بحذر شديد، تتنقّل الطفلة سماح حسني (عشر سنوات) بين السيارات. عادة ما تجذبُ بخفة دمها معظم المارة وتعرض عليهم بضاعتها قرب قلعة قايتباي الأثرية وسط الإسكندرية. تحمل الطفلة التي تلبس في رجليها حذاءً مهترئاً العديد من لعب الأطفال. تُحاول إقناع المارة بشرائها لأطفالهم. أما هي، فلا يمكنها اللعب بها. تقول: "لا أستطيع تأمين كلفتها. كما أنني بحاجة إلى بيعها لتأمين احتياجات العائلة الأساسية".
حسني ليست الطفلة الوحيدة التي تُسعد الكبار والصغار. عند إشارات المرور أو الشوارع الرئيسية، تجد العديد من الأطفال الذين يبيعون الورود واللعب وغيرها، التي لن تكون لهم يوماً. هذه الأشياء بالنسبة إليهم وسيلة لـ "أكل العيش". تقطنُ في بيت متواضع في منطقة العامرية (أقصى غرب محافظة الإسكندرية). في كل صباح، تأتي إلى المكان الذي اعتادت الوقوف فيه، بعدما أجبرتها الحاجة على ترك المدرسة.
تقول: "أستيقظ باكراً وأتجول بين السيارات أو أتوجه إلى المقاهي. في السابق، كنتُ أرافق والدتي التي تبيع المناديل، بينما أبيع اللعب. لكنها مريضة اليوم، وصرت مجبرة على العمل لوحدي". وعلى الرغم من معاناتها، لا تُفارق الابتسامة وجهها.
أما جمال صابر (11 عاماً)، فيعمل سائقاً لإحدى عربات "الكارو" التي تجرها الدواب في شرق مدينة الإسكندرية. يقول إنه اضطر إلى ترك المدرسة بعدما أجبره والده على العمل بهدف تعلم مهنة. يضيف أنه يجد سعادة كبيرة في ركوب العربة التي يجوب بها الشوارع لنقل الأفراد "وفي الأعياد، يفرح الأطفال بركوبها، ما يضطرني إلى العمل أكثر من 12 ساعة يومياً".
تبدو سميحة عماد عاجزة عن تحديد عمرها. لا تذكر أيضاً متى بدأت ببيع الخردوات وغيرها في وسائل المواصلات. تعرف فقط أنها لم تذهب إلى المدرسة إطلاقاً، مضيفة أن أشقاءها الثلاثة يبيعون الحلويات أيضاً. وعن الجهد الذي تبذله يومياً، تقول: "أعمل منذ الصباح الباكر، ولا أستطيع العودة إلى البيت قبل بيع جميع البضاعة أو أتعرض للتوبيخ من قبل والدي وأحياناً التاجر الذي أعمل معه". تضيف أنه في بعض الأحيان، تقابل أناساً يشترون كل ما "أملك" بهدف المساعدة، إلا أن هذا لا يحصل دائماً.
على بعد أمتار من عماد، يقف محروس محمد، الذي يبيع الملابس الصيفية على الشاطئ. يقول إن العمل في هذا المكان ليس نزهة أو فسحة. "أضطر إلى السير ساعات طويلة، ولا شيء يحميني من حرارة الشمس". وعن حصيلة دخله اليومي، يقول: "الجميع يأخذ نصيبه بعد الشقاء والتعب". يوضح أنه تعلم المهنة من والده الذي يبيع مشروبات ومأكولات في المنطقة نفسها خلال فصل الصيف، ليبحث عن مكان آخر شتاء.
في السياق، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإسكندرية إسماعيل سعد إن عمالة الأطفال ظاهرة قديمة ـ جديدة، ويبدو أنها آخذة في الازدياد بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد خلال الفترة الحالية، مؤكداً أن معالجتها تستلزم حلاً شاملاً، يبدأ بالوقاية والتدخل وصولاً إلى إعادة التأهيل والاندماج. ويوضح أن الفقر والجهل هما وراء تفشّي الظاهرة، بالإضافة إلى قانون العمل الحالي.
ويحذر من خطورة عدم وجود ضوابط أو معايير لعمالة الأطفال، في ظل تأثيرها على صحة الطفل ونموه، لافتاً إلى أننا "نسلب منهم طفولتهم وبراءتهم. فالطفلة الصغيرة التي تبيع لعب الأطفال من دون أن يكون لها حق اللعب بها، ستتحوّل إلى كارهة للمجتمع". يضيف: "لن يكون المجتمع مستعداً للاهتمام بهؤلاء الضحايا، أو تقديم حلول واقعية لمشاكلهم، إلا عندما يتحوّلون إلى مجرمين ومخربين. في ذلك الوقت، سيكتفون بحبسهم أو إعدامهم".
أرقام متضاربة
انتقد رئيس اتحاد العمال في الإسكندرية، فتحي عبد اللطيف، تضارب الأرقام والإحصاءات المتعلقة بعمالة الأطفال في مصر، لافتاً إلى أن الفقر والجهل والتسرب من المدرسة، جميعها عوامل تؤدي إلى ارتفاع نسبة انخراط الأطفال في سوق العمل. وأوضح أن جميع الأطفال العاملين لا يتمتعون بأي حماية قانونية أو صحية، ويواجه غالبيتهم ظروفاً صعبة قد تُعرّض حياتهم للخطر.
إقرأ أيضاً: "يا شطّ" العاطلين من العمل
حسني ليست الطفلة الوحيدة التي تُسعد الكبار والصغار. عند إشارات المرور أو الشوارع الرئيسية، تجد العديد من الأطفال الذين يبيعون الورود واللعب وغيرها، التي لن تكون لهم يوماً. هذه الأشياء بالنسبة إليهم وسيلة لـ "أكل العيش". تقطنُ في بيت متواضع في منطقة العامرية (أقصى غرب محافظة الإسكندرية). في كل صباح، تأتي إلى المكان الذي اعتادت الوقوف فيه، بعدما أجبرتها الحاجة على ترك المدرسة.
تقول: "أستيقظ باكراً وأتجول بين السيارات أو أتوجه إلى المقاهي. في السابق، كنتُ أرافق والدتي التي تبيع المناديل، بينما أبيع اللعب. لكنها مريضة اليوم، وصرت مجبرة على العمل لوحدي". وعلى الرغم من معاناتها، لا تُفارق الابتسامة وجهها.
أما جمال صابر (11 عاماً)، فيعمل سائقاً لإحدى عربات "الكارو" التي تجرها الدواب في شرق مدينة الإسكندرية. يقول إنه اضطر إلى ترك المدرسة بعدما أجبره والده على العمل بهدف تعلم مهنة. يضيف أنه يجد سعادة كبيرة في ركوب العربة التي يجوب بها الشوارع لنقل الأفراد "وفي الأعياد، يفرح الأطفال بركوبها، ما يضطرني إلى العمل أكثر من 12 ساعة يومياً".
تبدو سميحة عماد عاجزة عن تحديد عمرها. لا تذكر أيضاً متى بدأت ببيع الخردوات وغيرها في وسائل المواصلات. تعرف فقط أنها لم تذهب إلى المدرسة إطلاقاً، مضيفة أن أشقاءها الثلاثة يبيعون الحلويات أيضاً. وعن الجهد الذي تبذله يومياً، تقول: "أعمل منذ الصباح الباكر، ولا أستطيع العودة إلى البيت قبل بيع جميع البضاعة أو أتعرض للتوبيخ من قبل والدي وأحياناً التاجر الذي أعمل معه". تضيف أنه في بعض الأحيان، تقابل أناساً يشترون كل ما "أملك" بهدف المساعدة، إلا أن هذا لا يحصل دائماً.
على بعد أمتار من عماد، يقف محروس محمد، الذي يبيع الملابس الصيفية على الشاطئ. يقول إن العمل في هذا المكان ليس نزهة أو فسحة. "أضطر إلى السير ساعات طويلة، ولا شيء يحميني من حرارة الشمس". وعن حصيلة دخله اليومي، يقول: "الجميع يأخذ نصيبه بعد الشقاء والتعب". يوضح أنه تعلم المهنة من والده الذي يبيع مشروبات ومأكولات في المنطقة نفسها خلال فصل الصيف، ليبحث عن مكان آخر شتاء.
في السياق، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإسكندرية إسماعيل سعد إن عمالة الأطفال ظاهرة قديمة ـ جديدة، ويبدو أنها آخذة في الازدياد بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد خلال الفترة الحالية، مؤكداً أن معالجتها تستلزم حلاً شاملاً، يبدأ بالوقاية والتدخل وصولاً إلى إعادة التأهيل والاندماج. ويوضح أن الفقر والجهل هما وراء تفشّي الظاهرة، بالإضافة إلى قانون العمل الحالي.
ويحذر من خطورة عدم وجود ضوابط أو معايير لعمالة الأطفال، في ظل تأثيرها على صحة الطفل ونموه، لافتاً إلى أننا "نسلب منهم طفولتهم وبراءتهم. فالطفلة الصغيرة التي تبيع لعب الأطفال من دون أن يكون لها حق اللعب بها، ستتحوّل إلى كارهة للمجتمع". يضيف: "لن يكون المجتمع مستعداً للاهتمام بهؤلاء الضحايا، أو تقديم حلول واقعية لمشاكلهم، إلا عندما يتحوّلون إلى مجرمين ومخربين. في ذلك الوقت، سيكتفون بحبسهم أو إعدامهم".
أرقام متضاربة
انتقد رئيس اتحاد العمال في الإسكندرية، فتحي عبد اللطيف، تضارب الأرقام والإحصاءات المتعلقة بعمالة الأطفال في مصر، لافتاً إلى أن الفقر والجهل والتسرب من المدرسة، جميعها عوامل تؤدي إلى ارتفاع نسبة انخراط الأطفال في سوق العمل. وأوضح أن جميع الأطفال العاملين لا يتمتعون بأي حماية قانونية أو صحية، ويواجه غالبيتهم ظروفاً صعبة قد تُعرّض حياتهم للخطر.
إقرأ أيضاً: "يا شطّ" العاطلين من العمل