أزمة نقد أميركية... ترامب يضغط لرفع سقف الدين العام

12 يوليو 2019
مفاوضات لتجنب إغلاق الحكومة الأميركية (فرانس برس)
+ الخط -


يضغط البيت الأبيض على قادة الكونغرس الأميركي من أجل إبرام صفقة مع اتجاه أموال وزارة الخزانة إلى النفاد بوتيرة فاقت ما كان متوقعاً في السابق، وهو يسعى جاهداً إلى إبرام اتفاق إنفاق يتيح لإدارته رفع السقف المسموح به للمديونية خلال الأسبوعين أو الأسابيع الثلاثة القادمة.

لكن المحادثات تعثّرت وسط خلاف بين الديمقراطيين والبيت الأبيض، وفقاً لما أكدت "واشنطن بوست"، فيما يواجه الآن قادة واشنطن خطر حدوث أزمة مالية ربما تضع على المحكّ جهود ترامب لتحديث اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية NAFTA.

مسؤولو البيت الأبيض يعتقدون بضرورة رفع سقف الاستدانة بحلول أوائل سبتمبر/أيلول المقبل، لضمان تمكين الحكومة من دفع فواتيرها. كما أن الإنفاق على العديد من البرامج الفيدرالية مهدّد بالتوقف بنهاية الشهر المذكور، الأمر الذي يتطلب أيضاً صفقة منفصلة لمنع إغلاق الحكومة كما حصل عدة مرات سابقاً.

مكمن الخلاف: حل من اثنين

وفي محاولة لإيجاد حل للكارثة قبل وقوعها، تشاور وزير الخزانة، ستيفن منوشين، بهذا الشأن مع رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، هذا الأسبوع، والتقى يوم الأربعاء قادة الحزب الجمهوري، إلى جانب رئيس الأركان بالإنابة، ميك مولفاني.

غير أن بيلوسي أوضحت أن أي زيادة في الحد الأقصى للديون الفيدرالية يجب أن تأتي كجزء من صفقة أوسع بخصوص الموازنة على مدى عامين، وهي مقاربة يفضلها أيضاً كبار الجمهوريين في مجلس الشيوخ، لكن من غير الواضح ما إذا كان المشرعون والإدارة قادرين على الوصول إلى مثل هذا الاتفاق، قبل أن يدخل الكونغرس عطلة الصيف السنوية في أغسطس/آب المقبل.

منوشين قال للصحافيين بعد اجتماع في مكتب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش مكونيل، إن "سقف الديون هو أمر نناقشه، كما نعمل على تحديث الأرقام، وتقتضي الحاجة فعل شيء ما قبل أن يغادر الجميع لعطلة أغسطس/آب"، مضيفاً: "نريد فقط أن يمر الأمر، ولا يهمنا كيف يتم إقراره"، لدى إجابته عمّا إذا كانت الإدارة تُفضّل إجراء تصويت مستقل على سقف الديون، بدلاً من إدراجه ضمن اتفاق موازنة أكثر شمولية.

منوشين... وسيط ترامب الوحيد

في هذه المفاوضات، يعمل منوشين بصفته مبعوثاً فريداً للبيت الأبيض مع الديمقراطيين، بعدما استبعدت بيلوسي من لقاءاتها معظم كبار مسؤولي البيت الأبيض الآخرين. فقد صرفت النظر عن مولفاني لأنه "لا يتمتّع بالمصداقية" بشأن قضايا الإنفاق، وهو الذي دفع باتجاه إغلاق الحكومة أثناء خدمته في مجلس النواب. كما شوّهت بيلوسي صورة المدّعي العام، ويليام ب. بار، عندما اتهمته بالكذب على الكونغرس، كم وجّهت تصريحاً قطعياً إلى مسؤول الموازنة في البيت الأبيض خلال اجتماع عُقد في الآونة الأخيرة.

أما النقطة المضيئة الوحيدة في هذا الجانب فقد بدت كامنة في احترامها الممثل التجاري الأميركي، روبرت إي. لايتهايزر، الذي قضى أكثر من عام في رعاية العلاقات مع كبار الديموقراطيين، في محاولة لإصلاح اتفاقية "نافتا". لكن حتى هذا الجهد يتعرّض الآن لضغوط شديدة، مع مطالبة النقابات العمالية وصغار الديمقراطيين بتعديلات كبرى ربما تكون غير ممكنة من الناحية السياسية.

اختبار لعلاقة ترامب - بيلوسي

مجريات الأمور الحاصلة الآن من شأنها أن تشكل اختباراً للعلاقة المتردّية بين ترامب وبيلوسي التي حاولت لجم فريقها عن إطلاق محاكمة رسمية ضد ترامب، في حين أنها تواجه ضغوطاً أكبر مع تصاعد الحملة الرئاسية التحضيرية للانتخابات المقرّر إجراؤها عام 2020.

وقد اتخذ هجوم ترامب عليها منحىً شخصياً للغاية الشهر الماضي، عندما وصفها بأنها "شخص سيئ، انتقامي، فظيع" و"مفضوح"، خلال مقابلة أجرتها معه شبكة "فوكس نيوز" Fox News في فرنسا. وهذا ما دفع ببيلوسي إلى نبذه فعلياً، لترد بعد أيام فقط بالقول: "لقد انتهيت منه".

كما أبدت بيلوسي القليل من الاهتمام لكبار ممثلي إدارة ترامب. فقد كانت غير مبالية بانتقادها مولفاني علناً، كما أنها، في مرحلة ما خلال مفاوضات بشأن الموازنة في مايو/أيار الماضي، تجاهلت القائم بأعمال مدير مكتب الإدارة والموازنة في البيت الأبيض، روسيل فوت، عندما تحدث لتكرار الحديث عن نقطة معينة، حيث التفتت إليه سائلة: "ما اسمك مرة أُخرى، يا عزيزي؟"، وفقاً لما نقلته "واشنطن بوست" عن شخص حضر النقاش مشترطاً عدم ذكر اسمه.

رفع سقف الاستدانة وإلا...

ربما تكون لهذا الانهيار في العلاقة بين الطرفين عواقب وخيمة على الولايات المتحدة. فقد حذر مركز أبحاث يوم الإثنين من أنه يجب رفع سقف الديون في القريب العاجل، وإلا فإن الحكومة تخاطر بخسارة قدرتها على سداد مدفوعاتها أوائل سبتمبر/أيلول، فيما يعجز المشرّعون والبيت الأبيض حتى الآن عن التوصل إلى حل. ويعتبر مساعدون في الكونغرس ومسؤولون في البيت الأبيض أن جزءاً من المشكلة يكمن في الانفصال بين كبار المسؤولين في الإدارة والديمقراطيين في "الكابيتول هيل" (مقر الكونغرس).

وكان الدين العام الأميركي تجاوز للمرة الأولى في 13 فبراير/شباط 2019، عتبة 22 تريليون دولار، حيث ذكرت وزارة الخزانة أن الدين بلغ 22.012 تريليوناً، بزيادة 30 ملياراً عن الشهر الفائت، في حين أشارت وسائل إعلام أميركية، آنذاك، إلى ارتفاع الدين بوتيرة أسرع بعد تمرير قانون ضريبي، قبل أكثر من عام كلّف الاقتصاد 1.5 تريليون دولار، بعدما تضمن تخفيضات شديدة للضرائب، عملاً بما كان الرئيس ترامب قد وعد به ناخبيه إبّان حملته الرئاسية.

كما أن جهود الكونغرس لزيادة الإنفاق على البرامج المحلية والعسكرية، أضافت ديوناً تجاوزت تريليون دولار خلال 11 شهراً فقط.

الرئيس التنفيذي لـ"بيتر جي بيترسون"، المؤسسة غير الحزبية الهادفة إلى التصدي للتحديات التي تواجه الولايات المتحدة، مايكل بيترسون، كان قال لصحيفة "يو.إس.أيه توداي"، إن "الوصول إلى هذه النقطة المؤسفة بهذه السرعة هو أحدث علامة على أن وضعنا المالي ليس فقط غير قابل للتحمّل بل يتفاقم بشكل متسارع".

وعزا تنامي المديونية إلى "عدم وجود توافق هيكلي بين الإنفاق والإيرادات"، مشيراً إلى أن أكبر العوامل المؤثرة هي زيادة عدد السكان المتقدّمين في السن، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، فضلاً عن زيادة مدفوعات الفائدة.

في السياق، نقلت شبكة "بلومبيرغ" الأميركية عن تقرير أصدره مركز سياسة الحزبين الجمهوري والديمقراطي BPC قبل أيام، أن البلاد ربما تواجه عجزاً مالياً مطلع سبتمبر/أيلول بسبب شح العائدات الضريبية غير المتوقع.

وفقاً لتقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس الأميركي، فإن الدين القومي من المتوقع له أن يرتفع من 78% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية سنة 2019، إلى 92% عام 2029، بما يعني أن ديون الولايات المتحدة مرشحة لتجاوز كل ما ينتجه اقتصادها خلال عام كامل. وهذا كُله يشير، بحسب آنّا كوريولوفا، في "إكسبرس أونلاين، إلى أن الدين القومي الأميركي لا يُسدّد من إيرادات الاقتصاد الأميركي بحد ذاته كما يُفترض، بل خلال جذب أموال جديدة للاكتتاب في السندات الصادرة عن وزارة الخزانة.

وفي واحدة من الحالات القليلة التي يتفق فيها الطرفان خلال الفترة الأخيرة، أعلن زعماء الحزب الديمقراطي في الكونغرس توصلهم مطلع مايو/أيار الماضي، إلى اتفاق مع ترامب على إنفاق تريليونَي دولار على مشروعات للبنية التحتية، بعدما تخلى عن وعده الانتخابي بإنفاق تريليون دولار.

وعقب الاجتماع، الذي يعد الأول منذ إغلاق الحكومة الأميركية أبوابها في الشتاء الماضي لمدة 35 يوماً، ولم يحضره ممثلون عن حزب الرئيس ترامب الجمهوري، قال زعيم الأقلية بمجلس الشيوخ، تشاك شومر، إن المقابلة مع الرئيس كانت "إيجابية"، وإنهم اتفقوا على عقد لقاء آخر خلال 3 أسابيع للاستماع إلى أفكاره المتعلقة بسبل تأمين المبلغ اللازم.

"ساعة الدين" 22.485 تريليون دولار

وفقاً لموقع "ساعة الدين الأميركي" الذي يقيس حجم الدين العام في الولايات المتحدة لحظة بلحظة، إضافةً إلى مختلف المؤشرات الرئيسية للموازنة الفيدرالية، فقد تخطت المديونية حتى يوم الخميس، 22 تريليوناً و485 ملياراً و500 مليون دولار.

ويعني ذلك أن الدين يرتب على كل مواطن 68 ألفاً و291 دولاراً. كما تجاوز عجز الموازنة الفيدرالي تريليوناً و28 ملياراً و140 مليون دولار. أما الإنفاق فقد تخطى 4 تريليونات و434 ملياراً.

المساهمون