أزمة مواقد اليمن...غاز الطهي لمن يدفع والأسر تعود إلى الحطب

10 ديسمبر 2019
انتشار بيع الحطب في ظل أزمة الغاز (فرانس برس)
+ الخط -

لا تتوقف أزمات الغاز المنزلي في اليمن، ما أن تخف حتى تعود مرة أخرى في العاصمة صنعاء والعديد من المدن، في ظل اختفاء مفاجئ لهذه المادة وارتفاع أسعارها إلى نحو 10 آلاف ريال (18.1 دولاراً) للأسطوانة (القنينة) في السوق السوداء.

وتتفاقم الأزمة مع انتشار السيارات العاملة بالغاز المنزلي، التي دخلت كمستهلك رئيسي، ما زاد من صعوبة المنازل في الحصول على احتياجاتها للطهي وكذلك المطاعم والأفران.


وتشير بيانات رسمية إلى تحويل ما يقرب من 150 ألف سيارة للعمل بالغاز في اليمن منها 70 ألفا فقط في صنعاء، الأمر الذي يعد وفق خبراء سبباً رئيسياً في أزمة الغاز، التي أصبحت مزمنة جراء شح المعروض وارتفاع الطلب، خاصة مع حلول فصل الشتاء.

ويقول مواطنون لـ"العربي الجديد" إن الكثير من الوجبات والمأكولات اختفت من موائدهم، بينما عبر البعض عن توقف عملية الطبخ في المنازل إلا للضرورة القصوى والاعتماد على شراء احتياجاتهم من المطاعم، حفاظاً على ما تبقى من أسطوانات الغاز لديهم.


المواطن أنور منصور من سكان صنعاء يؤكد أن نقص أسطوانات الغاز أصبح متكرراً، وكثيرا ما نتنقل بالأسطوانة بين محطات التعبئة دون الظفر بواحدة ممتلئة".


ويؤكد محمد الرباصي، وهو موظف مدني، أن مدة الحصول على أسطوانة الغاز تصل إلى 35 يوماً وقد تطول، بينما كانت في السابق 20 يوما.

كما يشير ناصر الحمامي، عامل بناء، إلى أن توفير الغاز المنزلي يمثل هما كبيرا له ولعائلته، لافتا إلى أنه يفكر جدياً في ترك صنعاء والعودة إلى الريف مع أسرته، لأن الحياة أصبحت قاسية بالمدن في ظل انعدام أبسط مقومات الحياة.

وبينما يلجأ الكثير من ملاك المطاعم والمخابز إلى السوق السوداء لشراء الغاز بأسعار مضاعفة، أصبح الحطب الذي لاحظت "العربي الجديد" انتشاره في بعض أسواق وأرصفة شوارع صنعاء خيارا رئيسيا للكثير من الأسر لتعويض الغاز المنزلي في مطابخهم.

وباتت الكثير من الأسر تعتمد على المخابز والمطاعم في توفير احتياجاتهم من الخبز وبعض المأكولات لصعوبة الحصول على الغاز المنزلي.

ومنذ أكثر من عام، اقتصر توزيع وبيع الغاز عبر من يطلق عليهم "عقال الحارات" في صنعاء، حيث يتطلب الحصول على أسطوانة الانتظار طويلا بعد الخضوع إلى سلسلة طويلة من الإجراءات يشرف عليها عقال الحارات كمحطات توزيع معتمدة، أو القيام برحلة بحث شاقة في محطات التعبئة والسوق السوداء المتشعبة، والتي أصبحت مرتعا خصبا للمركبات والسيارات وباصات النقل الداخلي العاملة بالغاز.


وتصل إمدادات غاز الطهي من مأرب (وسط اليمن). وتقول مصادر في شركة الغاز الحكومية في مأرب إن أكثر من 100 ألف أسطوانة تصل يومياً للمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.

لكن متعاملين في سوق الغاز يشيرون إلى أن مشكلة الغاز المنزلي مستعصية على الحل نتيجة للوضع الراهن الذي تعيشه البلاد من انقسام وحرب، الأمر الذي انعكس سلبيا على الإنتاح وحركة الأسواق، فضلا عن مزاحمة المركبات للطلب المنزلي على الغاز، مما يخلق الأسواق الموازية بفوارق حادة في الأسعار تتجاوز الضعف.

عبد الكريم النعامي، صاحب محطات تعبئة لبيع الغاز، يشكو في حديث لـ"العربي الجديد" من فوضى التعامل مع هذه المادة من قبل الجهات المعنية، مشيرا إلى أن توزيعها كان منحصراً بشكل كبير في السابق على المحطات، لكن الآن هناك عشوائية في التوزيع.

ويضيف النعامي أن أعمال محطات التوزيع المنظمة والمعتمدة على أساطيل نقل، أضحت متوقفة نتيجة لهذه العشوائية والتغيير في عمليات الإنتاج والبيع والنقل والاحتكار، إذ لا تتجاوز نسبة تعبئتهم 2 في المائة، والسبب "التواطؤ مع فئات أقامت محطات عشوائية للتعبئة" وفق تعبيره.

ويحذر النعامي من خطورة تغلغل السوق السوداء في بيع الغاز، بالإضافة إلى التلاعب بالموازين والتي تطبق على النظاميين فقط بينما لا يلزم بها بعض العاملين بصورة عشوائية.


أكرم سعيد، الذي يعمل موزعا للغاز، يرى أن السيارات العاملة بهذه المادة، هي السبب في انتشار السوق السوداء للغاز واختفائه وبيعه بأسعار مضاعفة، مشيرا إلى أن سعر الغاز الرخيص الذي كان في حدود 3 آلاف ريال للأسطوانة، دفع أصحاب السيارات وخصوصا مركبات وباصات النقل الداخلي لتحويلها للعمل بهذه المادة إلى جانب البنزين، عبر شركات متخصصة تعمل في هذا المجال، لا سيما أن سعر الوقود قفز منذ عامين رسميا إلى 7500 ريال لكل 20 لتراً.

من جانبه، يتطرق عبد الواحد العوبلي، المسؤول في قطاع النفط والغاز، إلى سبب آخر في أزمات الغاز المتلاحقة، وهو تناقص الإنتاج بسبب خروج الكثير من الاَبار في حقول صافر النفطية والغازية عن الخدمة لعدم الصيانة والإهمال.

وتشير بيانات رسمية إلى أن الاستهلاك المحلي ارتفع إلى نحو 600 ألف أسطوانة يوميا، وهو رقم كبير يؤدي عند نشوب أي مشكلة إلى زيادة الطلب ومن ثم يشكل ضغطا كبيرا على الجهات المعنية بالتسويق والتوزيع.
ويغطي "القطاع 18" في مأرب احتياجات السوق المحلية من الغاز المنزلي بنسبة 100 في المائة، إذ كان ينتج نحو 30 ألف طن من هذه المادة، قبل أن تنخفض إلى أقل من 20 ألف بحسب مصادر في شركة صافر لـ"العربي الجديد" بسبب ظروف الحرب المستمرة.


وكان إنتاج القطاع حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2014 يصل إلى 35 برميل نفط يومياً، بالإضافة إلى 30 ألف برميل غاز منزلي يوميا ، ومليار و200 مليون قدم مكعبة يوميا من الغاز الطبيعي كان يصدر إلى ميناء بلحاف أي ما يعادل 200 ألف برميل نفط مكافئ.

وتشهد مختلف المناطق اليمنية منذ مطلع 2015 فوضى مستمرة، طاولت الأنشطة الإنتاجية والخدمية والتجارية، وسط ندرة وتردٍّ في الخدمات وارتفاع كبير في الأسعار.


وكان تقرير صادر حديثاً عن قطاع الدراسات الاقتصادية في وزارة التخطيط، بالتعاون مع منظمة اليونيسف، قد قدّر كلفة الفرص الضائعة في الناتج المحلي الإجمالي في اليمن جراء الحرب المستمرة بنحو 66 مليار دولار.

وكان البنك الدولي قد قال في تقرير "الآفاق الاقتصادية 2019"، الصادر حديثاً، واطلعت عليه "العربي الجديد"، إن الصراع العنيف في اليمن أدى إلى تعطل شديد في النشاط الاقتصادي وصادرات النفط والغاز، فضلاً عن إلحاق أضرار بالغة بالبنية التحتية، وتعليق الخدمات العامة الأساسية على نطاق واسع، إذ تسبب توقف صادرات النفط في نقص حاد في النقد الأجنبي، كما انخفضت الإيرادات الحكومية بشدة، وتفككت مؤسسات الدولة مثل البنك المركزي.

المساهمون