أزمنة ما بعد الثورة

14 يناير 2015
+ الخط -
بعد أن خرجت الثورة من أكمتها وجدت المعارضة التونسية، بكل أطيافها، متسعا من الحرية، فعاد قياديوها من المنفى ونالت تراخيص للنشاط بصفة قانونية.

شاركت في أول انتخابات ديمقراطية تشهدها البلاد يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 وانتهت بفوز حركة النهضة الإسلامية بـ89 مقعدا من أصل 217 في البرلمان وانتخب المجلس، يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2011، المعارض لبن علي المنصف المرزوقي رئيسا للجمهورية، بعد أن صادق على القانون المؤقت للسلطات العامة، وفي نفس اليوم تم تكليف حمادي الجبالي برئاسة الحكومة.

انتهت إذن أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ تونس بسلام وشَهد المجتمع الدولي بشفافيتها.. لكن سرعان ما انهالت الانتقادات على الترويكا الحاكمة من طرف شخصيات كانت قد تحالفت معها فيما يعرف بـ"جبهة 18 أكتوبر/تشرين الأول 2005" التي تشكلت للدفاع عن الحقوق والحريات العامة ضد حكم بن علي.

انطلق التخطيط لتفكيك الترويكا منذ الإعلان عن تشكيل ائتلاف حزبي أطلق عليه اسم "الاتحاد من أجل تونس" وتواترت الإضرابات والمظاهرات بشكل شبه يومي لتبلغ سنة 2012 فقط حوالي 524 إضرابا بمساندة من اتحاد الشغل (أبرز المنظمات العمالية) وكان من أبرز المطالب تحسين ظروف العمل.

في هذا الصدد يقول الكاتب والمحلل السياسي علي اللافي في مقابلة مع ملحق "جيل العربي الجديد" إن "المعارضة آنذاك دفعت باتحاد الشغل إلى شن إضرابات عامة والتفت على المطالب الاجتماعية للعمال، كما لم تحترم مفهوم المعارضة حيث استحضرت البعد الأيديولوجي الاقصائي، واستحضرت مرحلة الثمانينيات عندما كان الصراع على أشده بين الإسلاميين واليساريين في الجامعات، وكأنها في صراع دائم مع الإسلاميين". كما يضيف اللافي أن "الترويكا هي الأخرى أقصت المعارضة ولم تتشاور معها وفق ما تقتضيه طبيعة المرحلة الانتقالية، وهو ما أدى إلى تعقيد العلاقة بين الطرفين".

بلغت الاحتجاجات أشدها في أكتوبر/تشرين الأول عندما وقعت اشتباكات بين مجموعة من المحتجين وقوات الأمن في محافظة سليانة، شمال غربي تونس، أدت إلى إصابة قرابة 300 شخص واتهمت الحكومة المعارضة وشبكة حلفائها من رموز نظام بن علي واتحاد الشغل بالوقوف وراء تلك الاحتجاجات على حد تعبير قادتها.

ظهرت بوادر أزمة سياسية في تونس وازدادت تعقيدا بتتالي الاغتيالات واهتزاز الوضع الأمني. في الأثناء اشتد عود حزب نداء تونس الذي عَرف كيف يستغل أخطاء الحكومة من جهة، ومن جهة أخرى ارتمت في حضنه أحزاب المعارضة الكاريكاتورية في عهد الرئيس المخلوع بن علي، وفتح أبوابه لرموز الفساد الاقتصادي ضمن صفقات سياسية كما يرى محللون.

في هذا السياق يؤكد خالد عبيد، أستاذ التاريخ المعاصر، "لجيل العربي الجديد" أن الأداء السيئ للترويكا الحاكمة أيضا ساعد الأحزاب المعارضة، حيث تمكنت من إزاحة الترويكا من السلطة في مرحلة أولى عبر آلية الحوار الوطني، ومرة ثانية وقع إبعادها عبر صناديق الاقتراع، ويضيف خالد عبيد، أن حركة النهضة "لم تستوعب دقة المرحلة الانتقالية خاصة من ناحية المطالب الاجتماعية والاقتصادية وانتشار العنف السياسي والإرهاب".

يقول عبيد "ساهمت هذه العوامل في صعود قوة ثانية متمثلة في حركة نداء تونس التي أحدثت توازنا في الحياة السياسية".

استفادت حركة نداء تونس إذن من حالة التجاذب بين المعارضة والحكومة بعد الثورة، حيث فازت في الانتخابات البرلمانية وفاز رئيسها في الانتخابات الرئاسية.

وتغيرت المعادلة السياسية تماما بعد أن حصلت بعض الأحزاب المعارضة في عهد بن علي على صفر مقاعد وأبرزها حزب التكتل من أجل العمل والحريات لرئيسه مصطفى بن جعفر الذي تحصل في الانتخابات الأولى بعد الثورة على 12 مقعدا، كما هو الحال بالنسبة لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي تحصل في الانتخابات الأولى على 12 مقعدا بينما تحصل في الانتخابات الفارطة على 4 مقاعد فقط وتحصل أيضا الحزب الجمهوري لرئيسه نجيب الشابي على مقعد يتيم.

هذه الهزيمة الساحقة وصفها البعض بالنكسة للأحزاب التي ناضلت طيلة عقدين من حكم النظام السابق لكن الكلمة الفصل كانت لصناديق الاقتراع التي أعطت المركز الأول لنداء تونس والمرتبة الثانية لحركة النهضة.. نتائج اعتبرها قياديون في نداء تونس عقابا للنهضة وإنصافاً لهم في المقابل ترد النهضة بالقول إن هذه النتائج مشرفة للحركة مقارنة بحملات التشويه والقصف الإعلامي طيلة فترة حكمها.


*تونس

المساهمون