نرغب في حماية صغارنا ونفعل كلّ ما بوسعنا لتحقيق ذلك، فنجد أنفسنا في النهاية وقد منعناهم من أن يكبروا. من هنا، لا بدّ لنا من أن ندرك ضرورة "إطلاق سراحهم"، بحسب ما يؤكّد الطبيب الفرنسيّ المتخصّص في الأمراض النفسيّة والعقليّة كزافييه بومورو في مجلّة "بسيكولوجي" الفرنسيّة المتخصصة في علم النفس.
يحذّر بومورو من تناقض في علاقتنا بأبنائنا. من جهة، نبالغ في احتضانهم، ونلبّي أصغر رغبة لديهم، ونكثر من النصائح، ونصرّ على معرفة تفاصيل حياتهم الخاصة، ونحرص على البقاء معهم في اتصال دائم... أمّا من الجهة الأخرى، وفي مفارقة لافتة، ندعهم وشأنهم ونغضّ الطرف عنهم عندما يغوصون في عالم الإنترنت أو عندما يغيبون عن المنزل في المساء ويكونون عرضة لمخاطر عدّة بينما يحاولون اكتشاف "الحياة الحقيقيّة" مع أصدقاء لهم.
ويؤكّد بومورو أنّ حبّنا يخنق صغارنا بدلاً من حمايتهم، موضحاً أنّ المطلوب هو الثقة بهم ودعمهم وتكليفهم بمهام بحسب قدراتهم، بالإضافة إلى التعبير عن فخرنا بهم كلّما اجتازوا مرحلة ما. كذلك، من المفيد التحدّث عن "التجاوزات" التي ارتكبناها عندما كنّا في مثل سنّهم. فالحياة نتعلّمها من خلال الاختبارات والأخطاء وتشارك التجارب الفاشلة والناجحة على حدّ سواء. دورنا يقتضي السماح لأطفالنا بأن ينضجوا ويتطوّروا بكلّ ما للكلمة من معنى، من دون أن نعمد نحن إلى فتح أبواب أو إغلاق أخرى بدلاً منهم.
ويتحدّث بومورو عن أهميّة اختبار المجازفة، إذ إنّها تسمح لصغارنا بتكوين ثقة بأنفسهم وبقدراتهم لحلّ المشكلات وتخطّي الصعوبات. كيف يتصرّفون لاحقاً في حال واجهوا مشكلة ما، إذا لم يُتح لهم مجال مواجهة ما يشبهها في السابق؟ لا حياة من دون مخاطر، ولا بدّ لنا كبالغين من التعامل مع قلقنا ومخاوفنا. عندما أتينا بأطفالنا إلى هذا العالم، فإنّنا بطريقة أو بأخرى سلّمنا بأنّ الحوادث تقع وبأنّ الشكّ والطيش يكثران في الحياة وبأنّه لا يمكن تفادي ذلك. لكنّنا نستطيع تسليح أطفالنا - معنوياً بالتأكيد - وإرشادهم إلى الحدود.
ويشدّد بومورو على ضرورة الارتكاز على قدراتهم، وعدم إنجاز المهام بدلاً منهم، وتركهم يفشلون. أن نقلق أمر غير مهمّ هنا. فهذا جزء من اللعبة. صحيح أنّه ليس مريحاً، لكن من الذي قال إنّ الأبوّة أو الأمومة أمران مريحان؟