أعراف غائبة

25 يونيو 2014
+ الخط -

انبطاح واعتذار، خنوع واستسلام، إسرائيل لتركيا: نحن نعتذر، نصبنا فخ الذل لتركيا فوقعنا فيه. هذه، لمن يذكر، عناوين في صحف عبرية يوم الخميس 14 يناير/كانون الثاني 2010. صدرت هذه الموجة من العناوين، بعد ساعات من إرسال نائب وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، داني أيالون، مرغماً، رسالة اعتذار رسمية إلى السفير التركي في تل أبيب، عما بدر منه من إهانة. فقد تعمد أيالون إهانة السفير التركي في استقباله له في مكتبه في الكنيست الإسرائيلي. وكان استدعاء السفير التركي، بهدف الاحتجاج على مسلسل تركي تلفزيوني يدعى وادي الذئاب يُظهر عناصر المخابرات الإسرائيلية على أنهم خاطفو أطفال. وقد أجلس أيالون السفير التركي على كرسي أكثر انخفاضا من كرسيه، وأمر وسائل الإعلام بتصويره ونشر الصور.

قبل الاعتذار الرسمي، حاول الرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريز، التقليل من أهمية الأزمة مع تركيا، والتي سببتها وزارة الخارجية الإسرائيلية، مشيراً إلى أنه خطأ فرد واحد، وليس خطأ دولة، في انتقاد ضمني لأداء نائب وزير الخارجية. لكن، أمام إنذار شديد اللهجة، على لسان الرئيس التركي، عبد الله جول، الذي صرح لوسائل الإعلام: "إن لم تعتذر إسرائيل مساء الأربعاء، فسيعود سفيرنا إلى أنقرة صباح الخميس".

قبل ذلك بسنوات، في السابع والعشرين من مايو/أيار 1996، وبعد حرب دامت 17 شهراً، وفي ظل عمليات حربية روسية مكثفة على الأراضي الشيشانية، تم عقد لقاء قمة، في موسكو، بين الرئيس الروسي آنذاك، بوريس يلتسين، والزعيم الشيشاني، سليم خان باندارييف الذي كان يتزعم قيادة المقاومة الشيشانية المطالبة بانفصال الجمهورية القوقازية.

عندما دخل القائد الشيشاني إلى القاعة، المزمع فيها عقد اللقاء، رفض وجود يلتسين على رأس الطاولة، وأصر على أن يجلس في كرسي مواجه له في أثناء الاجتماع، واستمر النقاش دقائق، أبى فيها القائد الشيشاني أن يجلس، أو أن تبدأ المفاوضات قبل أن يغير مضيفه مكانه الذي جلس فيه أولاً، وبعد إصرار من القائد الشيشاني، استجاب الرئيس الروسي، وغير مقعده وجلس في مواجهته.

ما نرمي إلى قوله إنه حين يكون القائد معبراً عن إرادة شعبه، قادماً بالانتخاب الحر، فإنه يتعامل بعزة وكرامة مع دول العالم أجمع، ويعاملونه بعزة وكرامة.... العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، كان عائداً من رحلته في المغرب، فهبط بطائرته على أرض مصر، واستدعى الجنرال عبد الفتاح السيسي للصعود إلى متن طائرته الخاصة، فأصبح السيسي في ضيافة الملك السعودي، لكن، على أرض مصرية. هرع السيسي إلى تقبيل رأس الملك، والمبالغة في شكره والاحتفاء به، ثم أجلسه الملك على كرسي مقابل لمستشاريه ووزرائه، وليس بجانبه، كما جرت العادة مع الرؤساء والحكام، ولم تستمر الزيارة أكثر من ثلاثين دقيقة، وانتشرت الصور المهينة للسيسي في صحف العالم وفضائياته. لم تكن الزيارة، إذاً، من حاكم دولة إلى حاكم دولة أخرى، بل استدعاء من حاكم دولة لجنرال عسكري يعمل لديه، يخدمه وينفذ تعليماته.