لم يكن لمبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "حماية الأطفال من الخطر"، التي أطلقها في عام 2015، تأثير إيجابي أو مساهمة على الأقل في تخفيف نسبة أطفال الشوارع في البلاد. المبادرة التي أطلقتها وزارتا الداخلية والتضامن الاجتماعي، إضافة إلى 19 منظمة من منظمات المجتمع المدني لإنقاذ مليون طفل من الشوارع، لم تحقّق أي شيء على أرض الواقع. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن عدد أطفال الشوارع يقترب من مليون ومائتي ألف طفل.
إلا أن حادثة الطفل "شقاوة"، الذي يعيش على الرصيف في أحد شوارع القاهرة، أثارت من جديد أزمة أطفال الشوارع التي تزداد يومياً في عدد من المحافظات المصرية، خصوصاً محافظات القاهرة الكبرى، في انعكاس لتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد خلال السنوات الأخيرة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وزيادة نسبة البطالة والفقر والتفكك الأسري والتسرب المدرسي. وكنتيجة لكل ما سبق، زادت نسبة أطفال الشوارع بصورة كبيرة، وبات يلجأ معظمهم إلى الأماكن المهجورة والأرصفة كمأوى.
وكانت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج قد كلفت الجهات المسؤولة في الوزارة التأكد من صحة منشور تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، يتعلق بوجود طفل في الثالثة عشرة من عمره يتواجد على الرصيف في أحد شوارع العاصمة القاهرة، ويرتدي ملابس ممزقة وتبدو على وجهه آثار عراك. وتوجه الفريق المكلف بالمهمة إلى مكان تواجد الطفل من دون أن يجده، لكن عُثر على طفل آخر كان يرتدي الملابس نفسها، وقد أفاد بأن هذه الملابس هي بالفعل نفس تلك التي ظهر بها الطفل في المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي في شارع قصر النيل. وقال إن أطفالاً آخرين ممن يمتهنون التسول يمزقون ملابسهم لاستعطاف المارة والحصول على مبالغ مالية وملابس وأطعمة ومشروبات.
ويكشف مسؤول في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن الطفل المذكور هو أحد آلاف الأطفال الذين يجوبون الشوارع يومياً، لافتاً إلى أن الصورة المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي هي التي حركت الوزارة للبحث عن الطفل. ويقول: "هناك آلاف الأطفال في الشوارع، ويلجأ كثيرون منهم إلى التسول في المواصلات العامة، ويأكلون من القمامة، ومنهم من يموت نتيجة إصابته بالتسمم من دون أن يتمكن الأطباء من إنقاذ حياتهم بعد وصولهم إلى المستشفى متأخرين". كما أن عدم وجود أوراق ثبوتية شخصية يعطّل إجراءات الدخول إلى المستشفى وتأمين العلاج. وإذا ما استقبلوا في أقسام الطوارئ، يحصلون على علاج آني من دون أدنى متابعة، علماً أن عودة هؤلاء مرة أخرى إلى الشارع تزيد من مشاكلهم الصحية". ويتهم المسؤول، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، الحكومة بعدم التحرك لإنقاذ حياة هؤلاء وتأمين مآو لهم على غرار دول العالم الآخرى.
وعن أعداد أطفال الشوارع، تقول القباج إنه ليس لديها معلومات كافية عن أعدادهم، بينما تؤكد منظمة الصحة العالمية أن عددهم في مصر يقترب من مليون ومائتي ألف طفل. ويشير تقرير أصدرته الهيئة العامة لحماية الطفل إلى أن عدد أطفال الشوارع تجاوز المليوني طفل، وهو في تزايد مستمر. بعض العائلات التي تعاني من الفقر تدفع أطفالها إلى الشارع للعمل وتأمين المال، وبالتالي ترتفع نسبة عمالة الأطفال. وترى المنظمة أن من أسباب زيادة عمالة الأطفال وفاة أحد الوالدين ثم زواج الآخر مجدداً، ما يدفع أحياناً زوجة الوالد أو زوج الوالدة إلى طرد الأطفال. وهناك من يهرب بنفسه من جحيم العنف المنزلي والاضطهاد الذي يتعرض له إلى الكباري (جسور النيل) والأماكن العامة، فضلاً عن المواصلات العامة التي يعتبرونها ملاذاً آمناً وفرصة لاستجداء الركاب قائلين: "حاجة لله".
إلى ذلك، تقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس سامية الساعاتي، إن ظاهرة أطفال الشوارع تعد عاملاً رئيسياً في زيادة معدلات الجريمة داخل البلاد، مشيرة إلى أنهم مصدر لانتقال الأمراض الخطيرة والمعدية بسبب اختلاطهم بالآخرين في الشوارع، خصوصاً في ظل انتشار كورونا في الوقت الحالي. كما أنّ معظمهم مصابون بالإيدز. من هنا، لا بد من علاج هذه المشكلة الخطيرة من خلال زيادة أعداد الملاجئ ودور الرعاية المختلفة"، مؤكدة أن هناك عصابات منظمة تستغل هؤلاء الأطفال بحثاً عن المال الكثير في مقابل إطعامهم وتوفير أماكن نومهم. ويصل الأمر إلى الاستغلال الجنسي، ما يعد مؤشراً خطيراً يهدد أمن المجتمع.
وأطلق قطاع الشؤون الاجتماعية التابع لوزارة التضامن الاجتماعي برنامج "حماية الأطفال بلا مأوى"، والذي من المفترض أن يعمل على حماية هؤلاء الأطفال من خلال تقديم خدمات الرعاية والتأهيل لهم ودمجهم في المجتمع. وتقول الوزارة بأن البرنامج جاء "تماشياً مع سياسة الوزارة التي تعتمد على تجفيف المنابع والتدخل الفوري للحد من الظاهرة". وكتبت الوزارة على موقعها الإلكتروني أن البرنامج يعمل في عشر محافظات الأعلى كثافة بناء على نتيجة مسح عام 2014، وهي محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية والمنوفية والشرقية والسويس وبني سويف والمنيا وأسيوط، وسيمتد عمل البرنامج في أربع محافظات أخرى هي الإسماعيلية وبورسعيد والغربية والفيوم.