أسماء تحرج الزعماء وعقد يكشفها الإخفاء: عقدة أوباما

17 نوفمبر 2014
+ الخط -
من الحوار الذي دار بين الصحافي التلفزيوني الأميركي، بوب شيفر، والرئيس الذي سيصبح سابقاً عما قريب، باراك أوباما، رأينا كيف أن أوباما، مدفوعاً على الأرجح بمعايير وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه، استطاع أن يعكس لنا دون قصد سلبيات عميقة في المجتمع الأميركي وإيجابيات مضادة أو موازية لها.
فمن سلبيات المجتمع الأميركي، ما دل عليه تبرم أوباما، وما يمكن استشفافه من اعترافه بالمعاناة من اسم والده. هذه المعاناة تعني أن المجتمع الأميركي، وإن كان قد قطع خطوات جبارة سبق فيها مجتمعات أخرى بسنوات ضوئية نحو الرقي والتطور، لا يزال حتى الآن ينافس بعض المجتمعات القبلية في بعض أسوأ عاداتها وتقاليدها. ولا تزال المساواة المطلقة بعيدة المنال، مهما قيل عن عدم تأثير الدين أو العرق أو اللون أو الجنس في تكافؤ الفرص بين الأميركيين، ومازالت التقاليد القبلية تعلن سيادة الأقوى بأساليب حديثة متطورة. وربما أن ظاهرة باراك أوباما لم تكن سوى طفرة ناجمة من كراهة الناس لسلفه الجمهوري جورج بوش في أواخر عهده، أو أنها مجرد خطوة واحدة في طريق مازال طويلاً، ومليئا بأشواك الورد..

ومما يؤكد على السلبية المشار إليها أن أوباما أقر بعبارات تجمع بين التصريح والتلميح بأنه كان يخشى الفشل في الوصول إلى الرئاسة لمجرد شكوك البعض بأنه مسلم. ورغم ما يحمله هذا الخوف من سلبية عن المجتمع الذي يزعم أنه لا يحاسب المرشح على ديانته أو اسم أبيه، فإن الدلالة الإيجابية في ذلك هي إصرار أوباما على الإبقاء على اسمه الصحيح دون تغيير حتى لا يتهم بمحاولة إخفائه، علاوة على إصراره على إبراز أصله المتواضع وجذوره العائلية الفقيرة ليثبت أنه عصامي، على مبدأ يؤمن به الأميركيون مثلما يؤمن به العرب في قولهم: " إن الفتى من قال ها أنا ذا .. ليس الفتى من قال كان أبي".

عصامي لا معصوم:



فردّاً على مقارنة المحاور أوباما، الذي مازال في السلطة، مع رؤساء سابقين اعترف الأميركيون لهم بعظمتهم بعد رحيلهم، قال أوباما:
صحيح أني لم أولد سياسياً (يقصد من عائلة سياسية)، ولم ينشئني أحد من أجل الوصول إلى هذا المنصب، (في تعريض مبطن ببعض أفراد العائلات السياسية)، ولم أكن مدفوعاً أو أحظى بتشجيع أحد لخوض غمار السياسة، ولكني أحببت السياسة وعشقتها من ذات نفسي وعن رغبة كاملة من داخلي، ( يريد أن يقول أنه عصامي ولم يولد وفي يده ملعقة من ذهب، وفقاً للمثل المعروف)، وبدون ذلك يستحيل أن أصل إلى مثل هذا الموقع الذي وصلت إليه، وأجلس على هذا الكرسي وأمام هذا المكتب إن لم أكن مفتوناً بالسياسة.
 أما بشأن ليّ الأذرع فأنت تعرف أنني تمكنت من تمرير قانون الرعاية الصحية وغيره من القوانين، ولو لم أمارس سياسة ليّ الأذرع مع المعارضين لما نجحت في تمرير تلك القوانين. وأحب أن أزيد على كل ذلك أن أولئك العظماء الذين ذكرتهم عندما كان كل رئيس منهم في نفس الموقع الذي أشغله الآن (يضحك أوباما) لم يكن الناس يمدحونهم مثلما فعلوا بعد رحيلهم. ( أي أن أوباما يأمل أن يشيد الناس به بعد رحيله، أو بعد نجاحه في ترحيل مشكلات أميركا لرئيس آخر يأتي بعده).

 شيفر: (ضاحكاً) ولكن هل فكرت ماذا سيقول الناس عنك؟ أوباما: أنت تعرف، أن الحملات الانتخابية والحكم هما شيئان مختلفان. لقد خضت حملتين ناجحتين، وأي شخص كان يتابعني في حملاتي الانتخابية يمكن أن يلمس كم أحب أن أكون مع الشعب الأميركي، وأن أسمع اهتمامات الناس وما يحبون أن يتعلمونه ويعرفونه، وسيعرف المتابع كم أنا متحمس وشغوف بمحاولة مساعدتهم. وعقب كل انتخابات هناك سؤال يستولي على التفكير وهو ماذا ينبغي أن نعمله بشكل مختلف لتحقيق نتائج أفضل؟ 

شيفر
: حسنا .. دعني أسألك ماذا يمكن أن تقوم به بأسلوب مختلف عقب الانتخابات الأخيرة (للحفاظ على تاريخك السياسي، أو إنجاز ما يذكرك الناس به)؟
 
أوباما
: أعتقد أن الشيء الوحيد الذي أنا بحاجة إليه أن أذكر نفسي وزملائي في طاقمي، على الدوام، أنه لا يكفي للسياسي أن يبني مصيدة، فالناس لن يأتوا إليها من تلقاء أنفسهم، ولن يطرقوا بابك ما لم تدعهم إليك، وأن تروّج لبضاعتك. يجب عليك كسياسي أن تذهب إلى الآخرين وتحاول إقناعهم قدر إمكانك. وأعتقد أننا لم ننجح في الذهاب إلى الناس لإطلاعهم على ما نقوم به. 

شيفر:
 ما هي الانتقادات التي توجه إلى إدارتك، وهل هي صحيحة برأيك؟ أوباما: حسناً، لقد ذكرت لك واحدة للتو. وأعتقد أن ما هو صحيح أيضاً هو مهما كان التعامل مع معارضة عنيدة محبطاً ومهما كانت الخلافات عميقة، فيتوجب على الرئيس الاستمرار في المحاولة.


قيمة الشفافية

وفقاً لمعايير المجتمع الأميركي فإن الناس يميلون إلى التسامح مع أي شخص في أي شئ لا يد له فيه، أو أي شئ يعترف به، ومن قبيل ذلك اسم أبيه أوديانة أجداده. أي أن المجتمع ذاته يقدس الشفافية، وهو ما يدركه أوباما جيداً، ولذلك فإنه لم يغامر بمحاولة خداع جموع الناخبين من أنصاره وغير أنصاره بإخفاء ما يمكن أن يكشف لاحقاً من قبل غيره، من أنه نجل رجل مسلم كينيّ يدعى حسين، فتكون عاقبة الإخفاء أشد كارثية من ذكر الأسماء. ولم يكن الناخبون بلا أدنى شك ليغفروا لأوباما ما يعتقدون أنه جرم ارتكبه عن عمد، لو أنه قرر إخفاء اسمه الحقيقي وجذوره عنهم.  ولهذا حرص الرجل في سيرته الذاتيه أن يعترف حتى بتدخينه لحشيشة الماريوانا في شبابه، سائراً في هذه الدرجة من الشفافية على خطى معلمه الديمقراطي، بيل كلينتون، الذي يعتبره البعض من أكثر الأميركيين خبرة بدقائق وحقائق المجتمع الأميركي، ويدرك مدى التعاطف مع الشخص الذي يخطئ ويعترف بالخطأ، ونفورهم من الشخص الذي يدعي الكمال، أو لا يقر بأي خطأ من أخطائه. 
ومن تجربة أوباما عرفنا أن أكثرية المجتمع، وليس المجتمع كاملاً، يمكن أن يتغاضى عن خلفية عرقية ودينية وعائلية مثيرة للجدل، رافقت سيرة سياسي اسمه باراك حسين أوباما، لمجرد أن الرجل التزم بقيم الشفافية والصدق عند ترشحه للانتخابات، ولم يحاول إخفاء أي شئ عن الناخبين، لكن الجدل في حد ذاته حول الدين أو العرق أو الأصل هو عيب مازل ينخر في قيم المجتمع الأميركي.


في حلقة الغد نقارن بين تجربة أوباما وتجربة صالح
دلالات
المساهمون