الأساتذة في جامعة صنعاء يعيشون ظروفاً بالغة الصعوبة من جرّاء عدم حصولهم على رواتبهم منذ نحو سنتَين، في حين تكتفي الإدارة المالية في الجامعة بتوزيع مبالغ بسيطة لا تكفي كأجور مواصلات بالإضافة إلى سلال غذائية بين حين وآخر. وقد دفع ذلك بعض الأكاديميين إلى العمل في مهن مختلفة بعيداً عن التدريس.
يصف الدكتور علي البريهي، وهو أستاذ في كلية الإعلام في جامعة صنعاء، حال الأكاديميين زملائه بأنّه "الأسوأ منذ تأسيس الجامعة"، مشيراً إلى أنّ "نتائج الحرب العبثية التي تشهدها البلاد وقعت على رأس الأستاذ الجامعي وتسببت له في ضرر بالغ". ويؤكد لـ" العربي الجديد" أنّ "الأستاذ الجامعي المحترم مستهدف في هذه الحرب المأساوية التي طالت والتي امتدّت آثارها لتصيب مختلف شرائح المجتمع اليمني"، شارحاً أنّ "أساتذة الجامعة يتعرضون إلى حرب من قبل الحكومة الشرعية ومن سلطات الأمر الواقع في العاصمة صنعاء. الجهتان تحرماننا من حقوقنا وتحوّلان حياتنا إلى مأساة حقيقية". يضيف أنّ "بعض الأكاديميين يحصلون على نصف راتب مرّة كل ستة أشهر، والبعض الآخر حُرم من نصف الراتب بحجج واهية وهذه الكارثة نتيجة غياب الدولة".
لمواجهة الوضع السيئ، اضطر أكاديميون إلى ترك مهنة التدريس ومزاولة أعمال أخرى من أجل كسب الرزق. الأستاذ في جامعة صنعاء أبو سمير محمد، والذي اشترط عدم ذكر اسمه كاملاً، من هؤلاء، فيؤكد أنّه بدأ بالعمل في التجارة بعدما بقي أكثر من سنتَين من دون راتب. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الحوثيين والحكومة الشرعية على حد سواء لا يريدون تسليم رواتب العاملين في الجامعات"، واصفا الأمر بـ"الاستهداف الممنهج للتعليم الجامعي".
من جهته، يتحدث الدكتور فؤاد الصلاحي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء، عن أسباب سوء أوضاع العاملين في الجامعة، فيوضح أنّ "الحالة الاقتصادية العامة سيئة في عموم اليمن، خصوصاً مع إطالة أمد الفوضى والحرب وغياب الدولة، وازدادت بالتالي معاناة فئات محددة أكثر من غيرها". يضيف أنّ "الفقراء ومحدودي الدخل والعمال وسكان الريف والموظفين بمعظمهم من أكثر اليمنيين تضرراً بسبب الحرب".
وعن أستاذة الجامعة، يقول الصلاحي إنّهم "سقطوا في واقع الفقر لأنّهم يعتمدون أساساً على الراتب الشهري الذي تقدّمه الحكومة. وعدم تسليم الرواتب أظهر المعاناة المستجدة لأساتذة الجامعات الذين دخلوا في أزمات معيشية واجتماعية كبيرة". ويشدد على أنّ "عدم صرف الرواتب يُعَدّ انتهاكاً لحقوق الإنسان والموظف، وهو جرم تقترفه الحكومات في اليمن لا تسقط حقوق المتضررين منه بالتقادم". ويبدي الصلاحي استغرابه من "صمت الحكومة الشرعية إزاء ما يعيشه الموظفون في الجامعات"، مضيفاً أنّ "الفقر والبطالة كانا قبل خمس سنوات مرتفعين بسبب إخفاق الحكومات وفشلها، إلا أنّ معدلاتهما زادت اليوم وأصابا كل فئات المجتمع. بالتالي، فقد الشعب بمختلف شرائحه ثقته بالحكومات التي لم تبدِ أيّ اهتمام بأوضاع المواطنين".
وهذا الوضع المعيشي الصعب دفع كذلك أساتذة كثيرين في الجامعة إلى طلب مساعدات غذائية من المنظمات الإغاثية لتأمين قوت أسرهم، بعدما كانت فئة الأكاديميين في الجامعة من الفئات المستقرة على المستوى المعيشي. أمّا آخرون، فغادروا اليمن بحثاً عن حياة أفضل بعدما توقفت رواتبهم وعلّقت مستحقاتهم وجرى إعفاؤهم من مهامهم لمصلحة آخرين. عبد الوهاب محمد من هؤلاء الذين تعرّضوا إلى "صرف تعسّفي" بحسب ما يقول. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الحوثيين في الجامعة عمدوا إلى تسليم وظائف كثيرة لأشخاص موالين لهم من خارج الجامعة، في مختلف الكليات والإدارات العامة، في حين حرموا الكوادر المؤهلة من المناصب الإدارية". ويشير إلى أنّه من بين الانتهاكات التي ارتكبوها، اعتقلوا أساتذة جامعيين في أثناء توجههم إلى عدن لاستلام رواتبهم من الحكومة الشرعية في يونيو/ حزيران الماضي".
في السياق، يدعو أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء، الدكتور عادل الشرجبي، رئيس الوزراء في الحكومة الشرعية في اليمن إلى إلغاء شرط النزوح الذي فرضته الحكومة على الموظفين في المحافظات الشمالية من أجل صرف رواتبهم. وفي تدوينة له على موقع "فيسبوك"، طالب الشرجبي الحكومة الشرعية بإصدار توجيهات لتسليم رواتب الموظفين في المحافظات الشمالية في أسرع وقت ممكن، مؤكداً أنّ طريقة صرف رواتب موظفي الدولة التي اعتمدتها الحكومة الشرعية هي "سياسة غير عادلة وتتعارض مع الدستور والقانون كونها تخلّ بمبدأ العدالة والمساواة بين الموظفين اليمنيين".