وجدت باب بيت جدي مغلقاً منذ يومين. هذا ليس تفصيلاً بسيطاً. فهي المرّة الأولى التي أراه مغلقاً. سأخبركم عن البيت. بيت جدّي كان كبيراً. كبيراً جداً إلى درجة أنّني وأقاربي خطر لنا أن نقيم مسبحاً داخله. كان البيت حريّتنا. تجربتنا. كان فرارنا من كلّ شيء إلى كلّ شيء. نتحدّث عن منزل يجمع على مائدته أكثر من 80 فرداً من الأبناء وصولاً إلى الأحفاد وأبناء الأحفاد.
لم أدخل يوماً إلى بيت جدي ووجدته فارغاً أو حتّى هادئاً. كان يمكن أن ترى جوقة من 30 طفلاً، أكبرهم في العاشرة، يغنّون بصوت واحد أغنية "اشتقت لعذابك" لغالب عنتر. لا أعرف لمَ هذه الأغنية تحديداً لكنّني أتذكرها كأكثر لحظاتنا درامية في عمر العاشرة. فبيت جدّي لم يكن بيتاً. بيت جدي كان عالماً. كان مسرحنا، سينمانا، موسيقانا، غابتنا، مطبخنا وسريرنا.
ولكن كان علينا أن نكبر، وكان على المنزل أن يتغيّر. وتغيّر الحياة في بيت جدي يمكن أن يُختَصَر بمشهد الأحذية أمام المدخل الخشبي. تخيلوا أكثر من 80 جوزاً من الأحذية أمام المدخل الخشبي الكبير. أحذية من المقاسات والأشكال والألوان كافّة. كان علينا تجاوز جميع هذه الأحذية للوصول إلى الحديقة مثلاً. كان الصغار منّا يتسلّون بصفّ الأحذية ويرسمون بها أشكالاً عدّة. أما نحن، الأكبر سناً، فكنّا نستعمل الأحذية كجسور للعبور أو حتّى متاريس وأسلحة حربية.
الأحذية الشتوية هي أسلحة من العيار الثقيل، أمّا الأسلحة الصيفية فهي أسلحة من النوع الخفيف، لكن الذي يترك ندوباً أبدية. أذكر أنّ أحد أقربائي أصيب يوماً بحذاء في وسط الرأس ترك ندبة لا تزال حتّى اليوم. لكن لا يهمّ. طالما أنّ ندوبنا ستعيدنا إلى ذلك المنزل فلا يهم.
يزداد عددنا باستمرار. تكبر العائلة ونكبر نحن. كلّ شي يتزايد إلا عدد الأحذية أمام المدخل الخشبي الكبير. فارَقَ الصغار تلك العادة، وجاهد الكبار للإبقاء على هذا التقليد الذي رافق العائلة لأجيال. مع الوقت، لم يعد أحد يُبقي على حذائه أمام المدخل، وكنتُ أتحسّر على الجيل اللاحق لأنّه لم يجرّب متعتنا مع الأحذية.
لا أحذية أمام المدخل الكبير. أصبحت زياراتنا إلى المنزل الكبير سريعة. سريعة أكثر ممّا نريد. حتّى حريتنا، في ذلك المنزل، تخلّينا عنها جميعاً ملء إرادتنا. ورغم كلّ تجاربنا فيما بعد، يبقى المنزل الكبير أساس كلّ تجاربنا وملاذنا الأول والأخير.
هل اشتقت يوماً لحذاء؟ نعم أنا أشتاق لأحذيتنا أمام المدخل الخشبي الكبير!
لم أدخل يوماً إلى بيت جدي ووجدته فارغاً أو حتّى هادئاً. كان يمكن أن ترى جوقة من 30 طفلاً، أكبرهم في العاشرة، يغنّون بصوت واحد أغنية "اشتقت لعذابك" لغالب عنتر. لا أعرف لمَ هذه الأغنية تحديداً لكنّني أتذكرها كأكثر لحظاتنا درامية في عمر العاشرة. فبيت جدّي لم يكن بيتاً. بيت جدي كان عالماً. كان مسرحنا، سينمانا، موسيقانا، غابتنا، مطبخنا وسريرنا.
ولكن كان علينا أن نكبر، وكان على المنزل أن يتغيّر. وتغيّر الحياة في بيت جدي يمكن أن يُختَصَر بمشهد الأحذية أمام المدخل الخشبي. تخيلوا أكثر من 80 جوزاً من الأحذية أمام المدخل الخشبي الكبير. أحذية من المقاسات والأشكال والألوان كافّة. كان علينا تجاوز جميع هذه الأحذية للوصول إلى الحديقة مثلاً. كان الصغار منّا يتسلّون بصفّ الأحذية ويرسمون بها أشكالاً عدّة. أما نحن، الأكبر سناً، فكنّا نستعمل الأحذية كجسور للعبور أو حتّى متاريس وأسلحة حربية.
الأحذية الشتوية هي أسلحة من العيار الثقيل، أمّا الأسلحة الصيفية فهي أسلحة من النوع الخفيف، لكن الذي يترك ندوباً أبدية. أذكر أنّ أحد أقربائي أصيب يوماً بحذاء في وسط الرأس ترك ندبة لا تزال حتّى اليوم. لكن لا يهمّ. طالما أنّ ندوبنا ستعيدنا إلى ذلك المنزل فلا يهم.
يزداد عددنا باستمرار. تكبر العائلة ونكبر نحن. كلّ شي يتزايد إلا عدد الأحذية أمام المدخل الخشبي الكبير. فارَقَ الصغار تلك العادة، وجاهد الكبار للإبقاء على هذا التقليد الذي رافق العائلة لأجيال. مع الوقت، لم يعد أحد يُبقي على حذائه أمام المدخل، وكنتُ أتحسّر على الجيل اللاحق لأنّه لم يجرّب متعتنا مع الأحذية.
لا أحذية أمام المدخل الكبير. أصبحت زياراتنا إلى المنزل الكبير سريعة. سريعة أكثر ممّا نريد. حتّى حريتنا، في ذلك المنزل، تخلّينا عنها جميعاً ملء إرادتنا. ورغم كلّ تجاربنا فيما بعد، يبقى المنزل الكبير أساس كلّ تجاربنا وملاذنا الأول والأخير.
هل اشتقت يوماً لحذاء؟ نعم أنا أشتاق لأحذيتنا أمام المدخل الخشبي الكبير!