أطباء لمتشرّدي بيروت

17 ديسمبر 2016
تمكنوا من نسج علاقة صداقة مع متشرّدين (حسين بيضون)
+ الخط -
قتل التهاب موسمي أشهر متشرّد في شوارع العاصمة اللبنانية بيروت قبل أعوام قليلة. تفاعل المواطنون مع موته على مواقع التواصل الإجتماعي في حداد افتراضي غاضب حمّل الدولة والمجتمع مسؤولية موت "علي". كذلك، زيّن وجهه المتعب عدداً من جدران المدينة التي اعتادت زيارات رسامي الغرافيكي للتعبير عن مشاكل بيروت الاجتماعية والسياسية.

لم تخلُ مواقع التواصل، التي نعت "علي" من تحذيرات حول مصير المتشرّدين اللبنانيين والسوريين الذين يقيمون في شوارع بيروت وفي المباني والسيارات المهجورة في أزقتها. نسي الجميع قصة المتشرّدين بعد أيام قليلة في زحمة الأحداث التي يتابعها اللبنانيون، من دون أن تنتهي ظاهرة التشرد التي ارتفعت نسبياً مع بدء الأزمة السورية.

قادت مقالة على الإنترنت مجموعة من خريجي اختصاصات الطب المختلفة في لبنان إلى إطلاق مبادرة مميزة لتقديم الدعم الطبي لعدد من المتشرّدين محددي الإقامة في بيروت. استلهم سامر أبو عربيد وميشيلا أبو زيد ومرام حاكوم ورضوان مسعود قصة الطبيب والأكاديمي الأميركي، جيم ويذرز، الذي أطلق "طب الشوارع" كتجربة اجتماعية ومساعدة طبية في بلاده، وقرروا نقلها إلى بيروت.

تشابهت انطباعات الأطباء الأربعة مع انطباعات ويذرز، ولمسوا "شعور المتشرّد بأنّه منبوذ اجتماعياً لذلك ينزوي ويرفض حتى طلب المساعدة الطبية الضرورية للحفاظ على حياته" كما يقول أبو عربيد لـ"العربي الجديد". بدأ الفريق الطبي الشاب جولاته في شارعي الحمراء ومار مخايل في مارس/ آذار الماضي، وتمكنوا من نسج علاقة صداقة مع متشرّدين اثنين أمضيا سنوات طويلة في الشوارع التي تحولت إلى منازل بلا سقف لهما.

تطورت التجربة سريعاً من محاولة تقديم مساعدة طبية فقط إلى الاستماع إلى قصص المتشرّدين والظروف التي نقلتهم من أحضان أسرهم إلى الشارع. يأمل الأطباء أن تُنشر هذه القصص لما تحمله من معانٍ ومآسٍ. استفاد الأطباء الشباب من مجموعة قواعد عمل وضعها الطبيب الأميركي، وتشمل قائمة بأخلاقيات المساعدة وكيفية تقديمها إلى المتشرّدين، وطبقوها في الحالتين اللتين تجري متابعتهما حالياً. يشير أبو عربيد إلى "إجراء فحص جسدي شامل في البداية للمتشرّدين من العينين وحتى ضغط الدم، ثم إجراء فحوصات الدم لتحديد وضعهما الصحي بشكل دقيق".

مع تطور العمل، يحاول الأطباء توقيع اتفاقيات مكتوبة مع جمعيات معنية بتقديم الدعم الصحي والطبي للمحتاجين بهدف تأمين إجراء فحوصات الدم وصور الأشعة وحتى تأمين الأدوية الأساسية التي قد يحتاجها المتشرّدون. وكما نجح الطبيب الأميركي في تحويل عدد من المتشرّدين الذين تلقوا العلاج الطبي إلى متطوعين ضمن فريقه، يضع الفريق اللبناني ضمن أهدافه تحويل المتشرّدين الذين عولجوا إلى مسؤولين عن التواصل مع المتشرّدين الآخرين وتعريفهم على المبادرة لمساعدتهم وإخراجهم من دائرة العزلة التي وجدوا أنفسهم فيها.

كذلك، تحاول المجموعة تشكيل ملفات طبية لمتشرّدين ومحاولة وقايتهم من الأمراض المحتملة التي قد يعانون منها بسبب ظروف الطقس والإقامة في أماكن غير نظيفة وغير صحية، وليس معالجة الأمراض الحالية التي يعانون منها فقط. ويسعى الأطباء أيضاً إلى ضم اختصاصي في علم النفس إلى فريقهم لمساعدتهم في التعامل مع المشاكل النفسية لدى المتشرّدين، التي تشكل عائقاً رئيساً بينهم وبين المساعدة الطبية التي يحتاجونها.

يأمل الفريق أن ينجح في إعادة القيمة الإنسانية إلى اختصاص الطب الذي تحول إلى علاقة تجارية بين زبون ومقدم خدمات في بعض الأحيان. يؤكد أبو عربيد أنّ "بعض الأطباء نسوا أنهم تخصصوا في مجال الطب لمساعدة المواطنين. والمرضى ليسوا فقط في المستشفيات والمستوصفات، بل في الشارع أيضاً".

المساهمون