لا تقديرات تكشف عن عدد الأطفال الذين ينخرطون في ميادين القتال، لكنّ الظاهرة حاضرة أمام الجميع. هؤلاء الأطفال المقاتلون لا يساقون رغماً عن إرادة الحكومات والمجتمع وأسرهم. فمن لا تتولى حكومة ما تجنيده، يتولى المجتمع الأهلي عبر التنظيمات المنتشرة في مناطق سيطرته قيادته إلى الحروب. واللافت أنّ الكثير من الأسر لا تمانع ذلك، بل قد تبارك هذه "الشجاعة" التي تظهر لدى أطفالهم.
علينا هنا ألّا ننسى وسائل الإعلام التي تساهم بدورها في هذا الحشد وتتفنن في إظهار هؤلاء الأطفال، وهم يطلقون النار مبتهجين وكأنهم يذهبون في رحلة مدرسية.
الصور التي ينشرها المراسلون الصحافيون في أحياء المدن وطرقات القرى تظهر أطفالاً ليس باستطاعتهم إطلاق النار، وهم يحملون رشاشات حربية بطول قاماتهم. قد تكون بعض هذه الصور استعراضية، ولكنها غداً تتحول إلى واقعية تماماً، ما دامت الظاهرة تجد من يسهر على تغذيتها وشحنها. لا أحد في هذه اللحظة المدلهمة يفكر بالمآل الذي ينتظر هؤلاء عندما تتوقف مطحنة الحروب عن الدوران. عندها نجد في السجلات أعداداً من القتلى والجرحى والمشوهين. والأهم أنّنا نجد جيلاً بأسره، إن لم يكن كاملاً، فأقسام كبرى منه، لا تعرف أن تتدبر شؤون حياتها اليومية في أعمال مهنية، كما لا تعرف القراءة والكتابة، أي أنّ مصيرها الوقوع في حبائل الثقافة الشفاهية عبر مشعوذ يستخدم الدين مطية لتحقيق أغراضه. ومثل هؤلاء متوافرون بكثرة، والحمد لله، عندما باتت المؤهلات لا أكثر من حفظ أجزاء من القرآن والأحاديث النبوية وترداد اللوازم المعروفة. فيصبح سوق هذه الجموع نحو الحروب بالغ السهولة.
تجميع الحشود في زمن سيادة منوعات من الأفكار الغيبية والتجييشية، والتعوّد على حمل السلاح واستسهال استعماله تفرزه بيئة مؤاتية، بدل تعليم الفيزياء والكيمياء والجغرافيا والتاريخ والتربية الوطنية، ناهيك بالعلوم المهنية التي باتت أشد تعقيداً. ومن المعروف أنّ هناك آليات للحروب التي تشعلها سياسات لخدمة أغراضها. لكنّ آليات داخلية تجعل من استمرارها عملاً روتينياً، ما دامت ترتبط بفئات وشرائح باتت مصالحها منوطة باستمرار الحرب. وبهذا المعنى تصارع من أجل إمدادها بالوقود البشري اللازم، لا فرق إن كان هؤلاء من الصغار أو الكبار.
في لبنان، بعد أن توقفت الحروب عام 1991 تم اللجوء إلى نظرية استيعاب المليشيات في أجهزة الدولة الأمنية. وتم امتصاص أعداد كبرى من مقاتلي الحرب. أما من لم يتحقق ذلك له، فعانى الأمرّين للانتقال إلى الحياة المدنية وما زال. لكنّ السؤال: كيف تسير الأوضاع في العديد من الدول العربية؟
*أستاذ في كلية التربية – الجامعة اللبنانية
إقرأ أيضاً: مصارع الأطفال في العالم العربي
علينا هنا ألّا ننسى وسائل الإعلام التي تساهم بدورها في هذا الحشد وتتفنن في إظهار هؤلاء الأطفال، وهم يطلقون النار مبتهجين وكأنهم يذهبون في رحلة مدرسية.
الصور التي ينشرها المراسلون الصحافيون في أحياء المدن وطرقات القرى تظهر أطفالاً ليس باستطاعتهم إطلاق النار، وهم يحملون رشاشات حربية بطول قاماتهم. قد تكون بعض هذه الصور استعراضية، ولكنها غداً تتحول إلى واقعية تماماً، ما دامت الظاهرة تجد من يسهر على تغذيتها وشحنها. لا أحد في هذه اللحظة المدلهمة يفكر بالمآل الذي ينتظر هؤلاء عندما تتوقف مطحنة الحروب عن الدوران. عندها نجد في السجلات أعداداً من القتلى والجرحى والمشوهين. والأهم أنّنا نجد جيلاً بأسره، إن لم يكن كاملاً، فأقسام كبرى منه، لا تعرف أن تتدبر شؤون حياتها اليومية في أعمال مهنية، كما لا تعرف القراءة والكتابة، أي أنّ مصيرها الوقوع في حبائل الثقافة الشفاهية عبر مشعوذ يستخدم الدين مطية لتحقيق أغراضه. ومثل هؤلاء متوافرون بكثرة، والحمد لله، عندما باتت المؤهلات لا أكثر من حفظ أجزاء من القرآن والأحاديث النبوية وترداد اللوازم المعروفة. فيصبح سوق هذه الجموع نحو الحروب بالغ السهولة.
تجميع الحشود في زمن سيادة منوعات من الأفكار الغيبية والتجييشية، والتعوّد على حمل السلاح واستسهال استعماله تفرزه بيئة مؤاتية، بدل تعليم الفيزياء والكيمياء والجغرافيا والتاريخ والتربية الوطنية، ناهيك بالعلوم المهنية التي باتت أشد تعقيداً. ومن المعروف أنّ هناك آليات للحروب التي تشعلها سياسات لخدمة أغراضها. لكنّ آليات داخلية تجعل من استمرارها عملاً روتينياً، ما دامت ترتبط بفئات وشرائح باتت مصالحها منوطة باستمرار الحرب. وبهذا المعنى تصارع من أجل إمدادها بالوقود البشري اللازم، لا فرق إن كان هؤلاء من الصغار أو الكبار.
في لبنان، بعد أن توقفت الحروب عام 1991 تم اللجوء إلى نظرية استيعاب المليشيات في أجهزة الدولة الأمنية. وتم امتصاص أعداد كبرى من مقاتلي الحرب. أما من لم يتحقق ذلك له، فعانى الأمرّين للانتقال إلى الحياة المدنية وما زال. لكنّ السؤال: كيف تسير الأوضاع في العديد من الدول العربية؟
*أستاذ في كلية التربية – الجامعة اللبنانية
إقرأ أيضاً: مصارع الأطفال في العالم العربي