أساليب إحياء ذكرى النكبة الـ72 في زمن كورونا: تظاهرات رقمية ومنزلية

15 مايو 2020
الذكرى تمر بدون تجمعات شعبية (العربي الجديد)
+ الخط -
فرضت حالة الطوارئ الصحية السائدة لمواجهة فيروس كورونا الجديد في الأراضي الفلسطينية ظلالها على واقع فعاليات إحياء الذكرى الثانية والسبعين لنكبة فلسطين، إذ استبدلت الفعاليات في غالبها إلى فعاليات رقمية، وأخرى من على أسطح المنازل، علاوة على فعاليات تنفذ عبر مكبرات الصوت في المساجد والإذاعات والتلفزيونات، وكذلك إيقاف حركة السير، فيما اندلعت مواجهات في عدة مناطق من الضفة الغربية أصيب فيها عدد من الفلسطينيين.

وأوضح المدير العام لدائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، أحمد حنون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذا العام ونتيجة للأوضاع السائدة في ظل أزمة كورونا اختلفت طبيعة الفعاليات وحولت إلى حملات وتظاهرات إلكترونية، حيث يتم تنفيذ هذه التظاهرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفعاليات أخرى منزلية، ضمن حملة إحياء ذكرى النكبة لهذا العام والتي تتم بدون فعاليات شعبية أو تجمعات ميدانية منعاً لتفشي فيروس كورونا، مشيراً إلى أن الفعاليات لهذا العام بدأت منذ السابع من الشهر الجاري، وتستمر حتى السابع من الشهر المقبل.

وينفذ الفلسطينيون، اليوم الجمعة، فعاليات إحياء ذكرى النكبة، عبر فعاليات رقمية استكمالاً لشعلة إطلاق فعاليات ذكرى النكبة إلكترونياً بدلاً عن مسيرة المشاعل السنوية، والتي أطلقت هذا العام مساء أمس الخميس، عبر صفحة "الحملة الوطنية لإحياء ذكرى النكبة"، فيما أطلقت صافرات الإنذار الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم، لمدة 72 ثانية وأوقفت الحركة مدة 72 ثانية بعدد سنوات النكبة، وقرعت أجراس الكنائس وكبرت المساجد. وتم نقل تلك الفعاليات عبر شبكة الأذان الموحد للمساجد وعبر تلفزيون فلسطين الرسمي، فيما بثت الإذاعات المحلية بثاً مشتركاً عن النكبة، ورفعت الأعلام الفلسطينية والأعلام السوداء على أسطح المنازل، ومن المفترض أن تطلق طائرات ورقية في مختلف المحافظات الفلسطينية مزينة بالعلم الفلسطيني وموشحة باللون الأسود.


هذا العام كان المشهد غير معتاد، وفرغ ميدان المنارة وسط مدينة رام الله وسط الضفة الغربية من الجماهير التي لطالما كانت تحيي ذكرى نكبة فلسطين هناك، فجائحة كورونا اضطرت "اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة" إلى اقتصار الفعاليات على عدد محدود، لكن من دون إغفال الذكرى.


ولم تكد تنتهي الصافرة حتى سار ناصر شرايعة ابن قرية كفر عانا قضاء يافا في الداخل المحتل عام 1948 مع أطفاله الأربعة في شوارع رام الله؛ رافعين اللافتات التي تؤكد أن العودة حق تتوارثه الأجيال.
وأوضح شرايعة في حديث لـ"العربي الجديد" أنه حضر مع أبنائه ليعرفهم بحق العودة وليرسخ الكلمات التي حملوها في ذاكرتهم ولتدفعهم للتفكير في ذلك الحق.


فعاليات هذا العام المختصرة والبسيطة غير الجماهيرية كانت بمعظمها إعلامية رقمية، لكنها أيضاً شملت إطلاق الصافرة لـ72 ثانية حداداً على أرواح الشهداء وإعلاناً للتمسك بالأرض، فالذكرى الأليمة كما يؤكد منسق اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة، محمد عليان، لـ"العربي الجديد"، "لا يمكن أن تمر مرور الكرام وبشكل عادي".


من جهته، يشدد رئيس تجمع القرى المهجرة، عمر عساف، لـ"العربي الجديد"، على أن النكبة محطة مختلفة تماماً لأنها تعكس معاناة الشعب الفلسطيني خلال 72 عاماً، وعلى الرغم من كل الظروف نحن معنيون للتأكيد لأجيالنا وكل العالم أننا ضد "صفقة القرن" ومتمسكون بالمقاومة خياراً من أجل العودة وحقنا في كل شبر من فلسطين.
وفي حين وضع المشاركون في الفعاليات، وعددهم محدود، إكليلاً من الزهور على ضريح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقر الرئاسة وفاء له، سلموا رسالة إلى ممثل للأمم المتحدة أمام مكتبه في رام الله.



وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، لـ"العربي الجديد"، والذي سلم الرسالة وقرأها أمام الحضور، "طلبنا من الأمم المتحدة أن تؤكد على أهمية تطبيق قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي وفي مقدمتها قرار 194 الضامن لحق عودة اللاجئين وتعويضهم عن معاناتهم، وكل ما له علاقة بالمساس بهذه الحقوق مرفوض تماماً".
وأضاف قائلاً "ندرك أن الموقف الأميركي المعادي يحاول تقويض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ويحاول شطب حق العودة للاجئين، لكنه لن ينجح، لأن كل المؤامرات التصفوية تحطمت أمام صمود صعبنا الفلسطيني والتمسك بالحقوق والثوابت والمقاومة".


وحول اجتماع القيادة الفلسطينية المرتقب بخصوص خطط الاحتلال لضم أجزاء من الضفة، قال أبو يوسف "تحدثنا أننا في حل من كل الاتفاقات مع الاحتلال، سواء الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية، بما فيه سحب الاعتراف من الاحتلال، وستكون هناك أيضاً مجموعة من الخطوات في مواجهة كل ذلك، لن نسمح بأن تشطب حقوق شعبنا الفلسطيني أو أن تمس هذه الحقوق المستندة لقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي وسنبقى متمسكين بهذه الحقوق والثوابت".

المذكرة التي سلمت للأمم المتحدة شرحت مأساة الفلسطينيين عبر النكبة، وكذلك خطورة محاولات الضم الإسرائيلية لأجزاء من الضفة الغربية، وإصدار قرار بمصادرة أراضٍ من الحرم الإبراهيمي في الخليل، وكذلك مخاطر نظام الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين، ورفض "صفقة القرن" ورفض التوطين والوطن البديل، وفق أحمد حنون، الذي أكد التمسك بحق عودة اللاجئين إلى ديارهم، وأنه حق لا يسقط بالتقادم، وهو حق فردي وجماعي، فيما أكد كذلك التمسك بالثوابت الفلسطينية وموقف القيادة الفلسطينية والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الرافض لـ "صفقة القرن".
في سياق متصل، اندلعت مواجهات في بلدة الساوية جنوب نابلس شمال الضفة الغربية، خلال فعالية ضد الاستيطان على أراضٍ مهددة بالاستيطان تزامناً مع إحياء ذكرى النكبة، ما أوقع عدداً من الإصابات، إذ أوضح الهلال الأحمر الفلسطيني أن طواقمه تعاملت في الساوية مع إصابة بقنبلة غاز بشكل مباشر بالبطن تم نقلها إلى المستشفى، وكذك 4 إصابات بالغاز المسيل للدموع تم علاجها ميدانياً.
بينما أفادت وزارة الصحة الفلسطينية بوقوع إصابة طفيفة في البطن بقنبلة غاز مسيل للدموع وأخرى طفيفة بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط في الرأس، وصلتا إلى مستشفى رفيديا الحكومي من مواجهات بلدة الساوية.
من جهة ثانية، أصيب عشرات الفلسطينيين، بينهم أطفال ونساء، بحالات اختناق بالغاز المسيل للدموع خلال قمع الاحتلال للمسيرة الأسبوعية في قرية كفر قدوم الأسبوعية المناهضة للاستيطان والمطالبة بفتح شارع القرية المغلق منذ أكثر من 16 عاماً والتي انطلقت إحياء للذكرى 72 للنكبة، وفق ما أفاد به منسق المقاومة الشعبية في كفر قدوم مراد شتيوي في تصريحات صحافية، مشيراً إلى أنه تمت معالجة المصابين ميدانياً.


وكان عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم 950 ألف لاجئ حين النكبة، ليصبحوا حاليا 7.5 ملايين لاجئ، من بينهم 6.2 ملايين لاجئ مسجلون في سجلات الأونروا، والبقية غير مسجلين، فيما يبلغ عدد الفلسطينيين في العالم 13 مليون فلسطيني.

ووفق حنون، فإن اللاجئين موزعون في أماكن عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الخمسة، "سورية، لبنان، الأردن، قطاع غزة، والضفة الغربية"، وموجودون ضمن 58 مخيماً معترفاً بها رسمياً من قبل الأونروا، فيما توجد 5 مخيمات غير معترف بها وهي موجودة فقط في الضفة الغربية، علاوة على توزع اللاجئين في تجمعات غير المخيمات كما في بعض المدن والبلدات.
وخلال النكبة هجرت العصابات الصهيونية 950 ألف لاجئ من 534 قرية ومدينة وخربة، منها ما محيت ودمرت آثارها بالكامل ومنها غير مسكونة، أما اللاجئون الذين هجروا إلى الضفة الغربية عام 1948، فإنهم أصبحوا عام 1967 نازحين جدداً عقب احتلال الضفة الغربية، وبلغ عددهم 350 ألفاً، ولم يسجلوا كلاجئين بل كنازحين.
وتقدم وكالة الأونروا للاجئين الفلسطينيين خدمات تتعلق بالتعليم والصحة والنظافة والحماية الاجتماعية، لكنها، وبحسب حنون، تقلصت نتيجة الأزمة المالية التي تمر بها. أما المساعدات التي يتم تقديمها للاجئين فقلّت من حيث الكم والنوع، في ظل موازنة عامة ثابتة للأونروا منذ سنوات طويلة.