يعمد يمنيون كثر إلى استخدام الأسمدة والمبيدات الزراعية المحظورة في البلاد، خصوصاً في مزارع القات، رغبة في زيادة الإنتاج، ولعدم قدرتهم على شراء تلك المرخصة بسبب أسعارها المرتفعة، ما يهدد صحة المواطنين.
تزداد عمليات تهريب الأسمدة والمبيدات الزراعية المحظورة في اليمن في ظل غياب كامل للرقابة من قبل الجهات المعنية منذ تصاعد الحرب في مارس/ آذار عام 2015. وتلقى هذه الأسمدة رواجاً كبيراً في محال البيع العشوائية التي لا تخضع لرقابة الجهات المعنية، وتستخدم بشكل رئيسي في مزارع القات المنتشرة في معظم أنحاء البلاد، إضافة إلى مزارع الخضار.
يقول إبراهيم الهمداني، وهو مالك إحدى مزارع القات في منطقة همدان في صنعاء، إنّه لا يستطيع الاستغناء عن الأسمدة والمبيدات الزراعية لأنها تساهم في زيادة الإنتاج طوال أشهر السنة، مشيراً إلى أن غالبية هذه الأسمدة مهربة. ويقول الهمداني لـ"العربي الجديد"، إنه كغيره من المزارعين يحرص على زيادة الإنتاج، والمبيدات وحدها تضمن تكرار الإنتاج وزيادة دخل المزارعين. ويؤكّد أنّ أسعار المبيدات المهربة أقلّ لكنّها أكثر تأثيراً على المزروعات، بما فيها القات، وتساهم في حمايته من البرد والحشرات، "لهذا نقدم على شرائها بكثرة. أما أسعار المبيدات المرخصة فقد ارتفعت بشكل كبير". وعن الأضرار التي قد تصيب المنتجات الزراعية بسبب هذه المبيدات، يقول الهمداني إن الدور الرقابي للدولة غائب. لهذا، لا يوجد ما يؤكد أن هذه المبيدات سامة. "ما الذي يؤكد لي أن هذه المبيدات سامة؟ نسمع كثيراً عن الأمر، لكنها تُهرّب حتى يتفادى التجار دفع الضرائب". ويشير إلى أن "المزارعين بحاجة إلى توعية من الحكومة حول المبيدات التي يجب استخدامها وتلك التي لا يجب استخدامها، وعليها أن تواجه التهريب بدلاً من لوم المزارع الذي يريد أن يعيش من الزراعة".
إلى ذلك، يستنكر ماجد محمد، وهو أحد العاملين في محال بيع المبيدات الزراعية في صنعاء، عمليات التهريب والانتشار العشوائي لمتاجر بيع المبيدات والأسمدة الخطرة التي تهدد حياة المواطنين من جرّاء الآثار السلبية الناجمة عنها. ويوضح محمد لـ"العربي الجديد"، أنّ الكثير من المزارعين يجهلون مخاطر تلك المبيدات، خصوصاً المهربة التي تدخل البلاد من دون رقابة من الجهات المعنية، وتستخدم بعشوائية، ما يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة على المزارع والمستهلك. ويؤكد إقبال المزارعين على شراء تلك المبيدات والأسمدة، وتعد مزارع القات الأكثر استهلاكاً لها. ويشير محمد إلى وجود أكثر من ألف نوع واسم تجاري للمبيدات في الأسواق اليمنية، بينها إسرائيلية، ويمنع بيعها في كثير من الدول كونها تؤدي إلى أضرار كثيرة على المدى الطويل.
ويؤكّد المهندس الزراعي، اليمني الخامري، أن هناك ضعفاً في التعامل الرسمي مع مشكلة المبيدات الزراعية، وعدم تدخّل الإرشاد الزراعي. ويقول لـ"العربي الجديد"، إن هناك "قائمة من المبيدات الطبيعية القادرة على حل المشاكل الزراعية، خصوصاً أمراض الذبول التي تصيب أشجار القات والطماطم والخضار بكل أنواعها، والتي لا تسبب مشاكل صحية للسكان"، لافتاً إلى أن "استخدام مبيدات صديقة للبيئة هو الحل الأمثل للتخلص من الأمراض والمشاكل التي تسببها المبيدات الكيميائية المنتشرة والمهربة في السوق اليمنية".
ويؤدّي الاستخدام الخاطئ للمبيدات والأسمدة غير المصرح بها إلى انخفاض جودة المحاصيل الزراعية وتلف التربة، كما أنها تتسبب في انتشار الأمراض الخطيرة للمواطنين، مثل السرطان والعقم وأمراض أخرى. وبحسب منظمة الصحة العالمية، يوجد 30 ألف مصاب بالسرطان في اليمن، وتعد الأسمدة والمبيدات الزراعية من الأسباب التي تؤدي للإصابة بالأمراض.
في هذا السياق، يقول منسّق أبحاث وقاية النبات في هيئة البحوث والإرشاد الزراعي في اليمن عفيف راجح، إن الأسواق اليمنية غرقت بالمواد المصنفة دولياً بالمحظورة، كونها تؤدي الى تدمير النظام البيئي. ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن 50 إلى 70 في المائة من اليمنيين المرضى يصابون بأمراض نتيجة المبيدات التي تستخدم في رش المحاصيل الزراعية وأشجار القات وفقاً لتقارير رسمية. ويشير إلى أن تلك المبيدات تؤثر على الجهاز العصبي وتؤدي إلى الإصابة بأمراض السرطان والكلى والكبد، مضيفاً أن الأسباب الرئيسية لتهريب المبيدات والاستخدام العشوائي لها في اليمن يرتبط بتدني نسبة الوعي لدى التجار أو أصحاب المزارع حول مخاطر المبيدات على صحة الإنسان والنظام البيئي، وضعف الأجهزة الأمنية والرقابية بسبب تدهور الأوضاع من جراء الحرب التي تشهدها البلاد، إضافة إلى الأرباح الكبيرة التي يجنيها المهربون.
ويلزم القانون اليمني رقم 25 لعام 1999 بشأن تنظيم وتداول المبيدات النباتية، التجار في حال إدخال مبيدات محظورة وسامة وغير قابلة للاستخدام، بإعادتها إلى بلاد المنشأ على نفقتهم، وخلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً. كما تتعدد العقوبات بتعدد المخالفات، ويجوز سحب الترخيص أو التصريح وحرمان المخالف من ممارسة أي نشاط أو عمل متعلق بالمبيدات، أو إغلاق المحل نهائياً أو بصورة مؤقتة وفقاً لخطورة وجسامة المخالفة، بحسب ما تقدره المحكمة.
وكان التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية قد أصدر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي قراراً يقضي بمنع دخول بعض المواد عبر المنافذ الجمركية اليمنية، منها الأسمدة الزراعية، مبرراً ذلك بأن جماعة أنصار الله (الحوثيين) تستخدم الأسمدة لصناعة القذائف والمتفجرات شديدة الانفجار، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعارها وازدهار عمليات التهريب.