لا يملّ المواطن ياسر أحمد (32 عاماً) من التنقّل بين المحال التجارية والصيدليات الطبية في شوارع مدينة العريش في محافظة شمال سيناء، شرقيّ مصر، بحثاً عن حليب لطفله البالغ من العمر عامَين. فالحليب انقطع بسبب العملية العسكرية الشاملة التي أطلقها الجيش المصري قبل نحو شهر في التاسع من فبراير/ شباط الماضي، بحجة القضاء على تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش".
والأزمة الإنسانية التي تأتي على خلفية تلك العملية، ما زالت تتفاقم في محافظة شمال سيناء لتطاول كل مناحي الحياة. وصار حليب الأطفال حديث الشارع في سيناء ومطلبه الأول، على الرغم من الحاجة إلى الأصناف الغذائية الأخرى والخضروات وكذلك الأدوية، الأمر الذي زاد من حجم المناشدات القائلة بضرورة توفير حليب الأطفال والأدوية في أقرب وقت ممكن قبل وقوع كارثة إنسانية، في حال استمرار الحصار المفروض على المحافظة من قبل الجيش.
يقول أحمد وهو مدرّس في المدينة لـ"العربي الجديد"، إنّ "طفلي مصاب بحساسية من أصناف الحليب بمعظمها وفي حاجة إلى حليب مخصص له. هو في حاجة إلى علبة واحدة كلّ 10 أيام، لكنّني أحرص دائماً على الاحتفاظ بكميات منه، تحسباً. وهذا ما كان قبيل بدء العملية العسكرية، لكنّها نفدت في ظل الحصار المفروض منذ التاسع من فبراير الماضي. وهو الأمر الذي استدعى بحثاً شبه يوميّ عن أيّ بائع لحليب الأطفال". يضيف: "توقفت عن البحث عن المواد الغذائية المختلفة لأهل بيتي، وصار كل همي العثور على حليب لطفلي. وفي أكثر من مرة، وقفت في طوابير الانتظار لساعات طويلة من دون جدوى". من جهة أخرى، يشير إلى أنّ "أسعار المواد الغذائية باتت أضعافاً مضاعفة في ظل ندرة توفّرها في الأسواق، الأمر الذي يجعل المحافظة تعاني من نقص شديد في المواد الغذائية التي يحتاج إليها عشرات آلاف السكان".
كثرت مناشدات في المدينة ومؤسسات الدولة فيها، وكذلك على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وتداولها مئات من سكان المحافظة، إلا أنّ الدولة المصرية لم تحرّك ساكناً في سبيل إنهاء معاناة الأطفال والأهالي المحتاجين إلى الغذاء وإلى مستلزمات الحياة الأخرى بأسرع وقت ممكن.
وفي محاولة للتخفيف من حدّة الأزمة، يخبر أحد العاملين في صيدلية وسط مدينة العريش، أنّ "بعض السائقين والأشخاص العالقين الذين استطاعوا العودة إلى العريش أحضروا معهم كميات ضئيلة من علب الحليب الضرورية للأطفال وكذلك بعض أصناف الأدوية التي يحتاجها المرضى باستمرار". يضيف أنّ "ذلك تمّ بطرق أشبه بتهريب الممنوعات في ظلّ منع الجيش الحركة من وإلى محافظة شمال سيناء منذ بدء العملية العسكرية". ويشير الصيدلاني الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "قرار الجيش بمنع إدخال الأدوية وحليب الأطفال لا داعي له، ولا علاقة لمنع إدخال هذه المواد الضرورية بالقضاء على الإرهاب، خصوصاً أنّ صيدليات المحافظة مسجّلة لدى وزارة الصحة وتعمل بطريقة قانونية. بالتالي، فإنّ الأمر يستدعي تحرّكاً فورياً من قبل كل الجهات المعنية لإنهاء الأزمة الصحية المتفاقمة في المحافظة".
تجدر الإشارة إلى أنّ هجمات تنظيم "ولاية سيناء" تتواصل على الرغم من مرور نحو شهر على انطلاق عملية الجيش الشاملة "سيناء 2018"، فيما تتزايد الأزمة الإنسانية سوءاً مع مرور الأيام. وما يقلق المواطنين في سيناء هو عدم وجود موعد محدد لانتهاء العملية العسكرية المتواصلة منذ شهر، بالتالي لا بريق أمل بانتهاء المعاناة التي يعيشونها اليوم ويجدون أنفسهم يبحثون عن حلول مؤقتة تخفف من حدّة الأزمة التي تتفاقم بشكل لافت وتمسّ حياة الأطفال والمرضى خصوصاً.
في السياق، يقول تاجر مواد غذائية في مدينة العريش لـ"العربي الجديد"، إنّ "التجار تعهّدوا للمحافظ والمسؤولين الحكوميين في المحافظة، بأنّهم سوف يقبلون بالإجراءات الأمنية المطلوبة مهما كانت مكلفة أو مهما أخّرت وصول المواد الغذائية، في مقابل ضمان وصولها للمواطنين. لكنّ كل المطالبات قوبلت بالرفض لوجود قرار مستمر من قيادة عمليات القوات المسلحة يقضي بعدم إدخال المواد الغذائية إلا بمعرفتها وبالكميات التي تجدها مناسبة، مع تحديد مواعيد دخولها في حال جرى إقرار ذلك".
يضيف التاجر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أنّ "ما دخل إلى المحافظة من مواد غذائية وخضروات دخل بمعرفة القوات المسلحة المصرية منذ بدء العملية العسكرية، ولا يتجاوز اثنَين في المائة من المواد الواجب توفّرها لسدّ احتياجات المواطنين خلال الشهر الماضي". ويؤكد أنّ "بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه، ينذر بكارثة إنسانية حتمية في غضون أيام قليلة، خصوصاً مع انقطاع شبه تام في تدفق المواد الغذائية منذ أيام عدّة، بسبب عدم قدرة المسؤولين في المحافظة على الضغط على الحكومة والجيش في سبيل إنهاء حصار المحافظة".
ويزداد الوضع الإنساني سوءاً كلما اتجهنا في سيناء صوب الشرق، حيث مدينتَا رفح والشيخ زويد، إذ تنقطع عن هاتَين المدينتين كل أنواع المواد الغذائية وبشكل كامل، حتى من إمدادات الجيش، منذ بدء العملية العسكرية. وهو الأمر الذي جعلها تدخل مرحلة الكارثة الإنسانية مبكراً، في ظل انعدام أيّ تنسيق أو مبادرات لدعم المدينتَين حتى من قبل إدارة المحافظة نفسها، بحجة أنّها منطقة عسكرية مغلقة وفق ما يؤكد مصدر في مجلس المحافظة.
ويقول المصدر الحكومي لـ"العربي الجديد" إنّه "في متابعة المحافظة مع قيادة عمليات الجيش المصري أو وزارة التموين في القاهرة، يحظر الحديث عن إدخال مواد غذائية أو حليب أطفال أو حتى أدوية إلى مدينة رفح ومناطق مدينة الشيخ زويد بمعظمها، بحجة أنّها منطقة عمليات عسكرية مغلقة تحظر فيها الحركة بشكل كامل من دون مراعاة آلاف المدنيين الموجودين هناك، ومعظمهم من الأطفال والنساء وبحاجة ماسة إلى تموين بالمواد الغذائية بعد مرور شهر كامل على بدء العملية العسكرية".
يضيف المصدر نفسه أنّ "مناشدات من مشايخ قبليّين وبعض الأطباء والوجهاء من سكان المدينتَين تصل إلى المحافظة قائلة بضرورة التحرك لتخفيف الحصار عن المواطنين المتبقين فيها. وتلك المناشدات تشمل إدخال الأدوية للمصابين بأمراض مزمنة وحليب للأطفال ومواد غذائية لعشرات آلاف الموجودين في تلك المناطق. لكنّها كلها تذهب أدراج الرياح في ظل الأوامر بعدم نقاش الوضع في مدينتَي الشيخ زويد ورفح، طالما أنّ العملية العسكرية ما زالت قائمة".