أطفال فلسطين...عقول كبيرة وأجساد صغيرة تقاوم الاحتلال

27 ديسمبر 2017
أطفال فلسطين ...دروس حية في حب الأوطان(Getty)
+ الخط -
"لماذا لا نصنع من أنفسنا صلاح الدين ونحرر القدس".. كلمات قالتها الطفلة الفلسطينية المعتقلة، عهد التميمي (16 عاما)، في أحد اللقاءات التلفزيونية، وهي تتوشح الكوفية الفلسطينية، وتنطق بكلام يعجز بعض الكبار عن ترتيب مفرداته.


فطفولة "عهد"، وأطفال فلسطين، ليست كطفولة أقرانهم من أطفال العالم، وهم من ولدوا وكبروا وتفتحت عيونهم على حواجز الاحتلال، وجرائمه بحقهم، وحق عائلاتهم، وبحق كل شيء فلسطيني.

في التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، اعتقل الجيش الإسرائيلي الطفلة عهد التميمي بعد اقتحام منزلها في قرية النبي صالح، في ساعة متأخرة من الليل، وفي اليوم التالي اعتقل والدتها (ناريمان) وابنة عمها (نور).




وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن اعتقال عهد ونور يأتي بزعم "الاعتداء" على جنود إسرائيليين، وطردهم من أمام منزل العائلة، فيما تم اتهام الأم ناريمان، بالتحريض على هذا "الاعتداء".



ففي فلسطين، لا يقتصر تواجد الأطفال في الملاعب أو الحدائق أو المدارس والنوادي، بل تراهم يتقدمون الصفوف الأولى في الفعاليات الوطنية، والمواجهات مع الجيش الإسرائيلي على نقاط الاحتكاك، وفي المسيرات، يحملون علم وطنهم، ويرددون الهتافات، بل في كثير من الأحيان يردد الكبار الهتاف وراء طفل يُحمل على الأكتاف، ليكون ذلك الطفل مشروع قائد.
"أحرص على اصطحاب أطفالي إلى كل الفعاليات التي تنظم في المناسبات الوطنية"، تقول السيدة أم رضوان، الأم لخمسة أطفال، من قرية قرب مدينة نابلس (شمال الضفة).

وتضيف في حديثها لـ"العربي الجديد": "أربي أطفالي كما ربّاني والدي، على حب هذه الأرض والدفاع عنها، وحمل علمنا عالياً، أزرع في قلوبهم حب الجهاد، والكفاح ضد الاحتلال، أقول لهم دائما نحن في أرض الرباط، واجبنا أن ندافع عن وطننا بكل ما نستطيع".
وتضيف: "بحكم مكان سكني، فإننا نضطر لعبور حاجز إسرائيلي مقام على مدخل قريتنا كل يوم، فيرى أبنائي الجنود المدججين بالسلاح، يعرقلون سيرنا، وفي بعض الأحيان يحتجزون عشرات السيارات ويمنعوننا من المرور لوقت طويل، هذه المشاهد تكفي ليتشبعوا الكره لهذا الاحتلال".




الطفل أحمد سليمان في الصف الثاني الابتدائي، يحرص على اقتناء مسدس بلاستيكي بين لعبه، وإن كسر أو تلف، أشترى غيره.
يقول أحمد لمراسلة "العربي الجديد": "دائما ألعب بالمسدس أو البارودة، نلعب (يهود وعرب)، وأكون أنا دائما مقاوماً أقتل اليهود".


وعند سؤالنا له "لماذا لا تلعب دور الجندي اليهودي"، قال: "الجنود أشرار، مجرمون، يقتلون الأطفال، لكن عندما أكبر سأصبح مقاوماً وأقتلهم".

وتعد لعبة (جيش وعرب)، من الألعاب الشعبية الفلسطينية، التي يشارك بها فريقان من الأطفال، أحدهما يلعب دور الجنود الإسرائيليين، والفريق الآخر لأطفال يرشقون الحجارة، أو مقاومين يطلقون الرصاص باتجاه الجنود.
وينخرط الكثير من الأطفال الفلسطينيين في تفاصيل السياسة، فصغر عمرهم وطفولتهم ليس عائقا أمام فهم أمور الكبار.


وألقت الأحداث الأخيرة التي تبعت اعتراف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، بظلالها على حياة وتفكير الأطفال الفلسطينيين، وهم يعيشون يومياً مشاهد المواجهات والإصابات والشهداء، خلال الاحتجاجات الشعبية على هذا القرار.
الطفلة "سيما" 9 سنوات، تتابع باستمرار تلك الأحداث، وتسأل والديها عن تفاصيلها، وفي أحد الأيام، وبينما أنهت صلاتها، قالت لوالدتها: "دعوت في صلاتي، أن يتراجع ترامب عن قراره".






من ناحيته، أشار مدرب التنمية البشرية مخلص سمارة، إلى أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الفصل بين تربية الأطفال في الأراضي الفلسطينية، وبين تلك المشاهد التي اعتادوا رؤيتها على شاشات التلفاز، أو حتى أمام أعينهم أثناء المرور عبر الحواجز الإسرائيلية.

وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "الاحتلال ومفرزاته حاضرة، تلقي بظلالها على طريقة تفكير وتصرفات الأطفال، والحالة النفسية لهم، وبالتالي انعكاسها على ردود أفعالهم وطريقة تفكيرهم، التي ستنصب جلها في محور الاحتلال وكراهيته ورفضه وصولا إلى مجابهته".
فكما العنف داخل الأسرة والشارع والمدرسة ينعكس على الحالة النفسية للطفل، بحسب سمارة، مضيفا: "الاحتلال بممارساته وأفعاله يترك الآثار الكبيرة على الطفل وتصرفاته وقناعاته،
ويتشربها يوماً بعد يوم طالما السبب بقي حاضرا أمام عينيه".


وعند حديثه عن أساليب التربية الواجب اتباعها مع الأطفال، لاسيّما الأطفال الذين يتعرضون لانتهاكات الاحتلال بشكل مباشر، قال المختص بالتنمية البشرية: "إذا كانت العائلة والأسرة تربي أبناءها على رفض الظلم والاعتداء من ابن بلده وجاره وتطالبه بالرد على أي إساءة، فمن باب أولى أن نعلم أبناءنا أن الاحتلال بكافة أشكاله مرفوض، وأن نغرس في وجدان كل طفل من أطفالنا ثوابتنا التي نريد".


وعند الحديث عما تعرضت له الطفلة المعتقلة "عهد التميمي"، يشير سمارة إلى أن "نموذج عائلتها هو النموذج الذي يجب أن يصبح دارجاً بين أوساط الأسر الفلسطينية، فالاستهداف لا يفرق بين بيت وآخر، ولولا مشاهد القهر التي رأتها عهد أمامها في قريتها لما وصل بها المطاف أن تخرج عن نمط الطفولة المعهودة إلى هذه المرحلة من التمرد على كل أشكال الاحتلال ومجابهته".


وتنعكس المشاهد والتجارب التي يعيشها الأطفال تحت الاحتلال على مستقبلهم، فالتربية الوطنية لهؤلاء الأطفال، ستلقي بظلالها الإيجابية لديهم، وفق سمارة، وقال: "نحن أحوج ما نكون إلى جيل يدرك معنى وطنه ومقدساته وقضيته، يجب أن يلقّن الحقيقة كما هي، كي يستطيع على أقل تقدير نقل الحقيقة إلى الأجيال بلا تحريف ولا تغيير، وحتى لا نصطدم بجيل مفرّغ من الوعي والانتماء".


وكما تحرص بعض العائلات على خرط أطفالها وأبنائها في مفاهيم النضال والكفاح ضد الاحتلال، تجد في أوساط المجتمع الفلسطيني، عائلات تتخوف ذلك، لسبب أو آخر.
وفي تعليقه على الأمر، قال سمارة: "لماذا نصر على الهروب من الحقيقة تحت ذريعة عدم إقحام أبنائنا في الواقع المؤلم؟ في الوقت الذي يعمد فيه الاحتلال إلى غرس أفكار الكراهية للعرب والمسلمين منذ الصغر، ونجدهم يصطحبون أطفالهم إلى المناطق الحدودية يدربونهم على السلاح وحتى وهم في رياض الأطفال؟".






المساهمون