أطفال مدمنون في تونس

04 فبراير 2018
يلهون بأمر إيجابي (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
هرباً من التفكّك الأسري أو الواقع الاجتماعي الصعب، يلجأ أطفال في تونس إلى الإدمان على مواد سامة لا تمنع الدولة بيعها، ما يتطلب توعية حول مدى خطورتها على صحتهم

يجوب طفل صغير الأزقة في مدينة صفاقس عاصمة الجنوب التونسي، وفي يده كيس بلاستيكي صغير يحتوي مواد كالغراء والبنزين والدهن وملمع الأحذية، وقد أدمن استنشاقها. يبتسم للمارة وقد بدأ جسمه الصغير في التراخي. ينتظر ماسحي الأحذية ليمنحوه ما تبقى لديهم من علب، فيتنشقها على مرأى من الجميع، وقد يبتسم له البعض شفقة أم عطفاً. إلّا أن أحداً لم ينجح في نهيه عما يفعله رغم خطورته. هذا المشهد وغيره من المشاهد التي تظهر أطفالاً مدمنين يكاد يتكرر في عدد من المحافظات التونسية.

ويؤكّد مندوب حماية الطفولة التابعة لوزارة المرأة والأسرة والطفولة، أنيس عون الله، لـ "العربي الجديد"، أن استهلاك الأطفال لهذه المواد، التي يطلق عليها المواد الطيارة، يشكل خطراً كبيراً عليهم. وسميت بهذا الاسم لأنها مكونة من مواد عدة، ومخاطرها الصحية كبيرة، وقد تسببت في حالات شلل وإعاقات وارتخاء في الأعصاب.

ويبيّن عون الله أن هذه المواد تؤثر على الصحة، وقد يصبح الطفل عرضة لتهديدات أكبر كالاستغلال الجنسي. كما أن الدخول في دوامة الإدمان يدفعه إلى السرقة والانحراف من أجل اقتناء هذه المواد، إضافة إلى التسرب المدرسي والعنف. ويبيّن أنّ هناك سببين يقودان الأطفال إلى استعمال هذه المواد، كالوضع الأسري الصعب الذي يضطرهم إلى الخروج إلى الشارع كرد فعل، والاختلاط بأصحاب السوء. يضيف أنّه لا توجد مراكز متخصصة في تونس لعلاج مثل هذه الحالات، باستثناء مركز جبل الوسط في العاصمة، وجمعية الوقاية من المخدرات في صفاقس، والتي كانت في السابق تلعب دوراً مهماً في مساعدة فئات عدة، من بينها الأطفال.




وأفاد مندوب حماية الطفولة بأنه عادة ما يتم التعامل مع هذه الحالات من الناحية الاجتماعية والنفسية، والبحث في الأسباب كسوء المعاملة والاستغلال الجنسي، لتحديد العلاج المناسب. يضيف: "يحصل التدخّل لرفع التهديد"، مبيّناً أن الدولة عاجزة عن التدخّل عندما لا يكون هناك مساعدة من قبل الأسر التونسية، التي تلعب دوراً أساسياً في حلّ مثل هذه المشاكل. ويوضح أن بعض العائلات تعنّف الطفل المدمن، ما يزيد الوضع سوءاً. وأحياناً، يكون أحد أفراد العائلة مدمناً على الكحول وهذه المواد، ما يشجع الطفل على الإقبال عليها، مبيّناً أن هناك من يتناول الكحول أمام أطفاله وفي البيت، وقد وصلتنا حالات لأطفال في عمر السنتين أو أكثر، تناولوا الكحول عن طريق الخطأ أو نتيجة حادث منزلي. يضيف أنّ الإشعارات التي تصل إلى مندوبي حماية الطفولة تكون من المستشفيات، وتحال الملفات إلى المصالح الأمنية لمعرفة طبيعة المواد المستهلكة. مؤخراً، وصل طفل تسمّم نتيجة الكحول، وتأتي الإشعارات أيضاً من المدارس والآباء والمواطنين والأطباء.

من جهته، يقول المحامي المتخصص في قضايا الأطفال، محمد الفقي، لـ "العربي الجديد"، إن الأمر قد يصل ببعض الأطفال إلى حد استنشاق الغراء الذي يخدّر الأعصاب، ويجعل الشخص مرتخياً تماماً، ولا يشعر بالعالم الخارجي من حوله. ويعمد البعض الآخر إلى تناول ملمع الأحذية، أو الكحول. ويلفت إلى أن الأكثر غرابة أن الأطفال يتركون الجوارب لتتسخ كثيراً من دون تنظيفها، ثم يضيفون إليها بعض المواد الكحولية، خصوصاً أنهم لا يملكون المال لشراء الأقراص المخدرة وغيرها.

ويبيّن المحامي أنه رأى أطفالاً مدمنين، من بينهم طفل في القيروان أدمن استنشاق الغراء، وهناك حالات أخرى في بعض الأحياء الشعبية، لافتاً إلى أن الخطير في هذه الظاهرة أن القانون التونسي لا يعاقب الأطفال مدمني هذه المواد السامة، كونها لا تنتمي إلى المخدرات أو المنشطات، ولا يعتبر بيعها ممنوعاً، مشيراً إلى أن أعمار الأطفال المدمنين عليها تتراوح ما بين 12 و18 عاماً. يضيف أن القانون لا يعاقبهم إلا في حالات ارتكابهم جرائم تستوجب توقيفهم ومتابعتهم.

ويلفت الفقي إلى أن بعض هؤلاء الأطفال ينتمون إلى عائلات فقيرة ومفككة اجتماعياً، ويتحدرون من مناطق اجتماعية تتميز بكثافة سكانية عالية. هؤلاء يحتضنهم الشارع ويجدون في هذه المواد فرصة للهرب من واقعهم.




إلى ذلك، يقول المعالج النفسي وحيد قوبعة لـ "العربي الجديد" إن لدى بعض الأطفال استعدادا أكثر من غيرهم لإدمان هذه المواد، ويرون أن كل ممنوع مرغوب في ظلّ نقص التوعية وغياب دور الأسرة. ويوضح أن الأضرار كبيرة وقد يتلف الإدمان خلايا الدماغ والكبد والرئة والجهاز التنفسي نتيجة نقص الأوكسيجين، عدا عن السموم الموجودة في هذه المواد، والتي تؤدي أحياناً إلى الشلل والموت.

يضيف قوبعة أن هذه المواد تسبب نقصاً في التركيز وغياب التوازن النفسي إضافة إلى الإغماء. لذلك، يطالب بالتوعية حول خطورة هذه المواد، ما يتطلب برنامجاً كاملاً من الدولة يبدأ من الأسرة وصولاً إلى المدرسة والمجتمع، خصوصاً أن الأطفال يقضون وقتاً طويلاً في المدرسة والبيت.