تعدّدت تعاميم حاكم مصرف لبنان (البنك المركزي) والنتيجة واحدة، "لا دولار للمودعين... وفوضى في أسعار الصرف"، حسب عملاء وتجّار عملة لـ"العربي الجديد".
وقال رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، لمحافظ البنك المركزي، رياض سلامة، أمس الثلاثاء، إن ودائع الناس في البنوك "من المقدسات" ويجب عدم المساس بها.
وأكد مكتب بري في بيان عقب اجتماعه بسلامة إنه بحث الوضع المالي والنقدي وسبل حماية أموال المودعين، ولاسيما صغارهم.
وأضاف البيان "الرئيس بري جدد التأكيد لسلامة على اعتبار ودائع الناس في المصارف من المقدسات التي لا يجوز التصرف بها تحت أي ظرف من الظروف".
وتأتي هذه التصريحات في ظل أزمة كبيرة في سوق العملات، فمنذ أول من أمس، أصبح في لبنان 4 أسعار لصرف الدولار، وفق ما أكد نقيب الصيارفة، محمود مراد لـ"العربي الجديد" بقوله: "هناك الرسمي المحدد بـ 1515 ليرة لبنانية للدولار الواحد، وسعر الصراف الذي يمكن أن يصل إلى 2800 ليرة، والسوق السوداء التي لا يمكن معرفة إلى أي سعر صرف قد تصل لكنها اليوم تعتمد 2900 ليرة، وأخيراً السعر الذي ينتظر أن يطبق على الودائع الصغيرة بـ 2600 ليرة".
في المقابل، لم تنجح محاولات حاكم مصرف لبنان ونقابة الصيارفة في وضعٍ حد للسوق السوداء للعملة في ظلّ غياب الرقابة عليها، الأمر الذي حتّم تدخلاً أمنياً على أعلى مستوى.
وحسب مصادر لـ"العربي الجديد"، فإنّ مدير عام الأمن العام اللواء، عباس إبراهيم، وضع يده على الملف واعداً نقيب الصيارفة محمود مراد في اجتماع عقد بينهما أمس الثلاثاء، بمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة، وسرعان ما بدأ بتطبيق كلامه مع توقيف شعبة المعلومات في الأمن العام عددا من الصرافين غير الشرعيين في عددٍ من المناطق اللبنانية.
ووفق المصادر، التي رفضت ذكر أسمائها، سيجري التنسيق بشكل مستمرّ ومتواصل مع المدعي العام المالي، علي إبراهيم على الصعيد القضائي لمحاسبة كلّ صراف غير شرعي.
وهذا ما أكده إبراهيم لـ"العربي الجديد"، بأنّ التوقيفات باتت شبه يومية وكل سلوك غير قانوني سيحاسب عليه مرتكبه.
وقال نقيب الصيارفة، محمود مراد لـ"العربي الجديد"، إنّه بحسب علمه بدأ مصرف لبنان بصرف الدولارات لدى المودعين الصغار الذين لا تتجاوز ودائعهم الثلاثة آلاف دولار أي خمسة ملايين ليرة لبنانية وفق سعر صرف 2600، بيد أنّ "العربي الجديد" رصد عدداً من المودعين الذين عجزوا عن صرف أموالهم وفق السعر المذكور.
وأضاف: "علينا أن ننسى أمر سعر الصرف وفق 2000 ليرة لبنانية التي كانت محددة مسبقاً في تعميم مصرف لبنان الشهر الماضي عندما ألزم الصيارفة بعدم شراء الدولار بما يتجاوز نسبة الثلاثين في المئة من سعره الرسمي أي حوالي ألفي ليرة لبنانية".
أما بالنسبة لسعر الصرف الرسمي، فيرى مراد أن سعر الصرف يحدد وفق العرض والطلب لكن ما حصل الآن هو لحفظ سعر الصرف بالنسبة الى المودعين، أما الذي سيعتمد في السوق فيعود إلى العرض والطلب. بيد أنّ مصادر مصرفية أكدت لـ"العربي الجديد" أنّ العمل جار على تغيير سعر الصرف الرسمي من خلال خطوات تمهيدية وليس دفعة واحدة، وقد بدأت مع اعتماد سعر 2600 كخطوة أولى تستكمل لاحقاً بخطوات تطاول باقي المودعين.
وتأتي خطوات مصرف لبنان الأخيرة بعدما تنصّل مع بداية انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي من دوره في ضبط حركة الصرافين واستغلال هؤلاء أزمة الدولار والقيود التي تضعها المصارف اللبنانية التي حرمت المودعين من حساباتهم الدولارية، ما أدى الى تهاوي سعر العملة اللبنانية.
ويعاني اللبنانيون من صعوبات معيشية، في ظل أزمة مزدوجة نتيجة تداعيات فيروس كورونا الجديد الذي شلّ مختلف الأنشطة، وكذلك الأزمة المالية الخانقة التي دفعت الحكومة إلى التوقف عن سداد الديون.
وتزداد المعاناة مع تراجع سعر صرف الليرة في السوق السوداء إلى نحو 2900 مقابل الدولار مع استغلال الصرافين غير الشرعيين لحالة التعبئة العامة وإيقاف المصارف اللبنانية إعطاء الدولار للمودعين بحجة عدم وصولها إليهم نتيجة إقفال المطار، الأمر الذي نفته شركات الشحن التي استثنيت من قرار الإقفال، وأكدت أنها سلمت المصارف العملات الصعبة ومنها "الخضراء".
وتسببت الأزمة المالية التي يمر بها لبنان منذ أشهر في إعلان تخلفه عن سداد الديون الكبيرة المستحقة عليه بالعملة الأجنبية للمرة الأولى وشروعه في محادثات لإعادة هيكلتها أواخر مارس/ آذار.
وأضافت إجراءات العزل التي فرضتها السلطات لمكافحة انتشار فيروس كورونا للمشكلات القائمة في بلد يشهد فيه المودعون قيمة مدخراتهم تتهاوى بسبب ارتفاع الأسعار وضعف العملة المحلية وفرض قيود على السحب.