تسعى جمعيات المجتمع المدني وأهل الاختصاص إلى دراسة ظاهرة انتماء الشباب التونسيين إلى الجماعات المتطرفة، سواء في تونس أو ليبيا أو سورية للقتال. إلا أن تطوّر الأحداث الأخيرة والكشف عن انخراط عدد كبير من الأطفال في هذه الجماعات، شغل الرأي العام والجمعيات التي تُعنى بالطفولة.
وتعمل الجماعات المتشددة على تجنيد الأطفال بعد التضييق على تحرّكاتها. في السياق، كشفت وزارة الداخلية التونسية أن هذه الجماعات استخدمت نحو 290 طفلاً تونسياً خلال عام 2014 بهدف التجسس ورصد تحركات الأمنيين والعسكريين وحتى الإعلاميين وبعض السياسيين المستهدفين، وذلك من خلال التردد على المقرات القضائية والأمنية والمقاهي بهدف تحديد تحركاتهم بدقة.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية نجحت في اعتقال عدد من الأطفال الذين تورطوا في قضايا تجسسية لصالح هذه الجماعات المتطرفة، أو توفير المؤن لهم ونقلها إلى الجبال.
واعتقلت الشرطة طفلاً يبلغ من العمر 14 عاماً في محافظة القصرين خلال رصده مركزاً أمنياً في المنطقة. واعترف أنه تلقى تعليمات من عناصر تكفيرية متشددة بهدف رصد تحركات الأمنيين، مضيفاً أن هذه العناصر هددته بالقتل في حال لم يلتزم بتنفيذ هذه التعليمات، أو أبلغ العناصر المذكورة.
وبناء على اعترافات الطفل، نفذت الوحدات الأمنية في سبيطلة عمليات مداهمة لعدد من المنازل المشتبه بها، وتمكنت من اعتقال خمسة عناصر ينتمون إلى هذه الجماعات، وقد أحيلوا إلى القضاء. أيضاً، تمكنت وزارة الداخلية من اعتقال طفلة تبلغ من العمر 15 عاماً، تعمل ضمن خلية خططت لاستهداف وزارة الداخلية. فيما نجحت وحدات مكافحة الإرهاب في الإطاحة بخلية كانت تعمل على تجنيد الأطفال لرصد تحركات أعوان الأمن ومقراتهم ومنازلهم، في جهة سبيطلة التابعة لمحافظة القصرين في 12 فبراير/شباط الماضي.
في السياق، أكد الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية سفيان السليطي وجود عدد من الأطفال التونسيين الموقوفين بسبب انتمائهم لجماعات متشددة. وأشار إلى اعتقال طفل كان يعمل على مساعدة الجماعات المتطرفة لوجستياً وإعلامياً. أيضاً، اعتقل آخرون شاركوا في عمليات استهدفت مقار أمنية، مشيراً إلى القضاة الذين يتولون قضايا الأطفال تحال إليهم مهمة التحقيق مع هؤلاء الأطفال في المحكمة الابتدائية.
اقرأ أيضاً: أطفال المورلي.. حملوا السلاح دفاعاً عن وجودهم
في السياق، يقول أستاذ علم الاجتماع طارق بلحاج محمد لـ "العربي الجديد" إنه عادة ما تلجأ الجماعات المتطرفة إلى تجنيد الأطفال لسبيين: "الأول أمني، ما يعني أن الأطفال لا يلفتون نظر قوات الأمن، لذلك تعمل هذه الجماعات على تجنيدهم لرصد وجمع البيانات والمعلومات، بالإضافة إلى تدبير شؤونهم اليومية". يضيف أن استقطابهم ليس أمراً صعباً، وعادة ما يعملون على اغرائهم من خلال الترغيب المادي والفكري، أو من خلال التهديد والابتزاز، أو مخاطبة عقولهم ووجدانهم وخصوصاً أنهم ليسوا ناضجين، وقد لا يكونوا قادرين على تقييم الأمور بطريقة عقلانية.
على صعيد آخر، يوضح محمد أن "المتطرفين، حالهم حال المهربين وغيرهم، يستخدمون التقنيات والأساليب نفسها لاستقطاب الأطفال وتجنيدهم"، لافتاً إلى أن هذه "جريمة بحق الأطفال والطفولة، ولكن تحت شعار ديني. كما أن الأطفال عادة ما ينصاعون لأوامر الأكبر سناً نتيجة الخوف. وبالتالي، لا يجد المتطرفون أي مشكلة في توجيههم أو استغلالهم مادياً أو حتى جنسياً، وخصوصاً عندما يكون الأطفال رهائن في مخيّمات تدريبهم".
من جهته، يقول المحامي عماد الدين فرحات إن الاحصائيات الرسمية الأخيرة تشير إلى منع ما لا يقل عن 8000 طفل من السفر خلسة إلى ليبيا، ما يعد مشكلة حقيقية، وخصوصاً أن سبب السفر مجهول. ويدعو وسائل الإعلام إلى الابتعاد عن السبق الصحافي، ومعالجة القضايا المتعلقة بالأطفال بطريقة عقلانية. يضيف أن "معالجة قضايا مماثلة بعيداً عن الإثارة من شأنه أن يوفر للطفل فرصة لإعادة بناء الذات"، لافتاً إلى "أهمية إخفاء ملامح الأطفال وعدم ذكر أسمائهم خلال التصوير، بهدف حمايتهم من الوصمة الاجتماعية".
ويؤكد رئيس الجمعية التونسية للشباب والطفولة سليم زلوز أن المجموعات المتطرفة باتت تعتمد على الأطفال لتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية، مشيراً إلى الفيديو المسجل الذي تداوله الناشطون على "فيسبوك"، ويظهر طفلاً تونسياً لم يتجاوز السابعة من عمره، يذبحُ مواطناً أجنبياً في سورية، بالإضافة إلى تعذيب آخرين. ويطالب الحكومة بالعمل على حماية الأطفال من الانخراط في أعمال إرهابية والقيام بدورها في هذا الإطار، مشيراً إلى أن دور الجمعيات المعنية بالأطفال محدود، ولا يمكن العمل على الحد من هذه الظاهرة من دون تعاون من قبل الدولة.
في المقابل، يقول أستاذ علم النفس أحمد الأبيض لـ "العربي الجديد" إن التنظيمات المتشددة تستقطب عدداً من العائلات التي تسافر للقتال في الخارج برفقة أبنائها، أو تستغل غياب الآباء الذين يتركون الرجال يواجهون مصيرهم. لذلك، يجب العمل على الإحاطة بهؤلاء الأطفال حتى لا يسلكوا طريق آبائهم".
وفي ما يتعلّق بتجنيد بعض الأطفال في الجماعات المتطرفة، يعزو الأمر إلى الخطاب البسيط الذي تعتمده تلك الجماعات، والذي يؤثر على الأطفال أيضاً في ظل عدم اهتمام بعض أولياء الأمور. كما أنّ تمركز المتشددين في المناطق الريفية والجبلية يشكل بيئة مناسبة لهذه الجماعات لاستقطاب الأطفال، وخصوصاً أن بعض الأهالي لا يشاهدون التلفاز، ولا يعرفون خطورة الأمر على أبنائهم، مشيراً إلى أنّ الإرهاب "ينتشر حيث يتفشى الفقر. ويغري هؤلاء البعض بالمال، ما يسهّل عملية استقطاب عدد كبير من الأطفال، وخصوصاً في ظل انتشار أطفال الشوارع".
ويوضح الأبيض أنّ "أعمار هؤلاء الأطفال وطبيعة انتقالهم إلى مرحلة المراهقة والتفكير في التغيير، قد يجعلهم ينجذبون إلى هذا الخطاب البسيط الذي يعتمده المتشددون، وترغيبهم بالفوز في الجنة".
جمعيات متورّطة أيضاً
ساهمت بعض الجمعيات، المتمركزة في الأحياء الشعبية والمناطق الريفية، في تجنيد الشباب والأطفال، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و17 عاماً، بحسب تقارير رسمية. وعملت خلية الأزمة المكلّفة متابعة الملف الأمني إلى إيقاف نشاط 157 جمعية ثبت تورطها في تمويل نشاطات مشبوهة، كما أعلن المتحدث باسم رئاسة الحكومة مفدي المسدي.
اقرأ أيضاً: تجنيد الأطفال لا تردعه اتفاقيات ولا معاهدات