أساتذة مع وقف التنفيذ

30 يونيو 2017
زاد الطلب على التعليم العالي (عباس موماني/ فرانس برس)
+ الخط -
ليس صدفة أن تكون المجتمعات الأكثر تطوراً هي تلك التي أخذت جامعاتها بـ "الأقانيم الثلاثة" أي التعليم والبحث وخدمة المجتمع أو شرائح نافذة فيه على الأقل. القيام بهذه الأدوار هي التي دفعت بتلك الدول خطوات إلى الأمام عندما قامت بواجبها نحو طلابها وفي إنتاج المعرفة وإيجاد الحلول للمشكلات القطاعية التي يعاني منها المجتمع الذي تتولى خدمته.

إذا كان الدور الأول هو التعليم بما هو تعليم الطلاب الذين يدخلون الى حرم الجامعات بتخصصاتها المختلفة، فالملاحظ أن معظم الجامعات العربية وخصوصاً تلك التي نشأت مع الطفرة المَرَضية في التعليم الخاص منذ التسعينيات ومع مطلع القرن الحالي تحتاج إلى إعادة نظر في المستوى العلمي لهيئاتها التعليمية سواء أكانوا ممن يحملون درجة الدكتوراه أو أقل منها. وقد أشارت كثير من التقارير العربية والدولية إلى تراجع في مستوى وكفاءة الهيئات التعليمية، والاعتماد المتزايد على حَمَلة درجات الماستر ودبلومات الدراسات المعمقة. ما يعني أن هذه الجامعات تنتدب مثل هؤلاء للتعليم بالنظر الى عاملين متكاملين. أولهما زيادة الطلب على التعليم العالي والحاجة إلى أساتذة لتلبية الضغط المتصاعد نتيجة تدفق الأعداد والتوسع في الاختصاصات على كل صعيد.

أما العامل الثاني فلأن هؤلاء أقل كلفة من حَمَلة الدكتوراه باعتبار أن هؤلاء هم من فئة الشباب من جهة، ومن جهة ثانية لأنهم يقبلون بالأجور التي تدفعها لهم الإدارات الجامعية. ثم إنهم يقبلون العمل تبعاً لنظام التعاقد بالساعة دون التفرغ ما يمنح المؤسسة الفرصة لمراكمة الأرباح عبر التخلص من الضمانات الاجتماعية المطلوبة.

لكن الكثير ممن يحوزون شهادة الدكتوراه كانت الأطروحة التي أعدوها ونالوا على أثرها اللقب أول وآخر عمل بحثي لهم. فهناك أساتذة لم يحدث أن شاركوا في مؤتمر أو ندوة أو كتابة مقالة أو بحث أو إنتاج مؤلَف يحمل أسماءهم. وعندما تطلب الإدارات إعداد مناهج للمواد المقررة التي يدرِّسونها يعمدون الى "تدبيج" محاضرات اعتماداً على مؤلفات آخرين واعتبارها بمثابة مقررات من إعدادهم، هذا من دون الإشارة حتى إلى المؤلفين الفعليين. بعضهم الآخر لا يتكبد عناء اختيار مقتطفات من دراسات زملاء بل يقرر الكتب برمتها.

هؤلاء الذين يعيشون كسلاً أكاديمياً مزمناً ونتيجة هزال إعدادهم الأكاديمي وعجزهم عن الإضافة إلى مجال اختصاصاتهم نجدهم يرتقون نحو مواقع أكاديمية هامة من نوع أستاذ، رئيس قسم، مدير فرع أو كلية ورئيس جامعة حتى. أي أن القاعدة تنقلب هنا رأساً على عقب. ففيما تعتمد المؤسسات الأكاديمية العريقة قاعدة "اُنشر أو تهلك" بمعنى الخروج من الحرم الجامعي في حال لم تمارس إضافة علمية مرموقة إلى الاختصاص المحدد نجد أن أمثال هؤلاء يكافأون بترقيتهم نتيجة ملابسات سياسية معينة.

(أستاذ جامعي)

المساهمون