تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية.
■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
بدأت علاقتي باللغة العربية منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة، أي عندما التحقت بالجامعة الإسبانية وأنا طالب شاب و"ساذج" بغرض دراسة اللغة الإسبانية وآدابها. كنت في ذلك الحين مولعاً بتعلُّم اللغات، وعلى وجه الخصوص اللغات الكلاسيكية مثل اللاتينية واليونانية، وقد أخذتُ العربية لغة اختيارية ثالثة، يمكن القول عن طريق المصادفة، إذ لم أتمكن من التسجيل في صف اليونانية التي كانت خياري الأول، ولكن كان هناك أيضاً دافعُ الفضول والرغبة في اكتشاف عالم جديد كنت قد سمعت عنه الكثير. وسرعان ما أصبحتُ من محبّي اللغة العربية ومشجّعيها لما فيها من دقة تعبيرية وثروة معجمية وسحر نطقيّ إن صحَّ التعبير. وبعد مضيّ سنوات طوال في الانكباب على دراستها، صرتُ أستاذاً للغة العربية في الجامعة الإسبانية.
■ ما هو أول كتاب ترجمته وكيف جرى تلقيه؟
بالنسبة للأدب العربي الحديث، فإن أوّل كتاب ترجمته هو كتاب ألّفه الناقد والروائي المغربي عبد القادر الشاوي وعنوانه "الساحة الشرفية". صدر الكتاب عن دار نشر صغيرة غير معروفة على المستوى الوطني، ولعل ذلك هو سبب قلة انتشاره لدى جمهور القرّاء الإسبان، غير أنني تلقيت تقييمات إيجابية من طرف بعض الأدباء والمهتمّين.
■ ما هو آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
آخر إصدار لي على مستوى الترجمة من العربية إلى الإسبانية هو رواية "عزازيل" للكاتب المصري يوسف زيدان، وقد نلت بهذا العمل الترجمي المرتبة الثانية في "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي" عام 2016. أما الإصدار القادم، فهو مشروع لا يزال في الخطوات الأولى؛ كتاب "الساق على الساق فيما هو الفارياق" للكاتب اللبناني أحمد فارس الشدياق، باعتباره أحد أبرز روّاد النهضة العربية.
■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟
إن أكبر عقبة تواجهني عند ترجمة العربية إلى الإسبانية هي صعوبة الابتعاد عن الأصل، ولو قليلاً، من أجل موافاة القرّاء الإسبان بلغة لا تكون غريبة على آذانهم، فرؤيتي للترجمة تفرض عليّ أن أحاول الحيلولة دون تقليد القوالب التركيبية والإيقاع العربي الأصيل تقليداً آلياً، لأن المرجوّ من المترجم - حسب رأيي - هو إنشاء نص سلس لا يحسّ القارئ عند تذوّقه بأنه حيال نص أجنبي. وهناك عقبة أخرى لا بد من ذكرها وإبرازها، مثل الثروة المعجمية العربية التي تجبرني كثيراً ما على البحث الطويل عن ألفاظ إسبانية تقابل المترادفات العربية دون الوقوع في التكلّف التعبيري غير المرغوب فيه.
■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معيّنين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
فعلاً، يحتل الأدب العربي المركز الأول من حيث اهتمام المترجمين الأجانب، ويبقى سائر الإنتاج العربي مهمّشاً غير متداول بلغات أخرى، ولعل سبب ذلك هو أن معظم المترجمين (وأنا من بين صفوفهم) ينحدرون من صفوف التخصّصات الجامعية المتركزة على اللغة العربية وآدابها، فلديهم ميل طبيعي إلى ترجمة الأدب دون الفكر أو الفلسفة أو العلوم. أضف إلى ذلك أن الأدب العربي له جاذبية إلى حد كبير لدى قرّاء البلدان الغربية إذ إنه محاط بجوّ سحري وغرائبي يثير اهتمام عشاق الأدب في حين أن الأصناف الإنتاجية الأخرى لا تحظى بنفس الإقبال. أما السبيل لتجاوز هذه الحالة، فلا أستطيع القول إن لديّ إجابة حاسمة، ربما يكمن في تشجيع المترجمين الشبّان على هذا النوع من الإنتاج عبر برامج ترجمة تموّلها المؤسّسات العامة، سواء من العالم العربي أو من البلدان الغربية.
■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟
هناك تعاون بيني وبين مؤسّستين في العالم العربي، أولاهما "مدرسة الملك فهد العليا للترجمة" في مدينة طنجة والمنتمية إلى "جامعة عبد المالك السعدي" المغربية، فقد ألقيت دروساً في الترجمة في هذه المؤسسة ولدي روابط علمية تجمعني مع بعض الأساتذة والمترجمين العاملين فيها، وتحديداً مع المترجم والكاتب مزوار الإدريسي الذي ترجم معي مؤخراً كتاباً إسبانياً إلى اللغة العربية عنوانه "إسبانيا الله" يصف أوضاع المسلمين في إسبانيا وكل ما يترتّب عن حضور عدد متزايد من المسلمين في إسبانيا من مشاكل وفرص. ولدي تعاون مع "مؤسسة منتدى العلاقات العربية والدولية" الواقعة في الدوحة والتي تشجّع على ترجمة مؤلفات عالمية إلى اللغة العربية.
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
من الصعوبة بمكان تحديد المزايا الأساسية للأدب العربي، فهو متنوّع ومتعدّد. على كل حال وانطلاقاً من تجربتي الشخصية كمترجم، أستطيع القول إن الروايات العربية تتميز بنزعة ما إلى الجمال في الأسلوب، هذا الأسلوب يترك صدى عميقاً لدى القارئ الذي يقع في سحر الكلمات. هذا بطبيعة الحال إنما هو انطباع شخصي، ولكني كلما أقرأ رواية عربية أشعر بنوع من الانبهار أمام تدفق الكلمات وسلاسة التعبير وأجد صعوبة بالغة في نقل هذا الجو وهذا السحر إلى اللغة الإسبانية التي تنقصها القدرة الإيحائية الخاصة بالعربية.
بطاقة
ولد إغناثيو فرّاندو ignacio ferrando في سرقسطة عام 1966، ويشتغل حالياً أستاذاً وباحثاً في مجال اللغة العربية وآدابها في "جامعة قادش" الإسبانية. من بين ترجماته: "الساحة الشرفية" (2005) لـ عبد القادر الشاوي، و"فتنة الرؤوس والنسوة" (2008) لـ بنسالم حميش، و"كائنات محتملة" (2009) لـ محمد عزالدين التازي، و"عزازيل" (2014) لـ يوسف زيدان، و"جارات أبي موسى" (2014، الصورة) لـ أحمد توفيق.