أسماء مطاعم لبنان موضة للحرف اللاتيني والمسلسلات التركية

13 يوليو 2015
لم يبهت بريق هذه الظاهرة بعد (حسين بيضون)
+ الخط -

نوعيّة الطعام وجودة الخدمات ليسا العاملين الوحيدين اللذين يحددان هوية المطاعم والمقاهي في لبنان. ثمة عنصر إضافي يكاد يعادلهما في الأهمية، وهو الاسم الذي يطلقه صاحب المصلحة على مكانه الجديد. لا تبدو هذه المهمة سهلة ولا هي من النوع العادي وخصوصاً أن أسماء المطاعم والمقاهي اللبنانية ليست مجرد وسيلة للتعريف أو التمايز بل مطلوب منها أن تؤدي مهاماً أعقد من ذلك وأعمق بكثير.

يعبر الاسم عن هوية صاحب المكان، وليس عن نوعية المأكل والمشرب الذي يقدمه. والهوية هنا يختلف مفهومها باختلاف الأشخاص. قد تكون هوية دينية أو سياسية. وقد يختار البعض بعداً ثقافياً أو ربما فكرياً يطمحون أن يعكسه اسم المطعم أو المقهى بأمانة مطلقة. منهم من يريد من الاسم أن يحمل زبائنه إلى عوالم أخرى خارج إطار المكان الذي هم موجودون فيه، فيزورون من خلاله أحياء لا بل أزقة في عواصم ومدن عالمية. بهذا المعنى، تبدو المهام الملقاة على عاتق الاسم متعددة ومتنوعة وأكثر مما يستطيع أن يقدمه أو يقوله مجرد اسم.

ولعلّ هذا ما يُفسّر هذه التشكيلة الواسعة من الأسماء التي لا تخلو من الغرابة والطرافة أحياناً. ولأن كل شيء موضة في لبنان، ولأن التقليد سمة أساسية بين التجار وأصحاب المصالح، يكفي أن يُطلق أحدهم تسمية ما تلقى استحساناً أو استغراباً، تثير جدلاً أو تصبح حديث الناس، حتى تُستهلك كل المشتقات التي تدور في الفلك عينه في سرعة قياسية. ولعل أبرز مثال على ذلك، استخدام اسم صاحب المرفق مطعماً كان أم مقهى أو حتى فرناً وأحياناً ملحمة اسماً يسبقه حرف "عند" باللغة الفرنسية أي "شي".

هذه الظاهرة التي كانت وما زالت عابرة للمناطق والطوائف، والتي لم يبهت بريقها رغم كل صيحات الموضة التي تلتها، خضعت لبعض التطوير المواكب للعصر، كأن يستبدل الاسم بالصفة ومنها على سبيل المثال "شي أصحابنا" أو "شي أحبابنا" وسواها مما يكتب بالحرف اللاتيني لمزيد من العصرنة. إنه عصر تقنيات التواصل الاجتماعي بامتياز الذي فرض لغته الخاصة على المواطنين وتفشى بسرعة البرق في تفاصيل حياتهم اليومية وطبع كلامهم وأسمائهم وشعاراتهم ولافتاتهم. أقلّه أن تنطق مطاعمهم ومقاهيهم العربية بالحرف اللاتيني والأرقام التي حلّت بديلاً عن الأحرف.

تختلفُ أسماء المطاعم باختلاف المناطق التي توجد فيها. ويلعب العامل الديني دوراً مؤثراً في تحديدها لا يقل أهمية عن العامل الجغرافي. فحين تحضر الشخصيات أو الرموز الدينية تصبح معظم الأسماء بديهية تدور في فلكها. ففي الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، يطغى اسم المهدي، أكثر الرموز الدينية شهرة وشعبية هناك، على أسماء المطاعم والمقاهي والاستراحات ولا يوفر الأفران والملاحم وحتى الدكاكين. ويستحوذُ القديسون أمثال رفقا والحرديني ومار شربل على أسماء المرافق السياحية المحيطة بأماكن تواجد أضرحتهم. أما حين تغيب الرموز الدينية، فسيشكّل الشلال والنبع والنهر والساقية والعرزال وكل ما يمت إلى الطبيعة بصلة مصدراً غزيراً لاختيار أسماء المطاعم في المناطق الجبلية، في حين تحضر الأمواج والحوريات والرمال كما الأسماك والصيادون والموانئ في تلك المنتشرة على طول الساحل اللبناني.

 
واستطراداً، تبدو الطبيعة حاضرة في أسماء المطاعم أكثر من حضورها الواقعي. وعلى الرغم من أن انتقاء الأسماء غالباً ما يعكس المراحل الزمنية والتطورات اللاحقة بها، لم يحصل أن أطلق أحدهم اسم كسارة أو يباس أو جفاف أو مكب على مصلحته، ليس لأن هذه التسميات غير جذابة فحسب، بل لأن العيش على أمجاد الماضي هو الذي يغلب.

تتبدّل تسميات المطاعم والمقاهي وتختلف أهواء أصحابها باختلاف العصر الذي يحيون فيه. ومقاييس العصر على هذا المستوى قصيرة. هي أشبه بمرحلة يطبعها حدث معين ذو تأثير كبير ينعكس تلقائياً في حياة الناس ويترك بصماته على أشيائهم وخصوصياتهم ومن ضمنها الأسماء. بعد حرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو/تموز عام 2006 مثلاً، درجت أسماء "الوعد الصادق" والمقاومة والتحرير في الجنوب والبقاع وسواها من المناطق التي تتميز بدعمها وتأييدها للمقاومة. ولأن المصادر التي يستقي منها اللبنانيون الأسماء غنية ومتنوعة ولا توفر حدثاً أو تهمل ظرفاً سياسياً كان أم فنياً أم رياضياً بمعزل عن طابعه المحلي أو الإقليمي أو حتى العالمي، فإن المسلسلات التركية شكلت بدورها مصدر إلهام وكذلك فعلت تلك السورية وقبلهما المكسيكية.

يكادُ لا يكون المطعم أو المقهى، بالنسبة للبنانيين، مجرد مكان لتناول المأكل والمشرب. إنه فضاء أوسع من ذلك، وكأنه يراد له أن يكون شاهداً على عصر ودالاً عليه. قل لي في أي مطعم تأكل أقول لك في أي عصر تعيش.

اقرأ أيضاً: النرجيلة.. ظاهرة للتسلية تُعاند قرارات منع التدخين