منه وأعود إلى مكان اقامتي. أدعو دوماً بأمنية خالصة ألا يحرمني شيء من العودة له، والاستمتاع برؤية الأهل والأصحاب القدامى والجيران والشوارع والبيوت والمحلات وكل شيء مررت به، والتسامر والحكي نهاراً وليلاً طوال أيام العيد.

وقد أهجع للنوم سويعات قليلة فيأتي على خاطري أناس، وربما آتي على خاطر آخرين أو خاطرهنّ. أعود إلى حجرتي في بيت العائلة، وهي مرتبة بحسب النظام الذي وضعته أمي، وكأنني لم أتركها ولا زالت بها كل أغراضي الشخصية من ملابس وكتب وأوراق خاصة، وأباجورتي المشكلة عل هيئة قطة على الكمودينو وقد أهدتها لي إحدى أعزّ صديقاتي، وقد تحوّلت الأباجورة إلى رفيقة عندما تنطفئ كل الأنوار فتظل هي ساهرة معي للقراءة أو في فسحات مع ذكرياتي القديمة إذ تثيرها صور صغيرة لأمي وأنا أخواتي وآخرين منثورة أسفل زجاج الكمودينو.

قوة المكان تكمن أيضاً في استقباله زائرين جدد من أطفال سينتمون إلى صور العائلة ويجدّدون ملأها زهواً وفرحاً، يضحكون وكأنهم يهتفون ببراءة: "ها قد انضممنا إلى مقتنيات بيت العائلة، وصرنا جزءاً منك يا بيت العائلة".


* كاتبة من مصر

المساهمون