تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع العربية. "الأدب العربي غني ومتنوّع وقريب من ذوقنا"، يقول المترجم التركي.
■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
- بدأت علاقتي باللغة العربية منذ يوم ميلادي، عندما قرأ والدي الأذان المحمّدي في أُذني اليمنى. تعلُّم القرآن الكريم في مرحلة الطفولة كانت أوّل خطوة لتعلّم اللغة العربية. كنت طفلاً وتلقّيتُ التعليم في أحد مساجد حارتنا وأنا في محافظة قونيا. بدأ انشغالي باللغة العربية بشكل رسمي في مدرسة الأئمة والخطباء، ثم تابعتُ دراستي للغة التركية والعربية في كلية الآداب واللغة التركية في جامعة أرضروم. الاستماع إلى الإذاعات العربية قبل النوم في غرفتي في المدرسة كان له دور كبير في التقرُّب من العربية.
■ ما أول كتاب ترجمته وكيف جرى تلقّيه؟
- في بداية الأمر، قمتُ بترجمة قصّتَين من الفرنسية: أولاهما قصّة لليلى صبّار، والثانية لإبراهيم الكوني. يجب أن أذكر هنا الأستاذ نوري باكدل، فهو الذي أسّس مجلة "الأدب"، وشوّقنا للترجمة، رحمة الله عليه. أمّا أول كتاب ترجمته من العربية فهو "أبجدية ثانية" لأدونيس، وطبع في عام 1995. بعد ذلك قمت بترجمة كتاب نزار قبّاني "يوميات مدينة كان اسمها بيروت". قصّتي مع قباني بدأت في محافظة قونيا، عندما رأيت جريدة بالعربية وهي "الحياة" التي كانت تُباع في أحد المحلات الصغيرة. أصبحتُ من قرّاء الجريدة ومن محبّي الشاعر السوري، من كثرة ما قرأتُ عنه في تلك الصحيفة. صديقُنا عبد الحميد كان مصوّراً في قونيا في التسعينيات وأعطاني يوماً "يوميات مدينة كان اسمها بيروت" وقمتُ بترجمته إلى التركية، ولقي اهتماماً كبيراً في الساحة التركية واستمر الاهتمام به إلى يومنا هذا، حتى وصل الأمر إلى نفاد الطبعة الثالثة منه.
■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
- قمت بترجمة "محمّد.. الرسول البشر" لتوفيق الحكيم. لكن مع الأسف لم نجد أي مخاطَب من دار النشر في مصر لإتمام عملية شراء حقوق الطبع! في الوقت الحالي أترجم نصوص نزار قبّاني حول الأندلس وإسبانيا.
الحصول على حقوق النشر أبرز عقبة تواجه المترجم التركي
■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟
- الوصول إلى الجهات المعنية؛ أي دور النشر، حتى نتمكن من شراء حقوق النشر. هذه من العقبات المهمّة بالنسبة إلينا في تركيا. اللغة العربية لغة غنية وتحمل في طياتها معاني وألفاظاً متعدّدة، يتوجّب علينا التمعُّن في اختيار الكلمات والعبارات المناسبة لكي تكون الترجمة بالشكل المطلوب وجاهزة للطباعة؛ فالبحث عن الكلمات والمصطلحات المناسبة أمر صعب للغاية.
■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- أظهرت الساحة التركية اهتماماً بالغاً باللغة العربية منذ أمد طويل، ابتداءً من العهد العثماني. سيلاحظ الباحث في التاريخ العثماني بأن هناك العديد من الكتب المترجَمة من العربية إلى التركية في مختلف المجالات الثقافية والعلمية. الكتب الفكرية والدينية والعلمية المترجمة إلى التركية وصلت إلى أعداد لا بأس بها، على سبيل المثال: آثار سيّد قطب تُترجَم لكن أشعاره لم تُترجَم بعد. وهذا دليل على أنّ معظم الآثار تلقى اهتماماً من قبل القارئ التركي.
هناك تعاون متواصل مع الأصدقاء العرب على عكس المؤسّسات
■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟
- نعم هناك تعاون متواصل مع الأصدقاء العرب دائماً. بعضهم كانوا طلّابنا في كلّية الآداب واللغة التركية في محافظة حلب. أريد ان أذكر هنا حسين يوسف وزوجته ياسمين. كنّا كلّ يوم نلتقي ونتحدّث حول مجريات الساحة العربية بشكل عام. لكن على الصعيد المؤسّساتي لم ترتق العلاقة إلى المستوى المطلوب نتيجة صعوبة التواصل مع المؤسّسات.
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
- لا شك في أن الأدب العربي قديم وغني ومتنوّع وقريب من الذوق التركي، لذلك ترك بصمة واضحة في الأدب العثماني. القارئ التركي مدرك لأهمية الأدب العربي والاطلاع على هذا الأدب سيكون مكسباً له. ويجب ألا ننسى أيضاً أنّ غالبية الشعب التركي مسلم ومن أتباع القرآن الكريم. وهناك قيم أدبية وتاريخية مشتركة بينه وبين والشعوب العربية. هناك حقائق لا نتمكّن من تجاهلها وتزيد من مسؤوليتنا في هذا الصدد.
بطاقة
ibrahim demirci كاتب ومترجم وأكاديمي تركي من مواليد 1956 في محافظة قونيا. تخرّج من قسم اللغة التركية وآدابها بجامعة أرضروم. نال شهادة الماجستير من جامعة صامصون برسالة عنوانها "عالم شعر بهجت نجاتي"، ثم انتقل إلى جامعة سلجوق في قونيا وقدّم أطروحته بعنوان "نثر أحمد هاشم من حيث الشكل والمضمون"، ونال من خلالها شهادة الدكتوراه في الأدب التركي.
عمل مدرّساً في المدارس الثانوية في قونيا وأماصيا وهاتاي (الإسكندرون). عمل مدرّساً في قسم اللغة التركية وآدابها بجامعة حلب بين 2008 و2009. عندما كان مدرّساً في قسم اللغة التركية الحديثة بجامعة أرتفين، وُظّف في وزارة التربية التركية كعضو في مجلس التربية والتعليم. وفي 2019 استقال من منصبه.
كتب الشعر والمسرحيات والمقالات والنقد طوال حياته الأدبية التي بدأها في مجلة "الأدب". قام بترجمة العديد من الآثار من العربية والعثمانية التركية. كتب في صحيفة "يني شفق" في الزاوية اللغوية مرّة في الأسبوع مستعيرا اسم "إبراهيم كاردش". وهو عضو في مجلس كتّاب مجلّة "الهجاء".
من إصداراته الشعرية: "الحروق"، و"برج القمر"، وفي المسرح: "من كسر هذا الزجاج؟"، وفي المقالة: "كتابات مجروحة"، و"هاي هاي حياة"، و"لغة اللغات".
وصدر له في الترجمة: "أبجدية ثانية" و"تنبّأ أيها الأعمى" و"كونشيرتو القدس" لأدونيس، و"يوميات مدينة كان اسمها بيروت" لنزار قباني، و"قصائد مغضوب عليها وغيرها" لقبّاني (بالاشتراك مع توران كوتش)، و"الأشجار واغتيال مرزوق" لعبد الرحمن منيف (بالاشتراك مع حسن حرمنجي)، كما ترجم بعض كتب الطفل؛ مثل: "يدي"، و"قدمي"، و"جدّتي نفيسة".