يفضّل عدد كبير من الأطباء في اليمن الهجرة إلى دول عربية أو أجنبية علّهم يحسّنون أوضاعهم في ظل تردي المنظومة الصحية في البلاد. ويجد ذوو الكفاءات أنفسهم أمام خيارين: إما التعايش مع الفقر والعوز، أو الهجرة بهدف رفع مستوى معيشتهم وضمان حياة كريمة لأسرهم.
اختار الطبيب، مجيب الرحمن الوليدي، الهجرة إلى السعودية عام 2006. في ذلك الوقت، كان الوضع الاقتصادي في اليمن صعباً، ما انعكس عليه كطبيب. يقول لـ "العربي الجديد": "كنت أعمل في وظيفتين كي أؤمن لعائلتي حياة كريمة. الأولى في مستشفى حكومي والثانية في مستشفى خاص. على الرغم من ذلك، كانت الحياة صعبة باعتبار، أن الرواتب كانت قليلة جداً، وكان يحصل من الوظيفتين على مبلغ لا يتجاوز الـ 50 ألف ريال يمني (250 دولاراً أميركياً)، لافتاً إلى أن الهجرة في تلك المرحلة كانت تعد مخاطرة، لكنه يشعر بالرضا والارتياح، اليوم، لأن قراره كان صائباً، على حد قوله.
يضيف: "كنا نحلم بالتخصص، وكان ذلك مستحيلاً بالنسبة إلينا حين كنا في اليمن. بعدما هاجرت، أصبحت الفرص متاحة"، مشيراً إلى أن كثير من الأطباء يعيشون وأسرهم حياة كريمة ويكملون دراساتهم العليا سواء على نفقتهم الخاصة أو من خلال الهيئة السعودية للتخصصات الصحية للأطباء العاملين في القطاع الحكومي.
من جهته، يعمل غمدان السدح استشارياً مساعداً في العناية المركزة في مدينة الأمير سلطان الطبية العسكرية في الرياض. يقول: "لا يجد الطبيب في اليمن الثقة والاحترام من المريض الذي يفضل الطبيب الأجنبي"، مشيراً إلى أن المواطنين يتأثرون بما يدور في المجالس. ويتطرق إلى "فساد المنظومة الصحية في البلاد وفشلها وعدم قدرة الدولة على حماية الطبيب، كونه عرضة لجميع المخاطر الأمنية، بما فيها القتل"، مشيراً إلى جريمة قتل الطبيب درهم القدسي داخل أحد أكبر المستشفيات في صنعاء قبل سنوات.
في الوقت نفسه، يتحدث عن تدني مستوى دخل الطبيب في اليمن، الذي يتقاضى راتباً متواضعاً، مبيناً أن الممرضة الهندية تتقاضى ضعف راتب الطبيب ابن البلد، واصفاً الأمر بشكل من أشكال الفساد المالي والإداري في المؤسسات الصحية. يضيف أن العروض التي يحصل عليها الأطباء من دول الخليج العربي تشكل حافزاً للهجرة بالنسبة إليهم.
يحكي السدح تجربته التي دفعته إلى مغادرة بلده من أجل العمل. يقول: "بعد حصولي على شهادتي الزمالة الأردنية والعربية، جاءتني عروض عمل في دول الخليج العربي، ورفضتها والتزمت بالعمل في بلادي، وأحلم بمستقبل مختلف للوطن". ويشير إلى أنه قضى عامين كاملين في صنعاء من دون عمل، واصفاً إياهما بـ "عامين من الضياع"، ما جعله يهاجر.
من جهته، يشير مدير المستشفى العسكري السابق، خالد باكر، إلى إنفاق الحكومة اليمنية عشرات آلاف الدولارات على أبنائها، خلال فترة تعليمهم. لكن هذا الأمر ينتهي بذهاب هؤلاء الطلاب بعد تخرجهم إلى دول أخرى "كاستشاريين أو متخصصين" ما يضيع عليهم فرصة الاستفادة منهم. ويشير إلى أن الخسارة مضاعفة لدى استقدام كادر أجنبي بدلاً من المحلي. يضيف لـ "العربي الجديد": "في أحيان كثيرة، تعاني المستشفيات اليمنية من العجز، وهذا ما ينعكس سلباً على الخدمة المقدمة للمرضى، ما يدفع كثيراً منهم إلى السفر إلى الخارج بهدف العلاج".
إلى ذلك، تواجه الطبيبة اليمنية صعوبة في قبول أي عروض عمل خارج البلاد، إذ تمنع من السفر بفعل العادات والتقاليد. تعمل نسيبة الجُميلي في هيئة مستشفى الثورة العام، وهو أكبر مستشفى في اليمن، وتواجه كبقية زميلاتها رفض عائلاتهن فكرة اغترابهن للعمل أو إكمال الدراسة خارج اليمن.
هجرة جماعية
لا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد الأطباء اليمنيين الذين هاجروا إلى دول أخرى بهدف العمل. إلا أن مصادر طبية تشير إلى أن عاصمة المملكة العربية السعودية، الرياض، كانت قد استقبلت نحو 73 طبيباً يمنيّاً عام 2011 في مختلف التخصصات. وتؤكد الطبيبة نسبية الجميلي أن نحو 20 طبيباً من مستشفى الثورة العام غادروا البلاد عام 2014، مشيرة إلى أن حجم خسارة المستشفى كان كبيراً.
اقرأ أيضاً: أطباء بلا حدود: مرضى اليمن يموتون على الحواجز