11 نوفمبر 2024
أسرار موقعة الجمل وخفاياها
على الرغم من مرور سبع سنوات، لا تزال حقائق كثير من أحداث ثورة يناير في 2011 في مصر غائبة أو مُغيبة عمداً. وموقعة الجمل من أبرز تلك الأحداث، ومن أكثرها وضوحاً ومباشرة، فهي محاولة صريحة وشبه معلنة من النظام لطرد الثوار من ميدان التحرير، بواسطة "مواطنين شرفاء" يركبون الخيول والجمال، ويحملون عصياً وأسواطا. وأولى الدلالات الواضحة التي أكدتها تلك الموقعة الشهيرة أن نظام حسني مبارك، وأي نظام حكم أصابته الشيخوخة وتكلست مفاصله، يرتبك ويتخبط إذا فاجأته ثورة شعبية أو حالة تمرّد. فقد أثبتت موقعة الجمل، أن أركان نظام مبارك، ظلوا أسبوعا (من 25 يناير/ كانون الثاني وحتى الأول من فبراير/ شباط) لا يدركون حقيقة ما يجري. وتخيّلوا أن طرد المعتصمين من ميدان التحرير لا يحتاج سوى قليل من القوة. وأن شبابية الميدان لن تصمد أمام فُتوّة بضع عشرات من الموالين للنظام وبلطجتهم. وبالفعل، كان لخطاب مبارك الاستعطافي مساء الأول من فبراير، تأثير بالغ على غالبية المصريين، فخفف كثيراً من حدة الغضب الشعبي عليه. وظن رجال مبارك، وحواريو نجله جمال، أن الأجواء باتت مهيأة لإخلاء الميدان، واستعادة الزمام والسيطرة على الوضع. وقد انفضح ذلك التورط مبكراً، بتصريحات رجل الأعمال، إبراهيم كامل، لقناة أميركية مع وصول طلائع راكبي الجمال إلى الميدان، حين قال، على الهواء من شرفة فندق هيلتون المطل على الميدان، إن الشعب المصري يرفض ما يجري، وها هو سينهي هذا الوضع.
ليست مسؤولية رجال مبارك ونجله عن موقعة الجمل سراً، لكنها ليست مسؤولية منفردة. فهناك شركاء متورّطون فيها، سواء بالتخطيط أو التكليف أو التنفيذ، أو حتى بالصمت وغض الطرف عنها تسهيلاً للقيام بها، أو بالتعتيم عليها بعد وقوعها وإلى الآن. وغير ذلك كثير من جوانبها وترتيباتها لا يزال خفياً، أو بالأدق مخفياً، وهي المسائل التي تناولتها بالتفصيل تقارير لجان تقصي الحقائق التي لا تزال مخفية من دون مبرر واضح. سواء تقرير اللجنة التي تشكلت بعد أيام من حدوث الموقعة، حين كان أحمد شفيق رئيساً للوزراء، أو التي شكلها النائب العام الأسبق، طلعت حماد، بتكليف من الرئيس محمد مرسي.
تتبعت تحقيقات اللجنتين خيوط الجريمة، بدءاً من راكبي الخيول والجمال، باستقصاء من كان وراء تحريضهم أو تكليفهم بتلك المهمة. وصولاً إلى تتبع هويات من كانوا يعتلون الأبنية المحيطة بالميدان، ويُمطرون المعتصمين بكرات النار والكتل الرخامية. ووفق المعلن رسمياً، خصوصا بالنسبة للجنة طلعت حماد، فإن التحقيقات توصلت إلى تكوين صورة متكاملة عن ترتيبات العملية، والأطراف والشخوص المتورطة فيها، موثقة بالأسماء والجهات.
وبينما يتفاخر شفيق بأنه أول من حقق حقيقة موقعة الجمل وتقصاها، يُصر مرسي على كتمان محتوى تقرير لجنة حماد، على الرغم من إزاحته من السلطة قبل أربعة أعوام ونصف العام. وكان أمراً مُدهشاً أن يصر مرسي على تنحية التقرير جانباً في أثناء رئاسته، واعتباره كأنه لم يكن. كما لو كان أراد به فقط تسجيل موقف أو الإمساك بورقة ضغط على جهات أو مؤسسات معينة أو أشخاص بعينهم. ظناً منه أن محتوى التقرير وما سيتضمنه من إدانات واتهامات، سيردع هؤلاء، أو يحميه ويحمي ثورة يناير من التآمر عليها. أما ما لا يمكن فهمه، ولا قبوله، فهو الاستمرار في ذلك الكتمان حتى اللحظة، والاكتفاء بتلميحاتٍ هنا وهناك. وهو أمر غريب ومثير للتساؤل، بل والريبة، كما لو أن شعرة معاوية لم تنقطع بعد بين الإخوان المسلمين ومؤسسات الدولة.
ستظهر كل حقائق موقعة الجمل عاجلاً أو آجلاً، فالتاريخ لا يخفي شيئاً مهما طال الزمن. وحتى ذلك الحين، ستظل أسرار موقعة الجمل ديْناً في رقاب من يملكون المعلومة ويكتمونها، وحقاً للمصريين، ليس فقط عند من قاموا بتلك الجريمة، بل ومن سكتوا عنها أيضاً.
ليست مسؤولية رجال مبارك ونجله عن موقعة الجمل سراً، لكنها ليست مسؤولية منفردة. فهناك شركاء متورّطون فيها، سواء بالتخطيط أو التكليف أو التنفيذ، أو حتى بالصمت وغض الطرف عنها تسهيلاً للقيام بها، أو بالتعتيم عليها بعد وقوعها وإلى الآن. وغير ذلك كثير من جوانبها وترتيباتها لا يزال خفياً، أو بالأدق مخفياً، وهي المسائل التي تناولتها بالتفصيل تقارير لجان تقصي الحقائق التي لا تزال مخفية من دون مبرر واضح. سواء تقرير اللجنة التي تشكلت بعد أيام من حدوث الموقعة، حين كان أحمد شفيق رئيساً للوزراء، أو التي شكلها النائب العام الأسبق، طلعت حماد، بتكليف من الرئيس محمد مرسي.
تتبعت تحقيقات اللجنتين خيوط الجريمة، بدءاً من راكبي الخيول والجمال، باستقصاء من كان وراء تحريضهم أو تكليفهم بتلك المهمة. وصولاً إلى تتبع هويات من كانوا يعتلون الأبنية المحيطة بالميدان، ويُمطرون المعتصمين بكرات النار والكتل الرخامية. ووفق المعلن رسمياً، خصوصا بالنسبة للجنة طلعت حماد، فإن التحقيقات توصلت إلى تكوين صورة متكاملة عن ترتيبات العملية، والأطراف والشخوص المتورطة فيها، موثقة بالأسماء والجهات.
وبينما يتفاخر شفيق بأنه أول من حقق حقيقة موقعة الجمل وتقصاها، يُصر مرسي على كتمان محتوى تقرير لجنة حماد، على الرغم من إزاحته من السلطة قبل أربعة أعوام ونصف العام. وكان أمراً مُدهشاً أن يصر مرسي على تنحية التقرير جانباً في أثناء رئاسته، واعتباره كأنه لم يكن. كما لو كان أراد به فقط تسجيل موقف أو الإمساك بورقة ضغط على جهات أو مؤسسات معينة أو أشخاص بعينهم. ظناً منه أن محتوى التقرير وما سيتضمنه من إدانات واتهامات، سيردع هؤلاء، أو يحميه ويحمي ثورة يناير من التآمر عليها. أما ما لا يمكن فهمه، ولا قبوله، فهو الاستمرار في ذلك الكتمان حتى اللحظة، والاكتفاء بتلميحاتٍ هنا وهناك. وهو أمر غريب ومثير للتساؤل، بل والريبة، كما لو أن شعرة معاوية لم تنقطع بعد بين الإخوان المسلمين ومؤسسات الدولة.
ستظهر كل حقائق موقعة الجمل عاجلاً أو آجلاً، فالتاريخ لا يخفي شيئاً مهما طال الزمن. وحتى ذلك الحين، ستظل أسرار موقعة الجمل ديْناً في رقاب من يملكون المعلومة ويكتمونها، وحقاً للمصريين، ليس فقط عند من قاموا بتلك الجريمة، بل ومن سكتوا عنها أيضاً.