تندرج هذه المحاولة ضمن عشرات المحاولات للسيطرة على المطار، ورغم نجاح تنظيم "داعش" في هجمات سابقة بإحراز تقدّم من قبيل الدخول إلى الأسوار الشرقية وكسر خط الدفاع الأول عن المطار، إلا أن الفشل ظل ملازماً التنظيم في السيطرة عليه، ويعود ذلك لعدّة أسباب، في مقدّمتها استماتة النظام بالدفاع عن المطار كآخر قلاعه في المحافظة.
اقرأ أيضاً: داعش" يهاجم مطار دير الزور ويعلن احتجاز نروجي وصيني
وكان "داعش" قد سيطر على محافظة الرقة وجعلها بمثابة عاصمة "الخلافة" بالنسبة له في سورية، كما ضم معظم محافظة دير الزور باستثناء حيين يحاصرهما، ويعني ذلك أنه سيطر على مطار حمدان الزراعي قرب مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية بريف محافظة دير الزور الشرقي، ومطار الطبقة الواقع على بعد خمسين كيلومتراً إلى الغرب من مدينة الرقة، ليبقى مطار دير الزور العسكري اللغز الوحيد أمامه.
كما يحاصر التنظيم مطار المدينة منذ أكثر من عامين ونصف العام، بعدما كان محاصراً بداية على يد "الجيش السوري الحر"، والذي كان يقسّم مناطق حصار المطار العسكري إلى قطاعات بحسب حدود المطار.
وبعد سيطرة التنظيم على ريف دير الزور واصل حصاره للمطار الذي يعد ثالث أكبر مطار، من حيث القوة العسكرية والمساحة الجغرافية في سورية، بعد مطارَي الضمير بريف دمشق وحميميم (باسل الأسد) بريف اللاذقية؛ بسبب مدرجين يزيد طولهما على ثلاثة كيلومترات، ولكن دون إخضاعه تحت قبضته.
وبالنظر إلى واقع محافظة دير الزور، يمكن فهم فشل "داعش" في السيطرة على المطار، وتمسّك النظام السوري به، اذ لم يعد الأخير يسيطر سوى على قرابة 20 في المائة من مركز المحافظة، تتمثل في حيي القصور والجورة، وبعض الأحياء التي يسيطر على جزء منها كالصناعة والرصافة والعمال، لذا فإن فقدان المطار العسكري يهّدد بفقدان المحافظة بكاملها، فهو صمام الأمان للنظام في دير الزور في حال أراد الاحتفاظ بتمثيل له شرقي سورية.
كما يختلف المطار جغرافيّاً عن مطار الطبقة العسكري وحمدان الزراعي، إذ يعتبر أكثر تعقيداً منهماً، لتداخله مع مجموعة من الألوية والقطع العسكريّة التابعة للنظام، والممتدة مع المطار في اتجاه الغرب، وهي "لواء التأمين" للجاهزيّة والإمداد، و"الفوج 119" دفاع جوي، إضافة إلى "اللواء 137" مشاة.
ولم تتوان قوات النظام السوري، في أكبر تهديد لسقوط المطار منذ نحو عام، عن استخدام غاز الكلور، لصدّ هجوم لـ"داعش" بدأ مع تفجير مهاجر ليبي نفسه في عربة مفخخة في نقطة البناء الأبيض. لكن ما أن حاول عناصر "داعش" دخول المطار حتى اصطدموا بغاز الكلور بكثافة عالية إلى جانب الأسلحة الثقيلة، ما أجبرهم على التراجع، بعد إيقاع عشرات الإصابات في صفوفهم، ومنذ ذلك الحين هدّأ مقاتلو التنظيم من محاولاتهم للدخول إلى المطار.
كذلك فإن قوة تحصين النظام للمطار هي سبب رئيسي لعدم خسارته، اذ يحتوي على ألفي عنصر من قوات النظام ومليشيات الدفاع الوطني، موزعين داخل المطار وفي قطاعات محيطة به، بحسب تقديرات "داعش"، وعلى سرب طائرات "ميغ 21"، و"ميغ 23"، وأكثر من ست مروحيات.
كما تتمركز داخل المطار كتيبة للمدفعية الثقيلة وسرية للهاون وكتيبة للصواريخ، بالإضافة إلى العديد من الدبّابات والعربات المجنزرة و"الشيلكا" و"مدافع 23" وأسلحة خفيفة أخرى، ويُعد العميد، بسام حيدر، المسؤول الأول وقائد العمليات داخل المطار.
وتعليقاً على فشل تنظيم "داعش" في السيطرة على المطار العسكري، يرى قائد المنطقة الشرقية السابق في "الجيش السوري الحر"، المقدم محمود العبود، أن "هذا السؤال لا يزال يشغل بال الجميع وبالأخص أهالي دير الزور المتضررين بشكل مباشر من هذا المطار، علما أن التنظيم حشد كثيرا وحاول مرات عدة اقتحام قلعة النظام الأخيرة في الشرق لكنه لم يفلح، رغم الإمكانات المادية والعسكرية الهائلة مقارنة بإمكانات الجيش الحر سابقاً".
وأوضح العبود خلال تصريحات لـ "العربي الجديد" أن "السبب المباشر للفشل هو الدفاع المستميت الذي يبديه النظام في هذا المطار؛ فخسارته تعني رحيل النظام مطلقاً عن المنطقة الشرقية، اذ إن هذه الخسارة ستتبعها خسارة النظام ما تبقى من أحياء دير الزور واللواء 137، وربما ستنتقل هذه الخسائر الى الحسكة"، مضيفاً أن "السبب غير المباشر هو عدم جدية التنظيم في تحرير ما تبقى من دير الزور. وقد نقل بعض النشطاء ما سمعه العامة من عناصر التنظيم بقولهم: (لماذا نحرر المكان ولا يزال أكثر أهالي دير الزور صحوات، ولا توجد حاضنة شعبية جيدة للتنظيم؟) ويؤكد ذلك التسريب الصوتي لأحد عناصر التنظيم، وهو تونسي الجنسية، يصف أهالي المنطقة بأبشع الأوصاف".
ولا يستبعد القائد العسكري السابق "وجود تفاهمات من تحت الطاولة بين قيادات النظام والتنظيم؛ أما استراتيجية التنظيم العسكرية فهي ثابتة ولم تتغير منذ استلامه زمام الأمور بدلاً من الجيش الحر، إذ إنه يعتمد على إرسال المفخخات يتبعها بالانغماسيين ومجموعات الاقتحام، لذا أصبحت خططه مكشوفة لدى النظام". وعمد التنظيم أخيراً إلى حفر خنادق محيطة بجبهة المطار في محاولة جديدة على ما يبدو لزيادة العزلة وتكثيف الحصار، وقطع الأمل بالنسبة لضباط وعناصر النظام الموجودين في داخله.
اقرأ أيضاً: سورية: 250 ألف مدني تحت الحصار في دير الزور