في صباح الاثنين الباكر، وبينما تتكدّس السيارات في إشارات المرور بمنطقة وسط البلد في القاهرة، انتبه الركاب إلى سؤال طرحه شاب يجلس خلف آخر على دراجة بخارية "لو قررت أترشح للرئاسة، هل تنتخبني؟" رد عليه سائق سيارة أجرة يُقلّ راكبة: "أنتخبك طبعًا.. أنت أحسن منهم"، فأجابه الشاب السائل "جمعتُ 14 توكيلاً حتى الآن"، قبل أن يزيد العدد بردود ركاب السيارات المجاورة: "نعم ننتخبك".
يبدو أن رهاناً مازحاً افترضه الشابان على الدراجة البخارية، يتعلق بإمكانية جمع التوكيلات من أجل الترشح لرئاسة الجمهورية، إذ يلزم القانون المصري المرشح بالحصول على 20 تزكية على الأقل من نواب البرلمان أو جمع 25 ألف توكيل شعبي ممن يحق لهم الانتخاب من 15 محافظة على الأقل، بحد أدنى ألف مواطن من كل محافظة.
يمثل هذان الشابان قطاعاً عريضاً من الشعب المصري غير المكترث بالانتخابات ومرشحيها وجدواها. يتعاملون مع الأمر بقدر كبير من السخرية في ظل أجواء انتخابية توشي بنتائجها مسبقًا. لكنّ هذا القدر الكبير من السخرية وعدم الاكتراث، يقابله على منصات التواصل الاجتماعي حالة مناقضة تمامًا من الترقب والتحليل والتدقيق في كل ما يصدر عن سياسيين وخبراء أو حتى قادة الرأي.
ففي بيئة إعلامية أحادية الجانب، تتخذ من السلطة قِبلةً لها، وفي ظل مئات المواقع الإلكترونية المصرية والعربية المحجوبة، لا يوجد سوى مواقع التواصل الاجتماعي وسيلةً للتواصل وطرح كل وجهات النظر، وهو ما حوّلها إلى ساحة إعلامية بالمعنى الحرفي، إذ يعلن مرشحون خوضهم الانتخابات من خلال حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتُطرح البيانات الرسمية من خلالها، بل إن وسائل إعلام دولية وجدت منها عينة عشوائية معبّرة عن المجتمع المصري من أجل طرح استفتاءات رأي حول مرشحي الرئاسة.
هذا فيما تواصل وسائل الإعلام المصرية التي تسيطر عليها الدولة، في سرد "إنجازات الرئيس" والدعوة للمشاركة في الانتخابات، والهجوم على المنافسين حتى وإن ضعفت فرصهم الحقيقية. وكان أكثر من 500 نائب بمجلس النواب المصري، قد وقّعوا على خطابات تزكية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، من أجل خوضه الانتخابات الرئاسية، قبل أن يعلن السيسي نفسه رسميًا قراره بما يقرب من أسبوع.
التسريبات أيضًا، والتي أصبحت سمة العصر في مصر، شقّت طريقها عبر منصات التواصل الاجتماعي، بل يتبارى المؤيدون لكل فريق، على كشف المستور والنبش في تاريخ المنافسين على منصات التواصل الاجتماعي، باعتبارها "حجة عليهم".
ولكن على الرغم من كل هذا الزخم والاحتقان الذي تبدو عليه مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الحالية؛ إلا أن التخوف من خلو اللجان الانتخابية من الناخبين يفرض نفسه وبقوة. وليس مشهد انتخابات الرئاسة المصرية عام 2014 ببعيد، بل سبقته حالة مماثلة من الجدل والسجال والزخم على منصات التواصل الاجتماعي أيضًا.
ففي انتخابات الرئاسة عام 2014 التي فاز فيها السيسي على المرشح المدني حمدين صباحي، بنسبة بلغت 96.91 في المائة، من إجمالي الأصوات الصحيحة، مقابل 3.09 في المائة لمنافسه حمدين صباحي، بنسبة مشاركة 47.45 في المائة من إجمالي الناخبين المقيدين في الكشوف، كان المشهد الأبرز فيها هو "خلو اللجان"، على الرغم من التأييد الواسع الذي حظي به صباحي حينها من قوى وأحزاب وائتلافات أدارت المشهد الانتخابي من منصات التواصل الاجتماعي، وفشلت في تحقيق الشعار الذي رفعته "التلات بتاع حمدين".
وكانت الانتخابات قد أُجريت حينها على مدار أيام الأحد والاثنين والثلاثاء. وفيما خلت اللجان من الناخبين في أول يومين، دعت حملة حمدين صباحي أنصاره للتوجه لانتخابه يوم الثلاثاء الذي لم يختلف عن سابقيه في شيء.
هذا هو الرهان الأكبر في مصر حاليًا. الخوف من المقاطعة هو الهاجس الأكبر لمرشحي الرئاسة وحملاتهم، وكذلك لقادة الرأي والأحزاب السياسية والناشطين باختلاف انتماءاتهم الأيديولوجية.
ويعد البيان الصادر أول من أمس، من عدد من الشخصيات العامة والقوي السياسية، خير دليل على هذا التخوّف. إذ قالوا في بيانهم المفتوح لجمع التوقيعات عليه "يا شعب مصر، بلادكم في مفترق الطرق والتغيير حتمي وممكن، والمقاطعة انحياز للأوضاع القائمة. مصر أمام خيارين لا ثالث لهما: استمرار الأوضاع الحالية والتي تهدد الطموحات المشروعة للشعب المصري في الحرية والعيش الكريم، أو أن تنهض كل قوى المجتمع صاحبة المصلحة في التغيير لتصنع حاضرها ومستقبلها وتستعيد ثورتها من أعدائها وتحافظ على تراب أرضها المقدسة".
وأضافوا "المقاطعة الآن تخلٍّ عن نُصرة مصر في وقت تحتاجنا فيه، نحن قادرون، وفجر التغيير يبزغ بإرادتنا"، مختتمين بيانهم بالدعوة لتحرير توكيلات للمرشح الرئاسي المحتمل، خالد علي، وشعار "لا للمقاطعة والسلبية".
كما أن الفريق الرئاسي الذي سبق أن دشّنه العالم المصري عصام حجي، على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أصدر بيانًا بالأمس، عدل فيه عن موقفه من مقاطعة الانتخابات، إلى المشاركة فيها، وجاء فيه "بعد اتصالات مع القوى المدنية داخل مصر، وبعد تشاوُر بين أعضاء المبادرة، نرى أن اتخاذ موقف المقاطعة في ظل وجود شرفاء قرروا المُضي قدماً في معركة الانتخابات، مضحّين بالكثير في مواجهة خصم لا يتورع عن الفتك بخصومه بكل الوسائل المتاحة، تخلياً عنهم وعن واجبنا الوطني تجاه زملائنا لا نستطيع أن نتحمله على ضمائرنا، وأنه برغم أن الانتخابات بلا ضمانات كافية تضمن نزاهتها، إلا أن حماس الراغبين في الاشتراك قادرٌ على قلب كل الموازين، وكثافة المشاركة إذا ما استمرت تلك الروح تعد في ذاتها فرصة عظيمة لانتزاع الحقوق وإعطاء الانتخابات رغم كل الصعوبات ما يجعلها فرصة مهمة للتغيير، ولذلك ولأننا نملك شجاعة التراجع وتصويب الخطأ، ولا نرى في أنفسنا كبراً في تصويب موقفنا إذا ما ارتأينا ما هو أصوب".
اقــرأ أيضاً
يمثل هذان الشابان قطاعاً عريضاً من الشعب المصري غير المكترث بالانتخابات ومرشحيها وجدواها. يتعاملون مع الأمر بقدر كبير من السخرية في ظل أجواء انتخابية توشي بنتائجها مسبقًا. لكنّ هذا القدر الكبير من السخرية وعدم الاكتراث، يقابله على منصات التواصل الاجتماعي حالة مناقضة تمامًا من الترقب والتحليل والتدقيق في كل ما يصدر عن سياسيين وخبراء أو حتى قادة الرأي.
ففي بيئة إعلامية أحادية الجانب، تتخذ من السلطة قِبلةً لها، وفي ظل مئات المواقع الإلكترونية المصرية والعربية المحجوبة، لا يوجد سوى مواقع التواصل الاجتماعي وسيلةً للتواصل وطرح كل وجهات النظر، وهو ما حوّلها إلى ساحة إعلامية بالمعنى الحرفي، إذ يعلن مرشحون خوضهم الانتخابات من خلال حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتُطرح البيانات الرسمية من خلالها، بل إن وسائل إعلام دولية وجدت منها عينة عشوائية معبّرة عن المجتمع المصري من أجل طرح استفتاءات رأي حول مرشحي الرئاسة.
هذا فيما تواصل وسائل الإعلام المصرية التي تسيطر عليها الدولة، في سرد "إنجازات الرئيس" والدعوة للمشاركة في الانتخابات، والهجوم على المنافسين حتى وإن ضعفت فرصهم الحقيقية. وكان أكثر من 500 نائب بمجلس النواب المصري، قد وقّعوا على خطابات تزكية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، من أجل خوضه الانتخابات الرئاسية، قبل أن يعلن السيسي نفسه رسميًا قراره بما يقرب من أسبوع.
التسريبات أيضًا، والتي أصبحت سمة العصر في مصر، شقّت طريقها عبر منصات التواصل الاجتماعي، بل يتبارى المؤيدون لكل فريق، على كشف المستور والنبش في تاريخ المنافسين على منصات التواصل الاجتماعي، باعتبارها "حجة عليهم".
ولكن على الرغم من كل هذا الزخم والاحتقان الذي تبدو عليه مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الحالية؛ إلا أن التخوف من خلو اللجان الانتخابية من الناخبين يفرض نفسه وبقوة. وليس مشهد انتخابات الرئاسة المصرية عام 2014 ببعيد، بل سبقته حالة مماثلة من الجدل والسجال والزخم على منصات التواصل الاجتماعي أيضًا.
ففي انتخابات الرئاسة عام 2014 التي فاز فيها السيسي على المرشح المدني حمدين صباحي، بنسبة بلغت 96.91 في المائة، من إجمالي الأصوات الصحيحة، مقابل 3.09 في المائة لمنافسه حمدين صباحي، بنسبة مشاركة 47.45 في المائة من إجمالي الناخبين المقيدين في الكشوف، كان المشهد الأبرز فيها هو "خلو اللجان"، على الرغم من التأييد الواسع الذي حظي به صباحي حينها من قوى وأحزاب وائتلافات أدارت المشهد الانتخابي من منصات التواصل الاجتماعي، وفشلت في تحقيق الشعار الذي رفعته "التلات بتاع حمدين".
وكانت الانتخابات قد أُجريت حينها على مدار أيام الأحد والاثنين والثلاثاء. وفيما خلت اللجان من الناخبين في أول يومين، دعت حملة حمدين صباحي أنصاره للتوجه لانتخابه يوم الثلاثاء الذي لم يختلف عن سابقيه في شيء.
هذا هو الرهان الأكبر في مصر حاليًا. الخوف من المقاطعة هو الهاجس الأكبر لمرشحي الرئاسة وحملاتهم، وكذلك لقادة الرأي والأحزاب السياسية والناشطين باختلاف انتماءاتهم الأيديولوجية.
ويعد البيان الصادر أول من أمس، من عدد من الشخصيات العامة والقوي السياسية، خير دليل على هذا التخوّف. إذ قالوا في بيانهم المفتوح لجمع التوقيعات عليه "يا شعب مصر، بلادكم في مفترق الطرق والتغيير حتمي وممكن، والمقاطعة انحياز للأوضاع القائمة. مصر أمام خيارين لا ثالث لهما: استمرار الأوضاع الحالية والتي تهدد الطموحات المشروعة للشعب المصري في الحرية والعيش الكريم، أو أن تنهض كل قوى المجتمع صاحبة المصلحة في التغيير لتصنع حاضرها ومستقبلها وتستعيد ثورتها من أعدائها وتحافظ على تراب أرضها المقدسة".
وأضافوا "المقاطعة الآن تخلٍّ عن نُصرة مصر في وقت تحتاجنا فيه، نحن قادرون، وفجر التغيير يبزغ بإرادتنا"، مختتمين بيانهم بالدعوة لتحرير توكيلات للمرشح الرئاسي المحتمل، خالد علي، وشعار "لا للمقاطعة والسلبية".
كما أن الفريق الرئاسي الذي سبق أن دشّنه العالم المصري عصام حجي، على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أصدر بيانًا بالأمس، عدل فيه عن موقفه من مقاطعة الانتخابات، إلى المشاركة فيها، وجاء فيه "بعد اتصالات مع القوى المدنية داخل مصر، وبعد تشاوُر بين أعضاء المبادرة، نرى أن اتخاذ موقف المقاطعة في ظل وجود شرفاء قرروا المُضي قدماً في معركة الانتخابات، مضحّين بالكثير في مواجهة خصم لا يتورع عن الفتك بخصومه بكل الوسائل المتاحة، تخلياً عنهم وعن واجبنا الوطني تجاه زملائنا لا نستطيع أن نتحمله على ضمائرنا، وأنه برغم أن الانتخابات بلا ضمانات كافية تضمن نزاهتها، إلا أن حماس الراغبين في الاشتراك قادرٌ على قلب كل الموازين، وكثافة المشاركة إذا ما استمرت تلك الروح تعد في ذاتها فرصة عظيمة لانتزاع الحقوق وإعطاء الانتخابات رغم كل الصعوبات ما يجعلها فرصة مهمة للتغيير، ولذلك ولأننا نملك شجاعة التراجع وتصويب الخطأ، ولا نرى في أنفسنا كبراً في تصويب موقفنا إذا ما ارتأينا ما هو أصوب".