لم ينته الجدال بعد حول المواطنين الأوروبيين الذين يعيشون اليوم في مخيم الهول في شمال شرق سورية، خصوصاً النساء والأطفال اليتامى. لكن أخيراً، بدأت دول أوروبية تتراجع عن تعنّتها وتنقذ الصغار من المأساة
بعد سجال مستمرّ كان قد بدأ العام الماضي، عمدت دول غربية إلى سحب بعض مواطنيها من عوائل مقاتلي "داعش"، خصوصاً الأطفال اليتامى والنساء الأرامل الذين يقيمون في مخيم الهول في شمال شرق سورية، تحت إشراف كردي. ووفقاً للتقديرات الرسمية وشبه الرسمية، وتقارير لمنظمتي "هيومن رايتس ووتش" والعفو الدولية "أمنستي"، يضم الهول أكثر من 70 ألف شخص، غالبيتهم من القصّر والنساء، وبينهم مواطنون من دول غربية وأوروبية. التقارير الدولية، بما فيها تقرير لمنظمة الصحة العالمية، تتحدث عن واقع مأساوي يعيشه صغار "الهول" المكتظ بشكل كبير، وتذكر أن المخيم شهد على الأقل موت 29 طفلاً، بينهم رضّع، خلال 60 يوماً فقط.
تجربة سويدية
بعد رفض علني أبداه أكثر من بلد لاستعادة المواطنين الصغار من سورية، بدأت 11 دولة تتراجع. وبعد مواقف سويدية رسمية سلبية، اضطرّ جد سبعة أطفال يتامى من أصل سويدي ــ تشيلي، ويدعى باتريسيو غالافيز، إلى أخذ مبادرة شخصية في مايو/ أيار الماضي، برفقة صحافيين من الصحيفة السويدية "داغنس نيهيتر"، للسفر إلى المخيم وجلب الأحفاد. لكن لم يستطع اصطحابهم، بعد رفض كردي رسمي، علماً أن أصغرهم يبلغ عاماً واحداً.
وكانت ابنة باتريسيو أماندا قد اعتنقت الإسلام في سن الـ18، وتزوجت من مايكل سكرومو، وهو نرويجي نشأ في السويد، وسافرت معه إلى سورية. أطفالهما السبعة أصبحوا أيتاماً بعدما ماتت الأم في معركة الباغوز والأب في قتال سابق. وجدت السويد نفسها تحت ضغط الرأي العام المحلي، خصوصاً بعد نشر صورة الطفل محمد سكرومو وهو بين يدي جده، وقد بدا هزيلاً جداً، وبكاء الأحفاد أمام الصحيفة المرافقة طالبين من الجد اصطحابهم معه، تزامناً مع توالي تقارير لمنظمة "أنقذوا الطفولة" (سايف ذا تشيلدرن)، بضرورة تحمل الدول مسؤولياتها تجاه مواطنيها المتروكين لمصيرهم. تغير موقف السويد بفضل إصرار الجد، وعملت على "تقديم مساعدة نشطة" لاستعادة الصغار، خصوصاً أن القرار السابق لاستوكهولم قضى بأن "الحكومة لن تقدم أية مساعدة لمن يريد العودة، بل عليه القيام بذلك بنفسه"، ما أثار غضباً إعلامياً وشعبياً. وكان التساؤل: "كيف لمحمد ابن العام أن يعود إلى السويد بنفسه؟".
اقــرأ أيضاً
الصحيفة السويدية "داغنس نيهيتر" التي انتدبت اثنين من صحافييها للمتابعة، خلصت إلى أن "آلاف الأجانب الأوروبيين محتجزون في معسكر الهول كرهائن لسياسة كردية تبحث عن اعتراف سياسي بالتفاوض مع الأكراد كممثلين لكيان مستقل". وجاء الاستنتاج بعد حوار مع الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية عبد الكريم عمر، الذي رفض أن تلتقط له الصحيفة صورة في الخارج، معتبراً أنه من الأفضل أن تكون الصورة أكثر رسمية أي خلف طاولة مكتبه. ونقلت عنه أن الأكراد دفعوا ثمناً كبيراً للانتصار على تنظيم داعش. كما أشارت إلى رغبته في أن تفتح الدول قنوات رسمية مع الأكراد لمواجهة الواقع الصعب في معسكر الهول، وتحمل مسؤولية الحد من التشدد بين آلاف الآباء والأطفال. ويشير عمر إلى أن "أوروبا تلعب لعبة خطيرة بترك مواطنيها في الهول. كيف يمكننا أن نتحمل مسؤولية وقف التشدد بينهم وبين أطفالهم؟".
وبعد أيام، فتحت وزارة الخارجية السويدية خطوطاً رسميّة تتعلق بهؤلاء الأطفال، لتشكل فاتحة غربية لاستعادة دول أخرى مواطنيها أو بعضهم من المخيم. وعُدّ ذلك التواصل مفتاحاً ليعود الجد، الشهر الماضي، برفقة أحفاده السبعة، بعد ضجة رسمية وشعبية بسبب سوء أوضاع هؤلاء الصغار، وانتشار صورهم، ونقل الصحافيين بكاء الصغار وهم يرجونهم أن يعيدوهم إلى السويد. تُضاف إلى ما سبق الشهادات والتقارير عن الأوضاع المزرية التي يعيشها من يقيم في الهول، ويقدّر عددهم بنحو 73 ألفاً، من بينهم 4 آلاف امرأة و8 آلاف قاصر وطفل من أصول غربية.
النرويج والدنمارك تلحقان بالسويد
تشير تقارير لمنظّمتي "أنقذوا الطفولة" و"الصحة العالمية" إلى ارتفاع نسبة انتشار "بي تي أس دي" (اضطراب ما بعد الصدمة)، بين المقيمين في الهول، مع الإشارة إلى أن القضية لا تتعلق "بمخيم للاجئين". كما أن بعض الأقسام تعد سجناً مغلقاً بالنسبة للصغار والكبار. وكانت أوسلو ترفض استقبال مواطنيها في الهول. لكن التقارير والضغط الداخلي أجبر رئيسة الوزراء إيرنا سلوبيرغ، في 23 إبريل/ نيسان الماضي، على ترك الباب مفتوحاً أمام التواصل مع الأكراد لاستعادة الأطفال على الأقل. أحد تقارير منظمة "أنقذوا الطفولة"، الصادر في مايو/ أيار الماضي، إضافة إلى تقريرين لجهازي الاستخبارات النرويجي والدنماركي حول تزايد أعداد المحتجزين في الهول إلى أكثر من 73 ألفاً، كشفت أن عدم الاهتمام قد يعرض هؤلاء الأوروبيين إلى مخاطر كثيرة، خصوصاً لناحية تفكيرهم بخذلان مجتمعاتهم لهم.
وفي 23 يونيو/ حزيران، أعلنت أوسلو أنها ستتجه لاستعادة خمسة أطفال من مخيم الهول. ويأتي الموقف الجديد بسبب "الخوف من التقييم الأمني والقلق على مستقبل هؤلاء الصغار". وفي كوبنهاغن، أعلن في 24 يونيو عن تغير جذري في الموقف من إحضار قاصر دنماركي في الثالثة عشرة من عمره والمصاب بجراح أدت إلى إصابته بالشلل، وهي المرة الأولى التي تساهم فيها كوبنهاغن باستعادة أحد مواطنيها من سورية. وتنضمّ الدول الإسكندنافية إلى نحو 11 دولة غربية بدأ مسؤولوها بمراجعة مواقفهم الرافضة سابقاً لاستعادة مواطنيها من مخيم الهول وسجون كردية. ويجري التركيز على النساء الأرامل والأطفال اليتامى، على الرغم من المخاوف بسبب "عدم معرفة مصير آباء هؤلاء، الذين يمكن أن يظهروا فجأة ويطلبوا الالتحاق بأبنائهم"، كما جرى التبرير في الرفض السابق في كل من السويد والدنمارك. وعلى الرغم من الانتقادات التي توجه بشكل مبطن للأكراد السوريين، خصوصاً "دائرة العلاقات الخارجية"، اضطر عدد من الدول إلى التواصل معها بهدف إطلاق المحتجزين الأوروبيين ممن يطلق عليهم "أطفال ونساء داعش" في مخيم الهول.
وفي 23 من الشهر الجاري، أكدت وزارة الخارجية الدنماركية أن الطفل المصاب "أصبح الآن تحت مسؤولية السلطات الدنماركية بعد لقاء مع الطرف الكردي، وهو واحد من بين 13 طفلاً دنماركياً عدا النساء والرجال المفقودين". وكان الطرف الكردي قد عرض اللقاء مع موفد الخارجية على شاشة التلفزيون، وكأنّه "لقاء بين وفد دنماركي مع العلاقات الخارجية (الكردية)". الأمر نفسه ينسحب على كل موظف رسمي أوروبي يحاول إخراج أطفال بلده من الهول، لتنشر اللقاءات وكأن ذلك اعتراف رسمي بكردستان سورية.
وإلى جانب الدول الإسكندنافية التي باتت مواقفها أكثر ليونة، بدأت أستراليا أيضاً بإخراج بعض أطفالها من الهول. أوروبياً، لحقت ألمانيا بالموقف الفرنسي الجديد المتعلق باستعادة مواطنيها من سورية، بعد فترة من الرفض القاطع وتمني موتهم على لسان رسميين فرنسيين. ووفقاً لصحيفة "سوددويتشه زايتونغ" ومحطتي NDR وWDR، تفاوضت برلين لفترة طويلة لوضع مخطط لإجلاء أبناء الذين التحقوا بداعش والحركات الجهادية من الهول. وعلى الرغم من السرية وحساسية الموقف الألماني السابق من قضية مواطنيها الداعشيين، كشف النقاب عن جلب فتاتين ألمانيتين يتيمتين وتسليمهما للجد والجدة في ألمانيا. وتشير بعض التقارير المرافقة إلى بدء دول أوروبية وغير أوروبية باستعادة مواطنيها، خصوصاً الأطفال والنساء، وإلى أن "فظائع تجري في مخيم الهول يسكت عنها الآن خوفاً على حياة المحتجزين داخله".
أطفال بريئون
خلال حملته للضغط على حكومة استوكهولم لاستعادة أحفاده من الهول، ظل الجد التشيلي ــ السويدي باتريسيو غالافيز، يردّد أن "هؤلاء الصغار والقصر لا ذنب لهم في ما اختاره أهلهم". وهذا ما ردده حقوقيون وصحافيون بعد أشهر من عناد وإصرار السياسيين على رفض العمل لاستعادة مواطنيهم الصغار من مخيم مغلق. ويجد أقارب المحتجزين صعوبة بلقاء أقاربهم وأحفادهم من دون موافقة ومساومة من الحركة الكردية المسيطرة على الهول. وبشكل عام، جاء الطلب الأميركي قبل نحو 4 أشهر ليقوم حلفاء واشنطن باستعادة مواطنيهم الصغار والكبار المعتقلين لدى الأكراد، والذين يطالبون رسمياً بـ"إنشاء محاكم دولية في كردستان سورية لمحاكمة أعضاء داعش"، ليحرك الملف في دول أوروبية شمالية. ويرى كثيرون أن الأميركيين أرادوا ما يشبه انفتاحاً على القوات الكردية في المنطقة ومساعدتها بعدما أصبحت غير قادرة على تحمل مسؤولية عشرات آلاف الموقوفين لوحدها.
دول بدأت العمل
في بداية الشهر الجاري، استعادت الولايات المتحدة امرأتين وستة أطفال من الأكراد. خطوة تأتي بعد عام على نقلها أعضاء من داعش لمحاكمتهم في أميركا، إضافة إلى نقل سيدة وأربعة من أطفالها في يوليو/ تموز 2018. وخلال الأيام الماضية، أحضرت النرويج 5 من الأطفال النرويجيين اليتامى، بعد مباحثات مع السلطات الكردية. وفي 12 يونيو/ حزيران الجاري، أحضرت السلطات الفرنسية عشرة قصَّر يتامى، كما أخرجت قاصرين هولنديين، لينضم هؤلاء إلى 5 أطفال فرنسيين أخرجتهم باريس في مارس/ آذار الماضي. وكان الموقف الفرنسي السابق في ما خص البالغين الذين انضموا إلى داعش، ويحملون جوازات فرنسية، يفيد بوجوب محاكمتهم على ما ارتكبوه من جرائم. وكانت محاكم عراقية قد بدأت منذ مايو/ أيار الماضي، بإصدار أحكام بإعدام مواطنين فرنسيين انضموا إلى داعش. وفي الرابع عشر من الشهر الجاري، استلمت بلجيكا 6 من الأطفال الذين فقدوا آباءهم في صفوف داعش، وأمنت وصولهم إلى بلدهم، بعد تراجع عن مواقف سابقة بمساعدة الصغار والكبار على العودة إلى بلجيكا. أما ألمانيا، وعلى الرغم من قيامها بخطوة لاستعادة بعض القصر حديثاً، فقد قال متحدث باسم وزارة الخارجية في إبريل/ نيسان الماضي، إن "أعداد القصر الذين جرت استعادتهم وصل إلى أكثر من 10"، وما زال هناك عدد كبير من الألمان في الهول.
وفي بريطانيا، خلق الموقف السلبي لحكومة لندن، الرافض لمساعدة القصر والأطفال على العودة إلى بلدهم، سجالاً كبيراً خلال الفترة الماضية. وأدى الجدال الذي خلقته قصة موت رضيع لم يتجاوز 3 أسابيع في الهول إلى ضغوط على الرسميين البريطانيين، الذين أكدوا في إبريل/ نيسان الماضي أن "عدداً قليلاً من القصر غادروا خلال الأشهر الـ12 الماضية الأراضي السورية باتجاه بريطانيا"، من دون أن تعلن الجهة التي قدمت لهم المساعدة. ويبدو أن هؤلاء القصر يعيشون خارج الهول، باعتبار أن المخيم محروس ويمنع مغادرته من المقيمين فيه.
وكانت موسكو قد سبقت الجميع منذ 2017 باستعادة مواطنيها "الداعشيين". وفي فبراير/ شباط الماضي، وبتنسيق مع الأكراد، رحلت نحو 200 امرأة وطفل من سورية، وحوالي 27 طفلاً ما بين 4 و13 عاماً من العراق إلى موسكو. وتقدر أعداد من غادروا روسيا إلى سورية منذ 2012 و2013 بنحو 4 آلاف شخص.
تجربة سويدية
بعد رفض علني أبداه أكثر من بلد لاستعادة المواطنين الصغار من سورية، بدأت 11 دولة تتراجع. وبعد مواقف سويدية رسمية سلبية، اضطرّ جد سبعة أطفال يتامى من أصل سويدي ــ تشيلي، ويدعى باتريسيو غالافيز، إلى أخذ مبادرة شخصية في مايو/ أيار الماضي، برفقة صحافيين من الصحيفة السويدية "داغنس نيهيتر"، للسفر إلى المخيم وجلب الأحفاد. لكن لم يستطع اصطحابهم، بعد رفض كردي رسمي، علماً أن أصغرهم يبلغ عاماً واحداً.
وكانت ابنة باتريسيو أماندا قد اعتنقت الإسلام في سن الـ18، وتزوجت من مايكل سكرومو، وهو نرويجي نشأ في السويد، وسافرت معه إلى سورية. أطفالهما السبعة أصبحوا أيتاماً بعدما ماتت الأم في معركة الباغوز والأب في قتال سابق. وجدت السويد نفسها تحت ضغط الرأي العام المحلي، خصوصاً بعد نشر صورة الطفل محمد سكرومو وهو بين يدي جده، وقد بدا هزيلاً جداً، وبكاء الأحفاد أمام الصحيفة المرافقة طالبين من الجد اصطحابهم معه، تزامناً مع توالي تقارير لمنظمة "أنقذوا الطفولة" (سايف ذا تشيلدرن)، بضرورة تحمل الدول مسؤولياتها تجاه مواطنيها المتروكين لمصيرهم. تغير موقف السويد بفضل إصرار الجد، وعملت على "تقديم مساعدة نشطة" لاستعادة الصغار، خصوصاً أن القرار السابق لاستوكهولم قضى بأن "الحكومة لن تقدم أية مساعدة لمن يريد العودة، بل عليه القيام بذلك بنفسه"، ما أثار غضباً إعلامياً وشعبياً. وكان التساؤل: "كيف لمحمد ابن العام أن يعود إلى السويد بنفسه؟".
الصحيفة السويدية "داغنس نيهيتر" التي انتدبت اثنين من صحافييها للمتابعة، خلصت إلى أن "آلاف الأجانب الأوروبيين محتجزون في معسكر الهول كرهائن لسياسة كردية تبحث عن اعتراف سياسي بالتفاوض مع الأكراد كممثلين لكيان مستقل". وجاء الاستنتاج بعد حوار مع الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية عبد الكريم عمر، الذي رفض أن تلتقط له الصحيفة صورة في الخارج، معتبراً أنه من الأفضل أن تكون الصورة أكثر رسمية أي خلف طاولة مكتبه. ونقلت عنه أن الأكراد دفعوا ثمناً كبيراً للانتصار على تنظيم داعش. كما أشارت إلى رغبته في أن تفتح الدول قنوات رسمية مع الأكراد لمواجهة الواقع الصعب في معسكر الهول، وتحمل مسؤولية الحد من التشدد بين آلاف الآباء والأطفال. ويشير عمر إلى أن "أوروبا تلعب لعبة خطيرة بترك مواطنيها في الهول. كيف يمكننا أن نتحمل مسؤولية وقف التشدد بينهم وبين أطفالهم؟".
وبعد أيام، فتحت وزارة الخارجية السويدية خطوطاً رسميّة تتعلق بهؤلاء الأطفال، لتشكل فاتحة غربية لاستعادة دول أخرى مواطنيها أو بعضهم من المخيم. وعُدّ ذلك التواصل مفتاحاً ليعود الجد، الشهر الماضي، برفقة أحفاده السبعة، بعد ضجة رسمية وشعبية بسبب سوء أوضاع هؤلاء الصغار، وانتشار صورهم، ونقل الصحافيين بكاء الصغار وهم يرجونهم أن يعيدوهم إلى السويد. تُضاف إلى ما سبق الشهادات والتقارير عن الأوضاع المزرية التي يعيشها من يقيم في الهول، ويقدّر عددهم بنحو 73 ألفاً، من بينهم 4 آلاف امرأة و8 آلاف قاصر وطفل من أصول غربية.
النرويج والدنمارك تلحقان بالسويد
تشير تقارير لمنظّمتي "أنقذوا الطفولة" و"الصحة العالمية" إلى ارتفاع نسبة انتشار "بي تي أس دي" (اضطراب ما بعد الصدمة)، بين المقيمين في الهول، مع الإشارة إلى أن القضية لا تتعلق "بمخيم للاجئين". كما أن بعض الأقسام تعد سجناً مغلقاً بالنسبة للصغار والكبار. وكانت أوسلو ترفض استقبال مواطنيها في الهول. لكن التقارير والضغط الداخلي أجبر رئيسة الوزراء إيرنا سلوبيرغ، في 23 إبريل/ نيسان الماضي، على ترك الباب مفتوحاً أمام التواصل مع الأكراد لاستعادة الأطفال على الأقل. أحد تقارير منظمة "أنقذوا الطفولة"، الصادر في مايو/ أيار الماضي، إضافة إلى تقريرين لجهازي الاستخبارات النرويجي والدنماركي حول تزايد أعداد المحتجزين في الهول إلى أكثر من 73 ألفاً، كشفت أن عدم الاهتمام قد يعرض هؤلاء الأوروبيين إلى مخاطر كثيرة، خصوصاً لناحية تفكيرهم بخذلان مجتمعاتهم لهم.
وفي 23 يونيو/ حزيران، أعلنت أوسلو أنها ستتجه لاستعادة خمسة أطفال من مخيم الهول. ويأتي الموقف الجديد بسبب "الخوف من التقييم الأمني والقلق على مستقبل هؤلاء الصغار". وفي كوبنهاغن، أعلن في 24 يونيو عن تغير جذري في الموقف من إحضار قاصر دنماركي في الثالثة عشرة من عمره والمصاب بجراح أدت إلى إصابته بالشلل، وهي المرة الأولى التي تساهم فيها كوبنهاغن باستعادة أحد مواطنيها من سورية. وتنضمّ الدول الإسكندنافية إلى نحو 11 دولة غربية بدأ مسؤولوها بمراجعة مواقفهم الرافضة سابقاً لاستعادة مواطنيها من مخيم الهول وسجون كردية. ويجري التركيز على النساء الأرامل والأطفال اليتامى، على الرغم من المخاوف بسبب "عدم معرفة مصير آباء هؤلاء، الذين يمكن أن يظهروا فجأة ويطلبوا الالتحاق بأبنائهم"، كما جرى التبرير في الرفض السابق في كل من السويد والدنمارك. وعلى الرغم من الانتقادات التي توجه بشكل مبطن للأكراد السوريين، خصوصاً "دائرة العلاقات الخارجية"، اضطر عدد من الدول إلى التواصل معها بهدف إطلاق المحتجزين الأوروبيين ممن يطلق عليهم "أطفال ونساء داعش" في مخيم الهول.
وفي 23 من الشهر الجاري، أكدت وزارة الخارجية الدنماركية أن الطفل المصاب "أصبح الآن تحت مسؤولية السلطات الدنماركية بعد لقاء مع الطرف الكردي، وهو واحد من بين 13 طفلاً دنماركياً عدا النساء والرجال المفقودين". وكان الطرف الكردي قد عرض اللقاء مع موفد الخارجية على شاشة التلفزيون، وكأنّه "لقاء بين وفد دنماركي مع العلاقات الخارجية (الكردية)". الأمر نفسه ينسحب على كل موظف رسمي أوروبي يحاول إخراج أطفال بلده من الهول، لتنشر اللقاءات وكأن ذلك اعتراف رسمي بكردستان سورية.
وإلى جانب الدول الإسكندنافية التي باتت مواقفها أكثر ليونة، بدأت أستراليا أيضاً بإخراج بعض أطفالها من الهول. أوروبياً، لحقت ألمانيا بالموقف الفرنسي الجديد المتعلق باستعادة مواطنيها من سورية، بعد فترة من الرفض القاطع وتمني موتهم على لسان رسميين فرنسيين. ووفقاً لصحيفة "سوددويتشه زايتونغ" ومحطتي NDR وWDR، تفاوضت برلين لفترة طويلة لوضع مخطط لإجلاء أبناء الذين التحقوا بداعش والحركات الجهادية من الهول. وعلى الرغم من السرية وحساسية الموقف الألماني السابق من قضية مواطنيها الداعشيين، كشف النقاب عن جلب فتاتين ألمانيتين يتيمتين وتسليمهما للجد والجدة في ألمانيا. وتشير بعض التقارير المرافقة إلى بدء دول أوروبية وغير أوروبية باستعادة مواطنيها، خصوصاً الأطفال والنساء، وإلى أن "فظائع تجري في مخيم الهول يسكت عنها الآن خوفاً على حياة المحتجزين داخله".
أطفال بريئون
خلال حملته للضغط على حكومة استوكهولم لاستعادة أحفاده من الهول، ظل الجد التشيلي ــ السويدي باتريسيو غالافيز، يردّد أن "هؤلاء الصغار والقصر لا ذنب لهم في ما اختاره أهلهم". وهذا ما ردده حقوقيون وصحافيون بعد أشهر من عناد وإصرار السياسيين على رفض العمل لاستعادة مواطنيهم الصغار من مخيم مغلق. ويجد أقارب المحتجزين صعوبة بلقاء أقاربهم وأحفادهم من دون موافقة ومساومة من الحركة الكردية المسيطرة على الهول. وبشكل عام، جاء الطلب الأميركي قبل نحو 4 أشهر ليقوم حلفاء واشنطن باستعادة مواطنيهم الصغار والكبار المعتقلين لدى الأكراد، والذين يطالبون رسمياً بـ"إنشاء محاكم دولية في كردستان سورية لمحاكمة أعضاء داعش"، ليحرك الملف في دول أوروبية شمالية. ويرى كثيرون أن الأميركيين أرادوا ما يشبه انفتاحاً على القوات الكردية في المنطقة ومساعدتها بعدما أصبحت غير قادرة على تحمل مسؤولية عشرات آلاف الموقوفين لوحدها.
دول بدأت العمل
في بداية الشهر الجاري، استعادت الولايات المتحدة امرأتين وستة أطفال من الأكراد. خطوة تأتي بعد عام على نقلها أعضاء من داعش لمحاكمتهم في أميركا، إضافة إلى نقل سيدة وأربعة من أطفالها في يوليو/ تموز 2018. وخلال الأيام الماضية، أحضرت النرويج 5 من الأطفال النرويجيين اليتامى، بعد مباحثات مع السلطات الكردية. وفي 12 يونيو/ حزيران الجاري، أحضرت السلطات الفرنسية عشرة قصَّر يتامى، كما أخرجت قاصرين هولنديين، لينضم هؤلاء إلى 5 أطفال فرنسيين أخرجتهم باريس في مارس/ آذار الماضي. وكان الموقف الفرنسي السابق في ما خص البالغين الذين انضموا إلى داعش، ويحملون جوازات فرنسية، يفيد بوجوب محاكمتهم على ما ارتكبوه من جرائم. وكانت محاكم عراقية قد بدأت منذ مايو/ أيار الماضي، بإصدار أحكام بإعدام مواطنين فرنسيين انضموا إلى داعش. وفي الرابع عشر من الشهر الجاري، استلمت بلجيكا 6 من الأطفال الذين فقدوا آباءهم في صفوف داعش، وأمنت وصولهم إلى بلدهم، بعد تراجع عن مواقف سابقة بمساعدة الصغار والكبار على العودة إلى بلجيكا. أما ألمانيا، وعلى الرغم من قيامها بخطوة لاستعادة بعض القصر حديثاً، فقد قال متحدث باسم وزارة الخارجية في إبريل/ نيسان الماضي، إن "أعداد القصر الذين جرت استعادتهم وصل إلى أكثر من 10"، وما زال هناك عدد كبير من الألمان في الهول.
وفي بريطانيا، خلق الموقف السلبي لحكومة لندن، الرافض لمساعدة القصر والأطفال على العودة إلى بلدهم، سجالاً كبيراً خلال الفترة الماضية. وأدى الجدال الذي خلقته قصة موت رضيع لم يتجاوز 3 أسابيع في الهول إلى ضغوط على الرسميين البريطانيين، الذين أكدوا في إبريل/ نيسان الماضي أن "عدداً قليلاً من القصر غادروا خلال الأشهر الـ12 الماضية الأراضي السورية باتجاه بريطانيا"، من دون أن تعلن الجهة التي قدمت لهم المساعدة. ويبدو أن هؤلاء القصر يعيشون خارج الهول، باعتبار أن المخيم محروس ويمنع مغادرته من المقيمين فيه.
وكانت موسكو قد سبقت الجميع منذ 2017 باستعادة مواطنيها "الداعشيين". وفي فبراير/ شباط الماضي، وبتنسيق مع الأكراد، رحلت نحو 200 امرأة وطفل من سورية، وحوالي 27 طفلاً ما بين 4 و13 عاماً من العراق إلى موسكو. وتقدر أعداد من غادروا روسيا إلى سورية منذ 2012 و2013 بنحو 4 آلاف شخص.