أسعار النفط لن تستقر

21 مارس 2016
تذبذب أسعار النفط (Getty)
+ الخط -
جعلت التقلبات اليومية لأسعار النفط من الصعوبة بمكان، تحديد العوامل المؤثرة في قواعد تسعير برميل النفط في الأسواق العالمية. فقد بدأ بعض المحللين التركيز أكثر على العوامل الفنية البحتة كالمضاربة، وإغلاق مراكز البيع على المكشوف التي تستلزم، لإغلاقها، تنفيذ أوامر شراء. وعند أخذ العوامل الأساسية بالاعتبار، فإن مستويات الإنتاج المرتفعة، وتباطؤ الطلب العالمي، وارتفاع المخزونات من النفط تعد من المؤثرات السلبية التي جعلت أسعار النفط تتداول ضمن نطاق ضيق يتراوح بين 31 دولاراً و 41 دولاراً للبرميل خلال الأسبوعين الماضيين.
لقد عززت معدلات النمو الأخيرة المتعلقة بالأسواق الناشئة، وخاصة الصين، وعوامل الإنتاج لدى منظمة "أوبك" وجهات النظر المتشائمة التي ترى أن الأسعار لا تزال عرضة للتراجع، مجدداَ، بعد ارتفاعها نحو 50% في أقل من شهر من أدنى مستوى تم تسجيله عندما بلغ نحو 27 دولاراً للبرميل. إضافة الى ذلك، لا يزال انعدام التوافق بين أعضاء منظمة "أوبك"، التي أنتجت أكثر من 31 مليون برميل يومياً للشهر العشرين على التوالي، يشكل عائقاً أمام ارتفاع الأسعار خصوصاً مع افتقار المنظمة لجبهة موحدة.

ارتفاع الإنتاج 

ولا يزال العراق وإيران يصران على الإنتاج بأكبر قدر ممكن لتعويض السنوات الضائعة، وهي حالة تم تجسيدها، فعلاً، مع تمكن العراق من زيادة انتاجه من النفط الى أكثر من 4 ملايين برميل يومياً خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، أي نحو مليون برميل يومي إضافي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. علاوة على ذلك، تتجه إيران نحو تحقيق هدفها الأولي بإنتاجها نحو نصف مليون برميل يومي إضافي خلال النصف الاول من العام الحالي، بعد أن رفع الغرب العقوبات الاقتصادية عنها، والتي كانت مفروضة منذ يوليو/ تموز من العام 2012، ما يبقي إنتاج أوبك فوق مستوى قياسي جديد قد يتجاوز 32 مليون برميل يومياً.
نظراً لتوقعات زيادة المعروض من النفط في المستقبل، فقد تلقت المبادرة السعودية - الروسية، المتعلقة بتجميد الإنتاج عند مستويات يناير/كانون الثاني الماضي، استجابة فاترة من قبل المتعاملين في أسواق النفط الذين فضّلوا خفضاً هادفاً للإنتاج، عوضاً عن تجميده عند مستويات مرتفعة. سيما أن كلا البلدين ينتجان أكثر من عشرة ملايين برميل يومياً، وهو أعلى طاقة إنتاجية لهما منذ عدة سنوات. ورغم أن الدول غير الأعضاء في "أوبك" ومنتجي النفط المرتفع التكلفة سيبقون تحت ضغط تدني أسعار النفط خلال هذا العام، فإن الانخفاض المتوقع في إنتاجها لن يخفف من وطأة الارتفاع القياسي لحصة "أوبك" من الإنتاج.
في هذا الصدد، توقعت وكالة الطاقة الدولية، في تقريرها الأخير، أن إنتاج الشركات العاملة في قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة سينخفض بنسبة قياسية قد تتجاوز 580 ألف برميل يومياً، وهو أول انخفاض سنوي منذ العام 2008. الأمر الذي يؤكد الوضع الصعب الذي يمر فيه قطاع الطاقة، المليء بالتحديات، حتى بعد خفض الشركات للإنفاق الرأسمالي، وتسريحها للعمال، وتركيزها على المناطق الأكثر إنتاجاً. مع ذلك، فإن قدرة هذه الشركات على الحفاظ على مستويات مرتفعة من الإنتاج، رغم انخفاض عدد حفارات النفط لديها بواقع 80%، هو بحد ذاته، دليل على إجادتها الفنية وقدرتها على زيادة الإنتاج حالما تتعافى أسعار النفط.
وعلى جانب الطلب، تتجه الصين لتحقق معدل نمو أقل من 7% خلال العام الحالي رغم كثرة محاولاتها الرامية إلى خفض معدلات الفائدة ومتطلبات الاحتياطي وخفض قيمة اليوان من أجل تحفيز النشاط التجاري الصيني. ولا تبدو الأسواق الناشئة الأخرى في وضع أفضل، إذ تشير التوقعات الى إمكانية توسع اقتصاداتها بوتيرة تعد الأبطأ منذ العام 2010 وبنسبة لا تتجاوز 4%، وهو معدل أقل بكثير من متوسط عشرة أعوام، والبالغ 8%.
وإلى جانب مستويات التخزين، فإن مخزونات النفط الخام الأميركية والعالمية، لا تزال قريبة من أعلى مستوياتها القياسية، الأمر الذي يسهم في التأثير سلباً على أسواق النفط. فالمخزونات الأميركية من النفط الخام تتجاوز حالياً عتبة نصف مليار برميل، أي أكثر من 30% من المستوى المسجل في العام 2014، وهو أعلى مستوى على الإطلاق. بالإضافة إلى ذلك، تجاوز إجمالي مخزونات النفط التجارية لدى دول منظمة التعاون والتنمية ثلاثة مليارات برميل، أي ما يعادل 70 يوماً من الاستهلاك.
هذه العوامل المذكورة، تجعل العام الحالي مليئاً بالتحديات بالنسبة لأسواق النفط. لذلك، كل المعطيات الحالية تفيد باستمرار تذبذب أسعار النفط على المدى القريب.
(خبير اقتصادي أردني)

اقرأ أيضاً:النفط يدق جرس الإنذار
المساهمون