كثرت الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات وتوضيحات، في أعقاب حريق برج غرينفيل الذي وقع منتصف ليل الثلاثاء في غرب العاصمة البريطانية لندن، وخلّف 17 قتيلاً على الأقل حيث من المتوقّع أن يرتفع هذا الرقم خاصة بعد أن قال رجال الإطفاء إنّهم لا يتوقّعون العثور على أي شخص آخر حي في المبنى. من جهتها، أكدت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، التي قامت بزيارة قصيرة إلى مكان الحادث، إجراء تحقيق كامل حول أسبابه.
وأفادت الأنباء بأنّ العديد من سكّان البرج هم من أصول عربية من المغرب ولبنان والعراق وسورية. وأوّل ضحايا نيران الحريق كان اللاجئ السوري، محمد الحاج علي، وفق ما أوردت صحيفة "ذي تلغراف". وذكرت الصحيفة، أنّ محمّد طالب هندسة مدنية في جامعة ويست لندن، انفصل عن أخيه عمر، على السلالم حين كانا يحاولان الهرب من الجحيم المشتعل في البرج. الشاب البالغ من العمر 23 عاماً، كان يجري خلف أخيه عمر الذي يتعالج حالياً في المستشفى، لكنّ الدخان غلبه فعاد أدراجه وحده إلى شقّته في الطابق الـ 14، حيث بقي محاصراً لساعتين، اتصل خلالهما بأصدقائه وأهله في سورية التي مزّقتها الحرب، وبعث برسالة نهائية تقول: "الحريق وصل هنا الآن. وداعاً".
وقدّم الملك محمد السادس تعليماته إلى السفارة والقنصلية العامة المغربية في لندن، لمراقبة الوضع وتقديم المساعدة للمواطنين المغاربة الذين وقعوا بين ضحايا الحريق. كذلك أكّدت سفيرة لبنان في بريطانيا، إنعام عسيران، فقدان عائلة لبنانية، مؤلّفة من الوالد وزوجته وثلاث فتيات.
وقالت مفوّضة شرطة الإطفاء، داني كوتن، إنّه "ما زال هناك عدد غير معروف من الأشخاص في أطلال برج غرينفيل"، وفق ما أوردت هيئة الإذاعة البريطانية. غير أن العديد من الناس لم يفقدوا الأمل، وما زالوا يسعون للحصول على أخبار عن أفراد أسرهم وأصدقائهم، في وقت لا يزال فيه ما يزيد عن 30 شخصاً في المستشفيات، 17 منهم في حال حرجة.
وكان الحريق قد بدأ في شقة ما بين الطابقين الثاني والرابع، غير أنّه اجتاح 24 طابقاً من المبنى، في أقل من ساعة. وفتحت تحقيقات من قبل دائرة الإطفاء وشرطة العاصمة والمديرية التنفيذية لشؤون الصحة والسلامة. ويطالب كثيرون، بفتح تحقيق علني يكشف عن ملابسات هذه المأساة، خاصة في ظلّ افتقاد مبنى بهذا الحجم إلى جهاز مركزي لإنذار الحريق أو بسبب تعطّله، خاصةً أن أحداً من السكان لم يسمع جرس الإنذار. كذلك، تناولت وسائل الإعلام البريطاني باستهجان النصيحة التي دعت سكّان المبنى إلى البقاء في شققهم، وتساءلت إن كان ذلك ساهم في مقتل المزيد من الناس.
ويقول سكان غرينفيل، إنّه تمّ مؤخراً وضع لافتات في المبنى تحمل توجيهات السلامة في حالة الحريق، وتنصحهم بالبقاء في شققهم في حال وقوع حريق خارجها. كذلك أفاد كثيرون أنّهم تلقّوا التعليمات ذاتها من قبل الموظفين حين اتّصلوا على رقم الطوارئ. وقدّر البعض أنّ هذه النصيحة جاءت لأنّ الخبراء عادة ما يتوقّعون احتواء حرائق مشابهة، لكنّ النيران خيّبت تكهّناتهم وامتد الحريق بسرعة كبيرة.
وفي هذا الإطار، قال الأمين العام لفوج الإطفاء، مات وراك، إنّ التحقيق يجب أن يؤدي إلى فهم أسباب الاندلاع السريع للنيران وانتشارها في المبنى بأكمله. وأوضح في حديث مع "بي بي سي نيوزنايت": "إنّ الغاية من تقسيم بناء البرج إلى كتل يهدف إلى فصل النيران، لذلك كان ينبغي أن تقتصر النار على الشقة أو الطابق الذي انطلقت منه". أضاف وراك أنّه "ربّما تمّت المساومة أو التسوية، على الجدران المقاومة للحريق والأبواب والسقوف، لذلك فإنّ دعوة الناس في هذه الحالة، إلى البقاء في شققهم كانت في غير محلّها".
ولفتت معظم وسائل الإعلام البريطانية، إلى أن المواد الخارجية التي تمّ تركيبها كجزء من تجديد المبنى الذي بلغت قيمته 10 ملايين جنيه استرليني، في عام 2016، اشتعلت مثل عود الثقاب. إلى ذلك أفادت تقارير، أنّه تمّ تغيير الطبقة الخارجية لبرج غرينفيل، بغية تحسين شكله كونه شيّد في عام 1974. بيد أنّ المواد المستخدمة فيها قابلة للاحتراق بشكل كبير.
وأشار موقع "دايلي ميرور" إلى أنّ هناك عدداً من الحرائق البارزة الأخرى المرتبطة بمثل هذه الطبقة في منطقة الشرق الأوسط والصين. وبموجب أنظمة البناء الحالية، يجب أن تكون الجدران الخارجية مقاومة للحريق، بيد أنّ هذا لا ينطبق على المواد التي استخدمت في برج غرينفيل. كما اشتكى السكّان أيضاً من وجود طريق واحد فقط للخروج من المبنى في حالة نشوب حريق، وهو عبارة عن درج ضيّق لا يصله الضوء الطبيعي. إضافة إلى ذلك، لم يكن المبنى مهيّئاً بنظام رش المياه التلقائي في حال نشوب حريق، الذي كان من الممكن أن يطفئ أو يخّفف من حدة الحريق قبل وصول رجال الإطفاء.