ويعتبر منصور "أسيراً" لا "أسيراً محرراً"، وإن كان في بيته، إذ فرضت عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد خروجه من خلف القضبان، الإقامة الجبرية لمدة عشر سنوات مع شروط مقيّدة صعبة. مرّت 9 سنوات على هذه الإقامة، وبقي منها عام واحد، قبل أن يتمكن منصور من تنشق الحرية، لتصل مدة السجن الإجمالية معها إلى 30 عاماً.
وعلى الرغم من تجاوزه سنّ الـ80، غير أن منصور لا يستطيع الخروج من المنزل إلا للأمور الضرورية، وفقط بإذن من الاحتلال، ما يعني أنه وإن كان يعيش بين أبنائه، إلا أنه أسيرٌ فعلياً. وليست القيود التي تفرضها إسرائيل الوحيدة التي يعاني منصور بسببها، فقد طاولته الأمراض الكثيرة التي استوطنت جسده، وحملها معه من غياهب السجون إلى بيته. كما يضطر من فترة إلى أخرى للمثول امام اللجنة العسكرية، للتأكد من عدم إخلاله بشروط إخلائه إلى بيته.
وكان منصور قد عاصر في السجن الأسرى القدامى، وعمداء الأسرى الفلسطينيين، ومنهم كريم يونس وماهر يونس من الداخل الفلسطيني، فضلاً عن الأسير المحرر سامي يونس، الذي توفي منتصف عام 2015 في الثمانينيات من عمره، بعد أن أمضى في السجون الإسرائيلية نحو 28 عاماً، وأطلق سراحه في صفقة جلعاد شاليط عام 2011، ولم يذق من طعم الحرية إلا 4 سنوات ممزوجة بآلام ناجمة عن مرض عضال، إلى أن وافته المنية. ويطلق مصطلح "الأسرى القدامى" على من اعتقلتهم إسرائيل قبل اتفاقية أوسلو عام 1993، وأيضاً على من أمضوا أكثر من 20 عاماً في سجون الاحتلال.
وفي السنوات الأخيرة يشهد الداخل الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948، وعياً أكبر بقضية الأسرى، وبات يعرف أسماء الكثيرين منهم، بل يتفاعل مع قضاياهم، وهو الأمر الذي كان المجتمع الفلسطيني في الداخل قد افتقده لعقود. وباتت تُنظّم نشاطات خاصة بـ"يوم الأسير"، منها على سبيل المثال لا الحصر "حافلة الأسرى"، التي انطلقت، أمس السبت، تحمل صور أسرى الداخل، لتجوب البلدات العربية وتزور أهالي الأسرى فيها، وذلك بمبادرة من "لجنة الحريات والأسرى والشهداء والجرحى"، المنبثقة عن "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية" في الداخل.
وتُعتبر الذكرى في العام الحالي، الأولى في ظلّ حظر إسرائيل لـ "مؤسسة يوسف الصديق لرعاية السجين"، المشمولة بقرار حظر "الحركة الإسلامية الشمالية" بقيادة رائد صلاح ومؤسساتها، وهي مؤسسة كانت فاعلة على مدار العام في متابعة قضايا الأسرى واحتياجات عائلاتهم.
فراس عمري، أسير سابق، أمضى في سجون الاحتلال 12 عاماً، وأصبح بعد ذلك مديراً لـ"مؤسسة يوسف الصديق" قبل حظرها، وهو اليوم عضو في "لجنة الحريات والأسرى" في لجنة "المتابعة". في هذا اليوم، يستذكر عمري في حديث مع "العربي الجديد"، وضع أسرى الداخل، ونظراتهم التي تبدّد منها أمل الحرية، وهم ينظرون من نوافذ السجون إلى المحررين بالصفقة التي أُبرمت بين إسرائيل وحزب الله، والتي كرّست ما تريده إسرائيل وما جاء في اتفاقية أوسلو، بأن أسرى الداخل الذين يبلغ عددهم اليوم نحو 90 أسيراً هم شأن إسرائيلي داخلي، لا يحقّ لأحد المطالبة بتحريرهم، وبالتالي لم تشمل الصفقة "قدامى الأسرى"، وفقاً لعمري.
ويشرح عمري وضعية أسرى الداخل، قائلاً إن "اتفاقية أوسلو المشؤومة بين منظمة التحرير والاحتلال الإسرائيلي، جعلت من أسرى الداخل شأناً اسرائيلياً داخلياً، لا يحق لأي جهة فلسطينية كانت أو عربية، المطالبة بإطلاق سراحهم. وقد مرّ عليّ عمليات عدة لتبادل الأسرى خلال فترة أَسري في السجن، وأذكر الصفقة التي تمت بين حزب الله اللبناني والاحتلال الإسرائيلي، واستُثني منها أسرى الداخل. شكّلت هذه العملية أكبر صدمة لأسرى الداخل وثبتت أنه شأن إسرائيلي داخلي كما تريد إسرائيل".
كما يرى أنه "من المهم أن تتحوّل قضية الأسرى إلى همّ شعبي وأن تكون على رأس سلم أولويات أحزابنا وحركاتنا في الداخل ولجنة المتابعة، وألا يتم استذكار الأسير فقط بهذا اليوم وبشكل موسمي. نحن كلجنة حريات وأسرى في لجنة المتابعة، لنا فعاليات دائمة كي نحث ونلزم الأحزاب على إبداء اهتمام أكبر بقضية الأسرى".
يضيف عمري أنه "بعد القيام بنشاطات مركزية عدة وكبيرة في قضية الأسرى، قادتها مؤسسات عدة على رأسها لجنة الحريات، كان هناك تحوّل كبير في قضية التعامل مع قضية الأسرى من قبل الأحزاب وجماهير شعبنا".
ويتابع أن "مؤسسة يوسف الصدّيق قبل حظرها، ساهمت كثيراً بإبراز قضية الأسرى، من خلال تنظيم احتفالات جماهيرية كبيرة في استقبال الأسرى المحررين على مر السنوات الماضية في بلداتهم. وأيضاً إن الإضرابات الفريدة التي خاضها عدد من الأسرى ووجودهم في المستشفيات في داخلنا الفلسطيني، جعلت الناس يتفاعلون معها وتعرفوا عن قرب على قضيتهم".
كما يلفت إلى أن "الإضرابات المتبوعة بنشاطات احتجاجية حول المستشفيات، وآخرها اضراب الأسير محمد القيق، ساهمت بنشر الوعي. ولا ننسى أيضاً أن تطوّر وسائل الإعلام العربية وطريقة تغطيتها للحدث، فضلاً عن تداول قضايا الأسرى عبر مواقع التواصل الاجتماعي ساهم في تكوين الوعي لقضية الأسرى".