جنرال عسكري : نحن نحبه في موقعه الحالي، ولكنه قرر أن يقفز إلى كرة نار
حديث السيسي عن "ربط الحزام" لم يستقبل استقبالا طيبا في دولة نصف سكانها فقراء
فيما يقترب من إعلان ترشحه للرئاسة في مصر، يركز المشير عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع المصري على إعداد برنامج اقتصادي، يقول كبار الجنرالات ومسؤولون حكوميون، إنه يكشف المخاوف داخل الجيش من حجم المشاكل التي تواجه البلاد.
ووضع الجيش - أقوى المؤسسات في مصر- سمعته على المحك برئاسة السيسي للبلاد، بعد أن دعم كبار الجنرالات ترشحه في يناير/ كانون الثاني. وهذا يعني أنه يمكن أن يواجه رد فعل شعبيا سلبيا، إذا ما فشلت إدارته، في دولة خرجت في احتجاجات جماعية منذ عام 2011 ضد رئيسين.
وقال جنرالان مقربان من السيسي، إن الجيش على وعي بصعوبة إصلاح اقتصاد كان في حاجة إلى إصلاح، حتى قبل سقوط حسني مبارك في عام 2011، وتضعضع أكثر بفعل الاضطرابات منذ ذلك الحين. وتحدث الجنرالان ومسؤولو الحكومة الآخرون إلى وكالة الأسوشيتدبرس شريطة عدم الكشف عن هويتهم في نقاش حول الترشح تماشيا مع النظم.
وقال أحد جنرالات الجيش عن السيسي الذي يتولى الآن منصب وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء وقائد القوات المسلحة "نحن نحبه في موقعه الحالي، ولكنه قرر أن يقفز إلى كرة نار. مكانه الآن، أفضل مكان بالنسبة له، وحيث نريده - نحن في الجيش - أن يظل، ولكن إذا كان الشعب يريده أن يصبح رئيسا، فما عليه إلا أن يذهب".
ولاحظ الجنرال الثاني أن توقعات الشعب "عالية للغاية والمشاكل عديدة، وهذا موقف خطير".
وقدم السيسي، في الأسبوع الماضي، أقوى مؤشر حتى تاريخه على أنه يعتزم السعي إلى أرفع منصب في البلاد، حيث أبلغ خريجي الأكاديمية العسكرية أنه لا يمكنه "أن يدير ظهره" لمطلب شعبي.
وينظر إلى فوزه على أنه مؤكد، بالنظر إلى موجة الحماس الشعبي لقائد الجيش، منذ أطاح بأول رئيس مصري منتخب في انتخابات حرة، وهو محمد مرسي، بعد احتجاجات هائلة ضده.
وأعلن حمدين صباحي، وهو سياسي يساري، احتل المركز الثالث في انتخابات الرئاسة في عام 2013، وكذلك رئيس أركان متقاعد في القوات المسلحة هو سامي عنان، عن نيتهما خوض الانتخابات.
ورغم أنه يتعين عليه أن يترك الجيش لخوض انتخابات الرئاسة، إلا أنه سيصبح خامس رئيس في مصر يأتي من الجيش منذ الإطاحة بالملكية في الخمسينيات. والاستثناء الوحيد هو مرسي الذي شغل المنصب، لمدة عام واحد فقط.
وأمس السبت، أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قانونا ينظم الانتخابات القادمة، والتي من المتوقع أن تُجرى في نهاية إبريل/نيسان. وألمح السيسي في كلمته لطلبة الأكاديمية العسكرية أنه ينتظر تمرير القانون قبل أن يعلن ترشحه رسميا.
وقال عدد من المسؤولين الحكوميين إن السيسي ضمن حزمة معونات ضخمة من دول الخليج الغنية والحليفة - السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت - يمكن أن تساعد في الإبقاء على اقتصاد البلاد قادرا على الوفاء بالتزاماته، وهكذا يحتفظ بشعبيته، بينما يمضي في إصلاحات اقتصادية مؤلمة، مثل رفع أو إعادة هيكلة إعانات الوقود والخبز الهائلة التي تعد مسؤولة عن نصف الإنفاق الحكومي تقريبا.
ولم يتمكن المسؤولون من كشف حجم حزمة المعونات، حيث ضخت الدول الثلاث بالفعل 12 مليار دولار لمصر في برنامج طوارئ بعد الإطاحة بمرسي.
وقال المسؤولون أيضا، إن السيسي يخطط لخلق وظائف وإعطاء الشعب شيئا يجتمع حوله بسلسلة من المشاريع العملاقة، مثل بناء المنازل وتحسين التعليم والتدريب المهني لمئات الآلاف من الأطفال المشردين، وبناء مفاعل نووي، يقلص من اعتماد مصر على النفط.
وأشار السيسي إلى إيمانه باقتصاد السوق الحر.
وفي تسريبات أدلى بها في اجتماعات مغلقة، أوضح أن دعم الدولة للمواد الغذائية الأساسية والطاقة - وهي ميراث مستمر منذ أيام الاشتراكية في عهد الرئيس جمال عبدالناصر في الستينيات من القرن الماضي وتمثل استنزافا كبيرا للميزانية - يتعين إلغاؤه تماما أو إعادة هيكلته.
ويعد دعم الوقود أكبر استنزاف للاقتصاد حيث يبتلع نحو ملياري دولار سنويا. ويقول اقتصاديون إنه في الغالب يفيد كبار الصناعيين الذين لديهم شركات تعتمد على الطاقة.
ومع ابتعاد السياح والمستثمرين بسبب الاضطرابات في البلاد، ضربت البطالة الملايين، وقلصت الإضرابات التي لا نهاية لها والاعتصامات واحتجاجات الشوارع، الإنتاجية، كما أسفرت عن اختناقات مرورية في القاهرة، يقول اقتصاديون إنها تكلف الدولة ملايين من ساعات العمل.
وقال سمير عطا الله وهو خبير اقتصادي ومحاضر في الجامعة الأميركية في القاهرة "مشكلة دعم الطاقة تركت من رئيس لآخر، حتى وصلت إلى النقطة التي لا يمكن معها تجاهلها، لأن ذلك ليس مسارا يمكن أن يكون قابلا للاستدامة. سيتعين عليه أيضا أن يواجه موجة جديدة من اضطرابات العمال...ومطالب العمال لم يتم أبدا الاستجابة لها، كل ما يحصلون عليه مجرد وعود لا يتم الالتزام بها".ومن المعروف أن المتاعب الاقتصادية متشابكة مع انعدام الاستقرار في مصر.
وأدت حملة كبيرة من قبل الحكومة المدعومة من الجيش ضد أنصار مرسي وحلفائهم الإسلاميين إلى مقتل أكثر من ألفي شخص وسجن آلاف آخرين، مما يعطي للبلاد صورة الدولة التي يمزقها الصراع والانقسامات. وأول أمس الجمعة عبّرت مجموعة مكونة من 27 دولة في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عن قلقها، من استخدام مصر للعنف على نطاق واسع ضد المحتجين المعارضين، بحسب وصفها، وهو أول تعنيف من المجلس الدولي منذ بدأت الحملة على المعارضين في البلاد.
وضعفت المظاهرات من قبل مؤيدي مرسي وحلفائهم الإسلاميين في وجه الحملة القمعية، غير أن تولي السيسي الرئاسة قد يعيد إشعالها مرة أخرى.
ويقوم السيسي بخفض التوقعات، وقال إن المصريين هم في النهاية مسؤولون عن حل متاعب بلادهم.
وقال في خطابه يوم الخميس "لا تعتقدوا أن شخصا واحدا يمكنه أن يحل مشاكل، مهما كان الرئيس الذي تنتخبونه. كلا، سيتم حلها بنا جميعا. الله يساعد أولئك الذين يعملون كفريق".
وأصبح السيسي أكثر صراحة بشأن متاعب البلاد في تعليقات بثها التلفزيون يوم الخميس. وقال إن مصر تنفق 23 مليار دولار على التنمية، فيما تحتاج إلى 430 مليار دولار للوفاء باحتياجاتها الأساسية.
وقال إن "هناك مشاكل كبيرة جدا في مصر لم تتم مواجهتها على مدى أكثر من 40 سنة. الوطنية ليست كلاما. البلاد لا تتقدم بالكلام بل تتقدم بالعمل والمثابرة والتجرد والإيثار. يمكن أن يتعرض جيل أو جيلان للظلم لكي تعيش بقية الأجيال". وناشد المصريين العاملين في الخارج بصورة غير مباشرة أن يتبرعوا لبلادهم كما ناشد المصريين في البلاد بضرورة السير على أقدامهم إلى أماكن عملهم، كلما أمكنهم ذلك.
وحديثه عن "ربط الحزام" لم يستقبل استقبالا طيبا من قبل كثيرين، وهذا ليس غريبا إذا أخذنا في الاعتبار أن نصف سكان مصر الذين يبلغ تعدادهم 94 مليون نسمة يعيشون في فقر.
وقالت هبة الليثي وهي خبيرة اقتصادية تحاضر في جامعة القاهرة "ربط الحزام يمكن أن ينجح ولكن ليس مع الفقراء الذين يجاهدون للوفاء باحتياجاتهم الأساسية. لا يمكنك أن تقول ذلك للعمال الذين ليست لديهم قناة للتعبير عن مطالبهم سوى من خلال الإضرابات".